ebrehim مدير
عدد المساهمات : 2239 تاريخ التسجيل : 19/10/2011
| موضوع: التشبيه المتعدِّد والفرق بينه وبين المركّب الثلاثاء 12 يونيو 2012, 18:15 | |
| اعلم أنِّي قد قدّمتُ بيانَ المركَّب من التشبيه، وها هنا ما يُذكَر مع الذي عرَّفتك أنه مركَّب ويُقرَن إليه في الكُتب، وهو على الحقيقة لا يستحق صفة التركيب، ولا يشارك الذي مَضَى ذكرُه في الوصف الذي له كان تشبيهاً مركّباً، وذلك أن يكون الكلام معقوداً على تشبيه شيئين بشيئين ضربةً واحدةً، إلاّ أن أحدهما لا يداخل الآخر في الشَّبه، ومثاله في قول امرئ القيس: كأنَّ قُلُوبَ الطَّير رَطْبـاً ويابـسـاً لَدَى وَكْرِهَا العُنّابُ والحشَفُ البَالي وذلك أنه لم يقصِد إلى أن يجعل بين الشيئين اتصالاً، وإنما أراد اجتماعاً في مكانٍ فقط، كيف ولا يكون لمضامَّة الرَّطْب من القلوب اليابسَ هيئةٌ يُقصَد ذِكْرُها، أو يُعنَى بأمرها، كما يكون ذلك لتباشيرِ الصُّبح في أثناء الظلماء، وكون الشَّقِيقة على قَامتها الخضراء، فيودِّيَ ذلك الشبهَ الحاصلَ من مُداخلة أحد المذكورين الآخرَ واتّصاله به، اجتماعُ الحشَف البالي والعُنّاب، كيف ولا فائدة لأن ترى العُنّاب مع الحشَف، أكثر من كونهما في مكان واحد، ولو أن اليابسة من القُلوب كانت مجموعةً ناحيةً، والرطبة كذلك في ناحية أخرى، لكان التشبيه بحاله، وكذلك لو فرَّقت التشبيه فقلت: كأنّ الرَّطب من القلوب عُنّابٌ، وكأنّ اليابس حَشَفٌ بالٍ، لم تر أحدَ التشبيهين موقوفاً في الفائدة على الآخر، وليس كذلك الحكم في المرَكَّبات التي تقدَّمتْ، وقد يكون في التشبيه المركَّب ما إذا فضضتَ تركيبَهُ وجدت أحد طرفيه يخرُج عن أن يصلح تشبيهاً لِما كان جاء في مقابتله مع التركيب بيانُ ذلك أن الجِلال في قوله "كَطِرْفٍ أشهبٍ مُلْقَى الجِلال". في مقابلة الليل، وأنت لو قلت كأن الليل جِلال وسَكَتَّ لم يكن شيئاً، وقد يكون الشيء منه إذا فُضَّ تركيبه استوى التشبيه في طَرَفيه، إلا أن الحال تتغير، ومثال ذلك قوله: وكأن أجرامَ النُّجومِ لوامعـاً دُرَرٌ نُثِرْنَ على بِسَاطٍ أزرقِ فأنت وإن كنت إذا قلت: كأنّ النجوم دُرَرٌ، وكأن السماء بساطٌ أزرق، وجدت التشبيه مقبولاً معتاداً مع التفريق، فإنك تعلم بُعد ما بين الحالتين، ومقدارَ الإحسانَ الذي يذهب من البين، وذلك أن المقصودَ من التشبيه أن يُرِيَك الهيئةَ التي تملأ النواظر عَجباً وتستوقف العيون وتستنطق القلوب بذكر اللّه تعالى من طُلوع النجوم مؤتلفةً مُفْتَرِقةً في أديم السماء وهي زرقاءُ زُرْقَتها الصافية التي تخدع العين، والنجوم تتلألأ وتبرُق في أثناء تلك الزرقة، ومَنْ لك بهذه الصورة إذا فرَّقت التشبيه، وأزلت عنه الجمع والتركيب? وهذا أظهر من أن يَخْفَى، وإذْ قد عرفتَ هذه التفاصيل، فاعلم أن