سليمان بن عبد
الملك:
هو سليمان
بن عبد الملك بن مروان ولد سنة 54 من الهجرة.
بويع
بالخلافة بعد موت أخيه وكان بالرملة من أرض فلسطين، وكانت لأول عهده أحداث خير
وشر.
كان سليمان
يبغض الحجاج وأهله وولاته وكان الحجاج يخشى أن يموت الوليد قبله فيقع في يد سليمان
فعجل اللَّه به وكان على العكس من ذلك يميل إلى يزيد بن المهلب عدو الحجاج الألد،
فلما ولي سليمان كان أول عمل بدأ به أن ولي يزيد بن أبي كبشة السكسي السند فأخذ
محمد بن القاسم وقيده وحمله إلى العراق فقال محمد ممثلاً:
ليوم كريهة وسداد ثغر | | أضاعوني وأي فتى أضاعوا |
فبكى أهل
السند على محمد، فلما وصل إلى العراق حبس بواسط.
ثم عذبه
صالح بن عبد الرحمن في رجال من آل أبي عقيل حتى قتلهم وبذلك انتهت حياة هذا القائد
إرضاء لأهواء الخليفة حتى تقر نفسه بالانتقام وتناسى ما فعله ذلك القائد من عظيم
الأعمال، ولا ندري كيف تنبغ القواد وتخلص قلوبهم إذا رأوا أن نتيجة أعمالهم تكون
على مثل ذلك.
أما القائد
الثاني قتيبة بن مسلم فإنه كان ممن وافق الوليد على غرضه في عزل سليمان وتولية ابنه
عبد العزيز فاضطغنها عليه سليمان وهو يعد من صنائع الحجاج فلما ولي سليمان أشفق منه
قتيبة وخاف أن يولي خراسان يزيد بن المهلب، فكتب إليه كتاباً يهنئه ويعزيه عن
الوليد وبعلمه بلاءه وطاعته لعبد الملك والوليد وأنه لو على مثل ما كان لهما عليه
من الطاعة والنصيحة إن لم يعزله عن خراسان وكتب كتاباً ثانياً يعلمه فيه فتوحه
ونكايته وعظم قدره عند ملوك العجم وهيبته في صدورهم وعظم صوته. ويذم المهلب وآل
المهلب ويحلف لئن استعمل يزيد على خراسان ليخلعنه.
وكتب
كتاباً ثالثاً فيه خلعه وأرسل الكتب الثلاثة مع رجل باهلي وقال له ادفع إليه الكتاب
الأول. فإن كان يزيد بن المهلب حاضراً فقرأ ورماه إليه فادفع إليه الثاني، فإن قرأه
ورماه إليه فادفع إليه الثالث. فإن قرأ الكتاب الأول ولم يرمه إليه، فاحتبس
الكتابين الآخرين. فقدم رسول قتيبة على سليمان وعنده يزيد بن المهلب فدفع إليه
الكتاب الأول فقرأه ورماه إلى يزيد فدفع إليه الثاني فقرأه ورماه إلى يزيد فأعطاه
الثالث فقرأه.
فتعمر وجهه
واحتبس الكتاب في يده وحول الرسول إلى دار الضيافة. ولما أمسى أجاز الرسول وأعطاه
عهد قتيبة على خراسان فخرج حتى إذا كان بحلوان بلغه ما كان من أن قتيبة غير مطمئن
إلى سليمان فأجمع رأيه على خلعه فدعا الناس الذين معه إلى ذلك فأبى عليه الناس
وولوا أمرهم وكيعاً سيد بني تميم فثاروا على قتيبة حتى قتلوه هو وإخوته وأكثر بنيه.
قال رجل من عجم خراسان يا معشر العرب قتلتم قتيبة واللَّه لو كان منا فمات فينا
جعلناه في تابوت فكنا نستفتح به إذا غزونا وما صنع أحد قط بخراسان ما صنع قتيبة إلا
أنه قد غدر وذلك أن الحجاج كتب إليه أن أحتلهم واقتلهم وكانوا يسمون قتيبة هناك ملك
العرب فانظروا كيف كانت قوة قتيبة وسيادته في الجماعة وكيف ضاع ذلك كله بسبب هذه
الفتنة التي تعجلها قتيبة وما كان ضره لو تأنى.
كانت قيس
تزعم أن قتيبة لم يخلع وإنما تجنى عليه وكيع وعلى كل حال فإن الذي حصل كان موافقاً
لهوى سليمان بن عبد الملك.
وأما
القائد الثالث وهو موسى بن نصير فإن خاتمة حياته كانت أتعس من صاحبيه فإنه قبل أن
يتوفى الوليد استقدمه إلى دمشق فقدم وقد مات الوليد وكان سليمان منحرفاً عنه فعزله
عن جميع الأعمال وحبسه وأغرمه مالاً عظيماً لم يقدر على وفائه فكان يسأل العرب في
معونته وعلى الجملة فإن فاتحة عهد سليمان لم تكن مما يسر لما أصاب هؤلاء القواد
العظام من التعس بعد بلائهم.
أما العامة
فإنهم استبشروا به لأنه أزاح عنهم عمال الجور والعسف الذين كانوا عليهم في عهد أخيه
وأطلق الأسارى وخلى أهل السجون وأحسن إلى الناس.