إن الإحساس بالتميز والاستعلاء والاستكبار لا بد أن يؤدي باليهود إلى
التعصب لجنسهم، وزاد في ذلك تأثرهم بمن كانوا يعيشون بينهم في أوروبا القومية،
وبالتعصب الديني السائد في أوروبا في العصور الوسطى مما ألجأ اليهود إلى الانعزال -
إضافة إلى عوامل أخرى - والانفراد بأحياء خاصة بهم عرفت باسم (الجيتو) كما عرفت في
الدول العربية باسم (حارة اليهود)، فادعوا تلك الدعوى الزائفة (بأن جميع يهود
العالم من سلالة شعب إسرائيل، وأن يهود كل بلدان العالم إنما هم امتداد عضوي للآباء
الأول من عصر إسحاق ويعقوب). وقال زعيم الصهيونية هرتزل: (إن اليهود بقوا شعباً
واحداً وعرقاً متميزاً، إن قوميتهم المتميزة لا يمكن أن تزول، ويجب أن لا تنقرض،
لذلك لا يوجد غير حل واحد فقط للمسألة اليهودية، هي الدولة اليهودية). بهذا النص
يتبين لنا الهدف والمغزى من تلك الدعوى الزائفة، وهو تبرير الاحتلال اليهودي
الصهيوني لفلسطين بدعوى العودة إلى أرض الآباء والأجداد!! وقد بلغ من تأثير الدعاية
الصهيونية وترويجها لهذه الأسطورة أن صدَّقها بعض العرب، فاعتقدوا بأن اليهود
المتجمعين في إسرائيل هم من سلالة النبي الكريم يعقوب (إسرائيل) عليه الصلاة
والسلام.
- بطلان هذه الدعوى:
إذا عدنا إلى تاريخ اليهود وكتبهم المقدسة لديهم وجدنا أن الاختلاط الجنسي
بين اليهود وغيرهم ثابت منذ بداية تاريخهم، فقد ورد في كتبهم ما يأتي: (فسكن بنو
إسرائيل في وسط الكنعانيين والحثيين والأموريين والفرزيين والحويين واليبوسيين،
واتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء، وأعطوا بناتهم لبنيهم وعبدوا آلهتهم). ولو ألقينا
نظرة خاطفة على اليهود المعاصرين لوجدناهم مختلفي الألوان والأشكال حسب البلاد التي
عاشوا فيها وقدموا منها إلى فلسطين، لذلك يقول عالم الأنثروبولوجيا السويسري أوجين
بيتار: (إن جميع اليهود في نظر علماء الأنثروبولوجيا، على الرغم من كل ما يدَّعيه
اليهود والمنضوون تحت الفكرة العنصرية الإسرائيلية، بعيدون عن الانتماء إلى (جنس
يهودي)، وكما يقول رينان: (لا توجد سحنة يهودية، بل هناك عدة سحنات يهودية)، وليس
هناك أصحُّ من قوله هذا، فنحن لا نستطيع أن نعتبر اليهود الحاليين مكوِّنين لكتلة
بشرية ذات عنصر واحد، ولا حتى في فلسطين، بعد أن جرَّت إليها الحركات الصهيونية
كثيراً من الإسرائيليين دون اختيار أو تمييز. فاليهود ينتمون إلى طائفة دينية
واجتماعية، اندمج فيها في كل عصور التاريخ أشخاص من أجناس متباينة، وكان أولئك
المتهودون يدخلون فيها من جميع الآفاق المسكونة بالبشر، من اليهود الأحباش-
الفلاشة- إلى اليهود الأشكناز- من الجنس الجرماني- إلى التاميل - اليهود الأفارقة
الزنوج - إلى اليهود الهنود الذين يسمَّون ببني إسرائيل، واليهود الخزر الذي ينتمون
إلى الجنس التركي، فهل هناك من هذه الأنواع الإسرائيلية نوع يعتبر من ناحية التشريح
والتحليل ممثلاً حقيقيًّا ونقياً للجنس اليهودي؟! (ويستمر عالم الأجناس البشرية
السويسري في تحليل كل نوع من الجاليات اليهودية في العالم، من حيث القامة والجمجمة
والهيكل العظمي والتقاطيع ولون البشرة والشعر والعينين وشكل الأنف وغيرها من