ما كان من التركيب في صورة بيت امرئ القيس، فإنما يستحق الفضيلة من حيثُ اختصار اللفظ وحُسن الترتيب فيه، لا لأن للجمع فائدةً في عين التشبيه، ونظيرُه أنَّ للجمع بين عِدّة تشبيهاتٍ في بيتٍ كقوله: بَدَت قمراً ومَاسَت خُوطَ بانٍ وفَاحت عنبراً ورَنَتْ غزالاَ مكاناً من الفضيلة مرموقاً، وشأواً ترى فيه سابقاً ومسبوقاً لا أنّ حقائق التشبيهات تتغير بهذا الجمع، أو أن الصُوَر تتداخل وتتركّب وتأتلف ائتلافَ الشكلين يصيران إلى شكل ثالث، فكونُ قدِّها كخُوط البان، لا يزيد ولا ينقص في شبه الغزال حين ترنُو منه العينان، وهكذا الحكم في أنها تفوح فَوْحَ العنبر، ويلوح وَجهها كالقمر، وليس كذلك بيت بشار: كأنّ مثار النقع، لأن التشبيه هناك كما مضى مركَّب وموضوع على أن يُريَك الهيئةَ التي ترى عليها النَّقْع المظلم، والسيوفُ في أثنائه تبرُق وتُومِض وتعلو وتنخفض، وترى لها حَرَكات من جهات مختلفة كما يوجبه الحال حين يحمَى الجِلاد، وترتكض بفرسانها الجياد. كما أن قول رؤبة مثلاً: فيها خطوطٌ من سَوَادٍ وبَلَقْ كأنّها في الجِلْد تَوْلِيعُ البَهقْ ليس القَصْدُ فيه أن يُرِيَك كل لونٍ على الانفراد، وإنما القصدُ أن يُرَى الشَّبه من اجتماع اللونين، وقول البحتري: تري أحْجَالَهُ يَصْـعَـدْنَ فِـيه صُعودَ البَرْق في الغَيْمِ الجَهَامِ لا يريد به تشبيه بياض الحُجول على الانفراد بالبَرْق، بل المقصودُ الهيئةُ الخاصّة الحاصلةُ من مخالطة أحد اللونين الآخر، كذلك المقصود في بيت بشّار بتشبيه النَّقع والسيوف فيه، بالليل المتهاوي كواكبه، لا تشبيهَ الليلِ بالنَّقْع من جانب، والسيوف بالكواكب من جانب، ولذلك وجب الحكم، كما كنت ذكرت في موضع، بأنّ الكلام إلى قوله: وأسيافنا في حكم الصلة للمصدر، وجارٍ مجرى الاسم الواحد، لئلا يقع في التشبيه تفريق ويُتوهَّم أنه كقولنا كأن مثار النقع ليل وكأن السيوف كواكب، ونصبُ الأسياف لا يمنع من تقدير الاتصال، ولا يوجب أن يكون في تقدير الاستئناف، لأن الواو فيها معنى مع، كقوله: "فإنِّي وقَىّاراً بهَا لَغَرِيب" وقوله كُلُّ رجلٍ وَضَيْعَتُهُ، وهي إذا كانت بمعنى مع، لم يكن في معطوفها الانقطاع، وأن يكون الكلام في حكم جملتين، ألا ترى أن قولهم: لو تُرِكت النَّاقَةُ وفصيلَها لَرَضِعَها، لا يكون بمنزلة أن تقول لو تُركت الناقة ولو تُرك فصيلها، فتجعل الكلام جملتين وكذا لا يمكنك أن تقول كل رجل كذا وضيعَتُهُ كذا، فتفرَّق الخبر عنهما كما يجوز في قولك زيد وعمرو كريمان، أن تقول: زيد كريم وعمرو كريم، وهذا موضع غامض، وللكلام فيه موضع آخر، وإن أردت أن تزداد تبييناً، لأن التشبيه إذا كان معقوداً على الجمع دون التفريق، كان حالُ أحد الشيئين مع الآخر حالَ الشَّيء في صلة الشيء وتابعاً له ومبنيّاً عليه، حتى لا يُتصوَّر إفراده بالذكر، فالذي يُفضي بك إلى معرفة ذلك أنك تجد في هذا الباب ما إذا فُرّق لم يَصْلُح للتشبيه بوجْهٍ، كقوله: كأنَّما المِرِّيخُ والمُشتَـرِي قُدّامَهُ في شامِخ الرِّفعَهْ
