فقال تعالى أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما
يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب
الله
شبه الوحي الذي أنزله لحياة القلوب والأسماع والأبصار بالماء الذي أنزله لحياة
الأرض بالنبات وشبه القلوب بالأودية فقلب كبير يسع علما عظيما كواد كبير يسع ماء
كثيرا وقلب صغير إنما يسع بحسبه كالوادي الصغير فسالت أودية بقدرها واحتملت قلوب من
الهدى والعلم بقدرها كما أن السيل إذا خالط الأرض ومر عليها احتملت غثاء وزبدا
فكذلك الهدى والعلم إذا خالط القلوب أثار ما فيها من الشهوات والشبهات ليقلعها
ويذهبها كما يثير الدواء وقت شربه من البدن أخلاطه فتكرب بها شاربه وهي من تمام نفع
الدواء فانه أثارها ليذهب بها فإنه لا يجامعها ولا يساكنها وهكذا يضرب الله الحق
والباطل ثم ذكر المثل الناري فقال ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد
مثله
وهو الخبث الذي يخرج عند سبك الذهب والفضة والنحاس والحديد فتخرجه النار وتميزه
وتفصله عن الجوهر الذي ينتفع به فيرمى ويطرح ويذهب جفاء فكذلك الشهوات والشبهات
يرميها قلب المؤمن ويطرحها ويجفوها كما يطرح السيل والنار ذلك الزبد والغثاء والخبث
ويستقر في قرار الوادي الماء الصافي الذي يسقي منه الناس ويزرعون ويسقون أنعامهم
كذلك يستقر في قرار القلب وجذره الإيمان الخالص الصافي الذي ينفع صاحبه وينتفع به
غيره ومن لم يفقه هذين المثلين ولم يتدبرهما ويعرف ما يراد منهما فليس من أهلهما
والله الموفق
فصل
ومنها قوله تعالى
إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض
مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها و ازينت وظن أهلها أنهم قادرون
عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل
الآيات لقوم يتفكرون شبه
سبحانه الحياة الدنيا في أنها تتزين في عين الناظر فتروقه بزينتها وتعجبه فيميل
إليها ويهواها اغترارا منه بها حتى إذا ظن أنه مالك لها قادر عليها سلبها بغتة أحوج
ما كان إليها وحيل بينه وبينها فشبهها بالأرض الذي ينزل الغيث عليها فتعشب ويحسن
نباتها ويروق منظرها للناظر فيغتر به ويظن أنه قادر عليها مالك لها فيأتيها أمر
الله فتدرك نباتها الآفة بغتة فتصبح كأن لم تكن قبل فيخيب ظنه وتصبح يداه صفرا
منهما فهكذا حال الدنيا والواثق بها سواء وهذا من أبلغ التشبيه والقياس فلما كانت
الدنيا عرضة لهذه الآفات والجنة سليمة منها قال تعالى تعالى والله يدعوا إلى دار
السلام فسماها هنا دار السلام لسلامتها من هذه الآفات التي ذكرها في الدنيا فعم
بالدعوة إليها وخص بالهداية من شاء فذلك عدله وهذا فضله
فصل
ومنها قوله تعالى مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا
تذكرون فإنه
سبحانه وتعالى ذكر الكفار ووصفهم بأنهم ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون
ثم ذكر المؤمنين ووصفهم بالإيمان والعمل الصالح والإخبات إلى ربهم فوصفهم بعبودية
الظاهر وبالباطن جعل أحد الفريقين كالأعمى والأصم من حيث كان قلبه أعمى عن رؤية
الحق أصم عن سماعه فشبهت بمن بصره أعمى عن رؤية أحق الأشياء وسمعه أصم عن سماع
الأصوات والفريق الآخر بصير القلب سميعه كبصير العين وسميع الأذن فتضمنت الآية
قياسين و تمثيلين للفريقين ثم نفى التسوية عن الفريقين بقوله هل يستويان مثلا
فصل ومنها قوله تعالى مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت فذكر
سبحانه إنهم ضعفاء وأن الذين اتخذوهم أولياء