المميزات البيولوجية، ليخرج بنتيجة حاسمة، وهي أن الدعوى العنصرية التي يجاهر بها
اليهود من ناحية وأعداء اليهود من ناحية أخرى ليست إلا ادعاءً خرافيًّا من نسج
الخيال). ولو أردنا معرفة حقيقة الكثرة الغالبة من اليهود المعاصرين في فلسطين
المحتلة، وخاصة الطبقة الحاكمة في إسرائيل من السياسيين وكبار القادة العسكريين
وأقطاب الصهيونية الحديثة، لوجدنا أنهم ينتمون إلى يهود الأشكناز، وهم أحفاد الخزر
الذين كانوا في جنوب روسيا، واعتنقوا الديانة اليهودية في القرنين السابع والثامن
الميلادي. وعن هؤلاء الخزر تقول الموسوعة اليهودية طبعة (1903) م في المجلد الرابع
ص (1 - 5) ما يأتي:
(الخزر: شعب تركي الأصل تمتزج حياته وتاريخه بالبداية الأولى لتاريخ يهود
روسيا ... أكرهته القبائل البدوية في السهول من جهة، ودفعه توقه إلى السلب
والانتقام من جهة أخرى ... على توطيد أسس مملكة الخزر في معظم أجزاء روسيا
الجنوبية، قبل قيام الفارنجيين سنة (855م) بتأسيس الملكية الروسية ... في هذا الوقت
(855م) كانت مملكة الخزر في أوج قوتها تخوض غمار حروب دائمة ... وعند نهاية القرن
الثامن ... تحوَّل ملك الخزر ونبلاؤه وعدد كبير من شعبه الوثنيين إلى الديانة
اليهودية ... كان عدد السكان اليهود ضخما في جميع أنحاء مقاطعة الخزر، خلال الفترة
الواقعة بين القرن السابع والقرن العاشر ... بدا عند حوالي القرن التاسع، أن جميع
الخزر أصبحوا يهودا، وأنهم اعتنقوا اليهودية قبل وقت قصير فقط). إن مملكة الخزر
اليهودية التي قامت في جنوب روسيا - بمنطقة القوقاز فيما بين نهري الفولجا والدون-
استمرت لمدة قرنين تقريباً، وكان اسم عاصمتها (إتل) وسقطت على يد أمراء (كييف)
الروس في الفترة بين سنة (964) و (973) م، ودامت لهم ولاية في القرم نصف قرن آخر
إلى سنة (1016) م
خريطة منقولة عن دائرة المعارف اليهودية تبيِّن التوزيع الديني
في أوربا عام (900) ميلادية، وفي وسطها تظهر إمبراطورية الخزر اليهودية، التي دامت
ثلاثة قرون، وكانت كبرى دول اليهود في التاريخ، ولا تمت بأية صلة عرقية إلى دولتي
إسرائيل ويهوذا التاريخيتين على أرض فلسطين. والحقيقة أنَّ من يزعمون أنفسهم
(يهودا) المنحدرين تاريخيًّا من سلالة الخزر يشكلون أكثر من 92% بالمائة من جميع من
يسمون أنفسهم (يهودا) في كل مكان من العالم اليوم، والخزر الآسيويون الذين أنشؤوا
مملكة الخزر في أوروبا الشرقية أصبحوا يسمون أنفسهم (يهودا) بالتحول والاعتناق سنة
(720م)، وهؤلاء لم تطأ أقدام أجدادهم قط (الأرض المقدسة) في تاريخ العهد القديم،
هذه حقيقة تاريخية لا تقبل جدلاً. ويؤيد ذلك معظم الباحثين في علوم الإنسان والآثار
والتاريخ المختصون بموضوع خزر أمس ويهود اليوم. وإن حرص اليهود المعاصرين - الذين
بيَّنَّا حقيقة أصلهم ونسبهم - على الانتساب- كذباً وزوراً وبهتاناً - إلى نسل بني
إسرائيل القدماء؛ لتكون لهم حجة ودليلٌ لتعزيز ادعائهم الباطل بأن لهم حقًّا
تاريخيًّا ودينيًّا في أرض فلسطين، وهو ما سنبين بطلانه إن شاء الله تعالى في
الأكذوبة الثالثة من أكاذيب اليهود وأساطيرهم.