مُنصرفٌ بالليل عن دعوةٍ قد أُسْرِجَت قُدَّامَهُ شَمْعَه لو قلت كأنّ المريخ منصرفٌ بالليل عن دعوة، وتركت حديث المشتري والشَّمعة، كأن خَلْفاً من القول، وذاك أن التشبيه لم يكن للمِرِّيخ من حيث هو نفسه، ولكن من حيث الحالة الحاصلة له من كون المشترِي أمامه، وأنت وإن كنت تقول: المشترِي شمعة، على التشبيه العامِي الساذج في قولهم كأنّ النُّجوم مصابيح وشموع، فإنه لم يضع التشبيه على هذا وإنما قصد إلى الهيئة التي يكتسبها المِرِّيخ من كون المُشْتَرِي أمَامه، وهكذا قولُ ابن المعتزّ:
كأنَّهُ وكأنَّ الكأسَ فـي فَـمِـهِ هلالُ أوَّل شهرٍ غابَ في شَفَقِ لم يقصد أن يشبه الكأسَ على الانفراد بالهلال، والشَّفة بالشفق على الاستئناف، بل أراد أن يشبّه مجموع الصُّورتين، ألا ترى أنك لو فرّقت لم تَحْلَ من التشبيه بطائل، إذ لا معنى لأن تقول: كأن الشفة شفق، وتسكت، أترى أن قولَه: بَيَاضٌ في جَوانِبـه احـمـرارٌ كَما احْمَرَّتْ من الخجَلِ الخُدودُ استوجبت الفضل والخروج من التشبيه العاميّ، وأن يقال قد زاد زيادةً لم يُسبق إليها، إلا بالتركيب والجمع، وبأن ترك أن يُرَاعَى الحمرة وَحْدَها. وقال القاضي أبو الحسن رحمه اللّه: لو اتفق له أنْ يقول احمرار في جوانبه بياض، لكان قد استوفى الحسن وذلك لأن خَدَّ الخَجَلِ هكذا، يُحْدِقُ البياضُ فيه بالحمرة لا الحمرة بالبياض، إلاّ أنه لعله وجد الأمر كذلك في الوَرْدة، فشبّه على طريق العكس فقال هذا البياضُ حوله الحمرة ها هنا، كالحمرة حولها البياض هناك، فانظر الآن، إنْ فرَّقت، كيف يتفرَّق عنك الحسن والإحسان، ويحضرُ العِيُّ ويذهب البَيان لأن تشبيه البياض على الانفراد لا معنى له، وأما تشبيهُ الحمرة، وإن كانت تصحّ على الطريقة الساذجة أعني تشبيه الورد الأحمر بالخد فإنه يَفْسُد من حيث أن القصد إلى جنس من الورد مخصوصٌ، هو ما فيه بياضٌ تُحدِق به حمرةٌ، فيجب أن يكون وصف المشبَّه به على هذا الشرط أيضاً، وبهذا الاختصاص ولما ذكرت لك، تجد أحد المشبَّهين في الأمر الأْعمّ الأكثر وقد ذُكِر في صلة الآخر، ولم يُعطَف عليه كقوله: "والشَّيْبُ ينهضُ في الشَبابِ" و"بَيَاض فِي جَوانِبه احمرارُ". وأشباه ذلك، فإن جاءت الواو كانت واو حال كقوله:
