الحيض
لغة: السيلان. وشرعاً: دم طبيعة وَجِبِلَّة، يخرج من قعر الرحم في أوقات معلومة،
حال صحة المرأة، من غير سبب ولادة.
والنفاس: دم يخرج من المرأة عند
الولادة.
المسألة
الأولى: بداية وقت الحيض ونهايته:
لا حيض
قبل تمام تسع سنين؛ لأنه لم يثبت في الوجود لامرأة حيض قبل ذلك. وقد روي عن عائشة
رضي الله عنها أنها قالت: (إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة) (1).
ولا حيض
بعد خمسين سنة في الغالب على الصحيح. وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
(إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض) (2).
المسألة
الثانية: أقل مدة الحيض وأكثرها:
الصحيح:
أنه لا حدَّ لأقله ولا لأكثره، وإنما يُرجع فيه إلى العادة
والعرف.
المسألة
الثالثة: غالب الحيض:
وغالبه ست
أو سبع. لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحمنة بنت جحش: (تَحَيضِي في
علم الله ستة أيام، أو سبعة، ثم اغتسلي وصلي أربعة وعشرين يوماً، أو ثلاثة وعشرين
يوماً، كما يحيض النساء ويطهرن لميقات حيضهن وطهرهن) (3).
__________
(1)
ذكره الترمذي (3/418)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/320) بدون إسناد.
(2) المغني
1/406.
(3) رواه أبو داود برقم (287)، والترمذي برقم (128) وقال: حسن صحيح.
وحسَّنه الألباني (صحيح الترمذي برقم 110).
المسألة
الرابعة: ما يحرم بالحيض والنفاس:
يحرم بسبب
الحيض والنفاس أمور:
1- الوطء في الفرج: لقوله تعالى: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ
فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) [البقرة: 222]. فقال
النبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين نزلت: (اصنعوا كل شيء إلا
النكاح) (1).
2- الطلاق: لقوله تعالى: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)
[الطلاق: 1]. وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمر لما طلق ابنه عبد
الله امرأته في الحيض: (مره فليراجعها) الحديث (2).
3- الصلاة: لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفاطمة بنت أبي حبيش: (إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة)
(3).
4- الصوم: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أليس إحداكن إذا
حاضت لم تصم، ولم تصلِّ؟) قلن: بلى (4).
5- الطواف: لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة رضي الله عنها لما حاضت: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا
تطوفي بالبيت حتى تطهري) (5).
6- قراءة القرآن: وهو قول كثير من أهل العلم من
الصحابة والتابعين، ومَنْ بعدهم. لكن إذا احتاجت إلى القراءة -كأن تحتاج إلى مراجعة
محفوظها حتى لا يُنسى، أو تعليم البنات في الدارس، أو قراءة وردها- جاز لها ذلك،
وإن لم تحتج فلا تقرأ، كما قال به بعض أهل العلم (6).
__________
(1) أخرجه
مسلم برقم (302).
(2) رواه البخاري برقم (5251)، ومسلم برقم (1471).
(3) رواه
البخاري برقم (320)، ومسلم برقم (333).
(4) رواه البخاري برقم (304).
(5)
متفق عليه: البخاري برقم (305)، ومسلم برقم (1211) (119).
(6) انظر: الشرح
الممتع (1/291-292).
(7) رواه أبو داود برقم (232)، وصححه ابن خزيمة، وحسنه ابن
القطان وابن سيد الناس. انظر: نيل الأوطار (1/288) ح رقم
305
7- مس
المصحف: لقوله تعالى: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة: 79].
8-
دخول المسجد واللبث فيه: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا أُحِلُّ
المسجد لجنب، ولا حائض) (7)، ولأنه -(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)- كان يدني
رأسه لعائشة، وهي في حجرتها، فترجله وهي حائض، وهو حينئذ مجاور في المسجد (1). وكذا
يحرم عليها المرور في المسجد إن خافت تلويثه، فإن أمنت تلويثه لم
يحرم.
المسألة
الخامسة: ما يوجبه الحيض:
1- يوجب
الغسل: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (دعي الصلاة قدر الأيام التي
كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي) (2).
2- البلوغ: لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) (3). فقد أوجب عليها
السترة بحصول الحيض، فدلَّ على أن التكليف حصل به، وإنما يحصل ذلك بالبلوغ.
3-
الاعتداد به: فتنقضي العدة في حق المطلقة ونحوها بالحيض لمن كانت تحيض، لقوله
تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)
[البقرة: 228].
يعني: ثلاث حِيَض.
4- الحكم ببراءة الرحم في الاعتداد
بالحيض.
