1- تعريف القذف:
القذف لغة: الرمي، ومنه القذف بالحجارة وغيرها، ثم استعمل في
الرمي بالمكاره كالزنى واللواط ونحوهما؛ لعلاقة المشابهة بينهما، وهي
الأذى.
وشرعاً: الرمي بزنى أو لواط، أو شهادة بأحدهما ولم تكمل البينة، أو نفي
نسب موجب للحد فيهما.
2- حكم القذف:
القذف في الأصل حرام بالكتاب، والسنة،
والإجماع، وكبيرة من كبائر الذنوب، فيحرم الرمي بالفاحشة.
لقوله تعالى: (إِنَّ
الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي
الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النور: 23].
ولحديث أبي
هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
(اجتنبوا السبع الموبقات)، وذكر منها: (قذف المحصنات المؤمنات الغافلات)
(1).
وقد أجمع المسلمون على تحريم القذف وعدوه من كبائر الذنوب.
ويجب القذف
على من يرى زوجته تزني، ثم تلد ولداً يقوى في ظنه أنه من الزاني؛ لئلا يلحقه الولد،
ويدخله على قومه وليس منهم. ويباح القذف لمن رأى زوجته تزني، ولم تلد من ذلك
الزنى.
حد القذف، والحكمة منه:
1- حد القذف: لقد قرر الشارع أن من قذف مسلماً بالزنى، ولم تقم بينة
على صدقه فيما قذف به أنه يجلد ثمانين جلدة إن كان حراً، وأربعين إن
كان
__________
(1) رواه البخاري برقم (2766)، ومسلم برقم
(89).
عبداً، رجلاً كان أو امرأة، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ
ثَمَانِينَ جَلْدَةً) [النور: 4]. ويجب على القاذف -مع إقامة الحد عليه- عقوبة، وهي
رد شهادته والحكم بفسقه؛ لقوله تعالى: (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا
وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور: 4].
فإذا تاب القاذف قبلت شهادته،
وتوبته: أن يكذب نفسه فيما قذف به غيره، ويندم ويستغفر ربه، لقوله تعالى: (إِلَّا
الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ) [النور: 5].
2- الحكمة منه: يهدف الإسلام من إقامة حد القذف إلى صيانة
المجتمع، والمحافظة على أعراض الناس، وقطع ألسنة السوء، وسد باب إشاعة الفاحشة بين
المؤمنين.
شروط إيجاب حد القذف:
لا يجب حد القذف إلا إذا توافرت شروط في القاذف، وشروط في المقذوف، حتى
يصبح جريمة تستحق عقوبة الجلد:
أولاً: شروط القاذف، وهي خمسة:
1- أن يكون
بالغاً، فلا حد على الصغير.
2- أن يكون عاقلاً، فلا حد على المجنون
والمعتوه.
3- ألا يكون أصلاً للمقذوف، كالأب والجد والأم والجدة، فلا حدَّ على
الوالد -الأب أو الأم- إن قذف ولده -الابن أو البنت- وإن سفل.
4- أن يكون
مختاراً، فلا حد على النائم والمكره.
5- أن يكون عالماً بالتحريم، فلا حد على
الجاهل.
ثانياً: شروط المقذوف، وهي خمسة أيضاً:
1- أن يكون المقذوف مسلماً،
فلا حدَّ على من قذف كافراً؛ لأن حرمته ناقصة.
2- أن يكون عاقلاً، فلا حدَّ على
من قذف المجنون.
3- أن
يكون بالغاً أو يكون ممن يطأ ويوطأ مثله، وهو ابن عشر وبنت تسع فأكثر.
4- أن
يكون عفيفاً عن الزنى في الظاهر، فلا حدَّ على من قذف الفاجر.
5- أن يكون
المقذوف حراً، فلا حدَّ على من قذف مملوكاً، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: (من قذف مملوكه بالزنى يقام عليه الحد يوم القيامة، إلا أن يكون كما
قال) (1).
قال الإمام النووي رحمه الله: "فيه إشارة إلى أنه لا حدَّ على قاذف
العبد في الدنيا، وهذا مجمع عليه، لكن يعزر قاذفه؛ لأن العبد ليس بمحصن..."
(2).
فتبين مما تقدم أن شرط إقامة الحد على القاذف أن يكون المقذوف محصناً، وهو
من كان: مسلماً، عاقلاً، حراً، عفيفاً عن الزنى، بالغاً أو يكون ممن يطأ أو يوطأ
مثله. وذلك لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) [النور:
4].
فمفهوم ذلك: أنه لا يُجلد من قذف غير المحصن.
شروط
إقامة حدَّ القذف:
إذا وجب حدُّ القذف فإنه لا بد من شروط أربعة لإقامته،
وهي:
1- مطالبة المقذوف للقاذف، واستدامة الطلب حتى إقامة الحد؛ لأن حدَّ القذف
حق للمقذوف لا يقام إلا بطلبه ويسقط بعفوه. فإذا عفا عن القاذف سقط الحد عنه، لكنه
يُعَزر بما يردعه عن التمادي في القذف المحرم.
2- ألا يأتي القاذف ببينة على
ثبوت ما قذف به -وهي أربعة شهداء-؛ لقوله تعالى: (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ
شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ) [النور: 4].
3- ألا يصدقه المقذوف فيما قذفه به ويقر
به، فإن أقر المقذوف، وصدَّق القاذف، فلا حدَّ؛ لأن ذلك أبلغ في إقامة
البينة.
4- ألا يلاعن القاذف المقذوف، إن كان القاذف زوجاً، فإن لاعنها سقط
الحد، كما مضى في اللعان.
__________
(1) أخرجه مسلم برقم (1660).
(2) شرح
مسلم (11/131-132).