كأنَّما المِرِّيخُ والمُشْتَرِي قُدّامه في شامخ الرفعه وهي إذا كانت حاليّة، فهي كالصفة في كونها تابعة، وبحيث لا ينفرد بالذكر، بل يُذكر في ضمن الأول، وعلى أنه من تَبَعه وحاشيته، وهكذا الحكم في الطرف الآخر، ألا ترى قوله: فَتَهاوى كواكبه، جملة من الصِّفة لليل، وإذا كان كذلك، فالكواكب مذكورة على سبيل التَّبَع لليل، ولو كانت مستبِدّةً بشأنها لقُلتَ: ليل وكواكب، وكذلك قوله: لَيْلٌ يَصِيحُ بِجَانبيه نَهارُ وأشدُّ من ذلك أن يجيء كما في الطَّرف الثاني كقوله: "كما احمرَّت من الخَجَلِ الخُدودُ" وبيتُ امرئ القيس على خلاف هذه الطريقة، لأن أحد الشيئين فيه في الطرفين معطوف على الآخر، أما في طَرف الخبرِ، وهو طرف المشبَّه به، فبيّنٌ وهو قوله: "العُنّاب والحَشَفُ البالِي" وأما في طرف المُخْبَرِ عنه، وهو المشبَّه، فإنك وإن كنت ترى اسماً واحداً، هو القلوب، فإن الجمع الذي تفيده الصيغةُ في المتفق يجري مجرى العطف في المختلف، فاجتماعُ شيئين أو أشياء في لفظ أو جمعٍ، لا يوجب أن أحدهما في حكم التابع للآخر، كما يكون ذلك إذا جرى الثاني في صفة الأول أو حاله أو ما شابه ذلك، هذا وقد صرّح بالعطف في البدل، وهو المقصود فقال: رطباً ويابساً. واعلم أنه قد يجيء في هذا الباب شيء له حدٌّ آخر، وهو نحو قوله: إني وتزييني بمَدحِيَ معشراً كمُعلَّقٍ دُرّاً على خِنْـزِيرِ هو على الجملة جمعٌ بين شيئين في عَقْد تشبيه، إلاّ أن التشبيه في الحقيقة لأحدهما، ألا ترى أن المعنى على أنَّ فِعْلَهُ في التزيين بالمدح، كفِعل الآخر في محاولته أن يزّين الخنزير بتعليق الدُرّ عليه? ووجه الجمع أنّ كل واحد منهما يضع الزينة حيث لا يظهر لها أثرٌ، لأن الشيء غير قابل للتحسين، ومتى كان المشبَّه به كمعلّق في البيت، فلا شكّ أن التشبيه لا يرجع إلى ذات الشيء، بل المعنى المشتقّ منه الصفة، وإذا رجع إليه مقروناً بصلته على ما مضى في نحو مَا زَالَ يَفْتِل في الذِّروة والغارب، فقد شبّه تزيينَه بالمدح مَن ليس من أهله، بتعليق الدُّر على الخنزير هكذا بجملته، لا بالتعليق غير معدًّى إلى الدُّرّ والخنزير، فالشبهُ مأخوذ من مجموع المَصْدَر وما في صلته، ولا بُدّ للواو في هذا النحو أن تكون بمعنى مع، وأمرها فيه أبين، إذ لا يمكن أن يقال إنّي كذا وإنّ تزييني كذا، لأنه ليس معنا شيئان يكون أحدُهما خبراً عن ضمير المتكلم في إني الذي هو المعطوف عليه، والآخرُ عن تزييني المعطوف، كما يكون نحو بيت بشّارٍ شَيئان يمكن في ظاهر اللفظ أن يُجعل أحدهما خبراً عن النَّقع، والآخر عن الأسياف، إلى أن تجيء إلى فساده من جهة المعنى، فأنت في نحو إني وتزييني مُلْجَأٌ إلى جعل الواو بمعنى مع من كل وجه، حتى لا تقدر على إخراج الكلام إلى صورةٍ تكون فيها الواو عارية من معنى مع، ويكون تشبيهاً بعد تشبيه. فإن قلتَ إنّ في مُعلِّقٍ معنى الذات والصفةِ معاً، فيمكن أن يكون أراد أن يشبّه نفسه بذات الفاعل و تزيينه بالفعل نفسه، أقول لو أُريد إنّي كمعلّق دُرّاً على خنزير، وإن تزييني بمدحي معشراً كتعليق دُرّ على خنزير، كان قولاً ظاهر