تنبيه: إذا طهرت الحائض أو النفساء قبل غروب الشمس؛ لزمها أن تصلي الظهر
والعصر من هذا اليوم، ومن طهرت منهما قبل طلوع الفجر لزمها أن تصلي المغرب والعشاء
من هذه الليلة؛ لأن وقت الصلاة الثانية وقت للصلاة الأولى في حال العذر. وبه قال
الجمهور: مالك والشافعي وأحمد (4).
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (296).
قال الحافظ ابن حجر: "في الحديث دلالة على... أن الحائض لا تدخل المسجد" (فتح
الباري 1/401).
(2) رواه البخاري برقم (306)، ومسلم برقم (334).
(3) رواه أبو
داود برقم (641)، والترمذي برقم (377) وحسنَّه، وابن ماجه برقم (655)، وصححه
الألباني في الإرواء (1/215).
(4) انظر: الملخص الفقهي
(1/59-60).
المسألة
السادسة: أقل النفاس وأكثره:
لا حدّ
لأقل النفاس؛ لأنه لم يرد فيه تحديد، فرجع فيه إلى الوجود، وقد وجد قليلاً وكثيراً.
وأكثره أربعون يوماً. قال الترمذي: أجمع أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومَنْ بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن
ترى الطهر قبل ذلك، فتغتسل وتصلي، ولحديث أم سلمة: (كانت النفساء على عهد النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تجلس أربعين يوماً)
(1).
المسألة
السابعة: في دم المستحاضة:
الاستحاضة:
سيلان الدم في غير وقته على سبيل النزيف، من عرق يسمى العاذل.
ودم الاستحاضة
يخالف دم الحيض في أحكامه وفي صفته، وهو عرق ينفجر في الرحم، سواء كان في أوقات
الحيض أو غيرها، وهو لا يمنع الصلاة ولا الصيام ولا الوطء؛ لأنها في حكم الطاهرات.
ودليله حديث فاطمة بنت أبي حبيش: قالت: يا رسول الله إني أُسْتَحَاضُ، فلا أطهر،
أفأدع الصلاة؟ فقال: (لا، إن ذلك عِرْق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي
الصلاة، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي) (2). فيجب عليها أن تغتسل عند نهاية
حيضتها المعتبرة، وعند الاستحاضة تغسل فرجها، وتجعل في الخرج قطناً ونحوه يمنع
الخارج، وتشد عليه ما يمسكه عن السقوط. ويغني عن ذلك الحفائظ الصحية في هذا الوقت،
ثم تتوضأ عند دخول وقت كل صلاة.
__________
(1) رواه أبو داود برقم (312)،
والترمذي برقم (139)، وابن ماجه برقم (648)، وقال الألباني: موقوف ضعيف. (الإرواء
1/226).
(2) رواه البخاري برقم (306)، ومسلم برقم
(334).
والمستحاضة
لها ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن تكون لها عادة معروفة، بأن تكون مدة الحيض
معلومة لديها قبل الاستحاضة، فهذه تجلس قدر عادتها، وتدع الصلاة والصيام، وتُعَدُّ
حائضاً، فإذا انتهت عادتها اغتسلت وصلّت وعدَّت الدم الخارج دم استحاضة؛ لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأم حبيبة: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك،
ثم اغتسلي، وصلي) (1).
الحالة الثانية: إذا لم تكن لها عادة معروفة، لكن دمها
متميز بعضه يحمل صفة الحيض: بأن يكون أسود أو ثخيناً أو له رائحة، والباقي يحمل صفة
الاستحاضة، دم أحمر ليس له رائحة. ففي هذه الحالة ترد إلى العمل بالتمييز؛ لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لفاطمة بنت أبي حبيش: (إذا كان دم الحيض فإنه
أسود يعرف، فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضَّئي، وصلي فإنما هو عرق)
(2).
الحالة الثالثة: إذا لم تكن لها عادة ولا صفة تميز بها الحيض من غيره، فهذه
تجلس غالب الحيض ستاً أو سبعاً؛ لأن هذه عادة غالب النساء، وما بعد هذه الأيام من
الدم يكون دم استحاضة تغسله، ثم تصلي، وتصوم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لحمنة بنت جحش: (إنما هي رَكْضَةٌ من الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة
أيام ثم اغتسلي، فإذا استَنْقَأتِ فصلي وصومي فإن ذلك يجزئك) (3). ومعنى (ركضة من
الشيطان) يعني: دفعة، أي: إن الشيطان هو الذي حرَّك هذا الدم.
__________
(1)
رواه مسلم برقم (334) (65).
(2) رواه أبو داود برقم (286) وصححه ابن حبان
(الإحسان 2/458)، والحاكم (1/174)، وصححه
الألباني (إرواء الغليل برقم
204).
(3) رواه أبو داود برقم (287)، والترمذي برقم (128) وقال: حسن صحيح،
وحسَّنه الألباني (الإرواء
برقم 205).