السقوط، لما ذكرتُ من أنه لا يُتصوَّر أن يشبّه المتكلم نفسَه، من حيث هو زيدٌ مثلاً، بمعلّق الدُرّ على الخنزير من حيث هو عَمْرٌو، وإنما يشبّه الفعل بالفِعْلِ فاعرفه. فإن قلت فما تقول في قوله: وحتى حسبتُ الليلَ والصبحَ إذ بَدَا حِصانَين مُخْتالَين جَوْناً وأشْقَـرَا فإن ظاهره أنه من جنس المفرَّق، أقول نعم، إلا أن ثَمَّةَ شيئاً كالجمع، وهو أنّ لاقتران الحصانين الجون والأشقر في الاختيال ضرباً من الخُصوصية في الهيئة، لكنه لا يبلغ مبلغَ ليلٌ تَهاوَى كواكبُه، ولا مبلَغَ قوله: "وَالصُّبْحُ مثل غُرّةٍ في أدْهَمِ". كما أنّ قولَه: دُون التَّعانُقِ ناحلَين كَشَكْلَتَي نَصْبٍ أَدَقَّهُما وضَمَّ الشاكلُ لا يكون كقوله:
إني رَأيتُك في نَومي تُعانِقُني كما تُعانِقُ لامُ الكَاتِبِ الألِفَا فإن هذا قد أدَّى إليك شكلاً مخصوصاً لا يُتصوَّر في كل واحد من المذكورين على الانفراد بوجه، وصُورةً لا تكون مع التفريق وأما المتنبي فأراك الشيئين في مكان واحد وشدّد في القُرب بينهما، وذاك أنه لم يعرض لهيئة العِناقِ ومخالفتها صورة الافتراق، وإنما عَمد إلى المبالغة في فرط النُّحول، واقتصر من بيان حال المُعانقة على ذكر الضَّمِّ مطلقاً والأوّل لم يُعْنَ بحديث الدقّة والنحول، وإنما عُني بأمر الهيئة التي تحصل في العناق خاصّةً، من انعطاف أحد الشكلين على صاحبه، والتفاف الحبيب بمُحِبّه، كما قال:
لَفَّ الصَّبا بقَضِيبٍ قضِيبَا وأجاد وأصاب الشبه أحسن إصابةٍ، لأن خَطَّى اللام والألف في لا ترى رأسيهما في جهتين، وتراهما قد تماسًّا من الوسط، وهذه هيئة المعتنقين على الأمر بالمعروف، فأما قصد المتنبي فليس بصفة عِناق على الحقيقة، وإنما هو تضامٌّ وتلاصقٌ، وهو بنحو قوله:
ضَمَمْتُهُ ضَمَّةً عدنا بِها جَسَداً فَلَوْ رَأَتْنَا عَيُونٌ ما خَشِينَاها أشبهُ، لأن القصد في مثله شدّة الالتصاق، من غير تعريج على هيئة الاعتناق، وذهب القاضي في بيت المتنبي إلى أنه كأنه معنى مُفْرد غير مأخوذ من قوله: كما تُعانِقُ لامُ الكَاتِبِ الألفَا وقال: ولئن كان أخذه، كما يقولون، فليس عليه مَعْتَب، لأنّ التعب في نقله ليس بأقلّ من التعبِ في ابتدائه. وهذا التفضيل والتفصيل من قول القاضي ليس قادحاً في غرضي، لأنّي أردتُ أن أُرِيَك مثالاِ في وضع التشبيه على الجمع والتفريق، وأجعل البيتين مِعياراً فيما أردت، ولئن كان المتنبي قد زاد على الأوّل، فليس تلك الزيادة من حيث وضع الشبه على تركيب شكلين، ولكن من جهة أخرى، وهي الإغراق في الوصف بالنحول وجَمْعِ ذلك للخِلَّين معاً، ثم إصابة مثالٍ له ونظيرٍ من الخطِّ، فاعرف ذلك، ولا تظنّ أن قصدي المفاضلة بين البيتين من حيث القول في السابق والمسبوق، والأخذ والسرقة، فتحسبَ أني خالفت القاضي فيما حكم به. | |
|