فقه الشيعة
أحكامهم الفروعية أقسام ثلاثة
شيوخ الرافضة يزعمون أنهم تلقوا عن الأئمة الشرائع، وقولوهم في الشرائع غالبه موافق لمذهب أهل السنة، ولهم مفردات عن المذاهب الأربعة قال بها غيرهم من السلف وأهل الظاهر وفقهاء المعتزلة وغير هؤلاء فهذه ونحوها من مسائل الاجتهاد التي يهون الأمر فيها.
ولهم مفردات شنيعة لم يوافقهم عليها أحد ولا يعرف لها أصل لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله ولا سبقهم إليها أحد([1]).
من مفرداتهم الشنيعة والتي شابهوا فيها اليهود أو النصارى:
ليس في الطوائف المنتسبين إلى الإسلام أبعد من الرافضة فلهذا تجد ما انفردوا به عن الجماعة أقوالاً في غاية الفساد مثل تأخيرهم صلاة المغرب حتى يطلع الكوكب مضاهاة لليهود. وقد تواترت النصوص عن النبي r بتعجيل المغرب([2]).
ومثل صومهم قبل الناس بيومين مضاهاة لمبتدعة أهل الكتاب الذين عدلوا عن الصوم بالهلال إلى الاجتماع وجعلوا الصوم بالحساب. وفي الصحيحين عن النبي r أنه قال: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب»([3]) «إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا»([4])، «فإن غمَّ عليكم فاقدروا له»([5]) وفي رواية «فأكملوا العدة»([6]).
ومثل تحريمهم لبعض أنواع السمك مضاهاة لليهود في تحريم الطيبات.
ومثل معاونة الكفار على قتال المسلمين، وترغيب الكفار في قتال المسلمين. وهذا لا يعرف لأحد من فرق الأمة.
ومثل تنجيس المائعات التي يباشرها أهل السنة. وهذا من جنس دين السامرة وهم رافضة اليهود، هم في اليهود كالرافضة في المسلمين.
والرافضة تشابههم في وجوه كثيرة، فإن السامرة لا تؤمن بنبي بعد موسى وهارون غير يوشع، وكذلك الرافضة لا تقر لأحد من الخلفاء والصحابة بفضل ولا إمامة إلا لعلي.
والسامرة تنجس وتحرم ما باشره غيرهم من المائعات، وكذلك الرافضة.
والسامرة لا يأكلون إلا ذبائح أنفسهم، وكذلك الرافضة فإنهم يحرمون ذباح أهل الكتاب، ويحرم أكثرهم ذبائح الجمهور لأنهم مرتدون وعندهم ذبيحة المرتد لا تباح.
والسامرة فيهم كبر وروعونة وحمق ودعاو كاذبة مع القلة والذلة وكذلك الرافضة.
والرافضة تجعل الصلوات الخمس ثلاث صلوات، فيصلون دائمًا الظهر والعصر وجميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا، وهذا لم يذهب إليه غيرهم من فرق الأمة، وهو يشبه دين اليهود فإن الصلوات عندهم ثلاث.
وغلاة العباد يوجبون على أصحابهم صلاة الضحى والوتر وقيام الليل فتصير الصلاة عندهم سبعًا وهو دين النصارى.
والرافضة لا تصلي جمعة ولا جماعة لا خلف أصحابهم ولا غير أصحابهم ولا يصلون إلا خلف المعصوم ولا معصوم عندهم وهذا لا يوجد في سائر الفرق أكثر مما يوجد في الرافضة فسائر أهل البدع سواهم لا يصلون الجمعة والجماعة إلا خلف أصحابهم كما هو دين الخوارج والمعتزلة وغيرهم، وأما أنهم لا يصلون ذلك بحال فهذا ليس إلا للرافضة.
ومن ذلك أنهم لا يؤَمِّنون في الصلاة أو بعضهم، وهذا ليس لأحد من فرق الأمة؛ بل هو دين اليهود، فإن اليهود حسدوا المؤمنين على التأمين.
وقد حكى طائفة عن بعضهم أنه يحرم لحم الإبل، وذلك لركوب عائشة على الجمل وهذا من أظهر الكفر فهو من جنس دين اليهود، وكثير من عامتهم يقولون: إن الطلاق لا يكون إلا برضى المرأة وعلماؤهم ينكرون هذا. وهذا لم يقله أحد من غيرهم، وهم يقولون بإمام منتظر موجود غائب لا يعرف له عين ولا أثر، ولا يعلم بحس ولا خبر، لا يتم الإيمان إلا به.
وكذلك إقامة المأتم والنوائح ولطم الخدود وشق الجيوب وفرش الرماد وتعليق المسوح وأكل المالح حتى يعطش ولا يشرب ماء تشبها بمن ظلم وقتل ...([7]). لا يعرف لغيرهم من طوائف الأمة. ومفاريد الرافضة التي تدل على غاية الجهل والضلال كثيرة.
وكل طائفة سوى أهل السنة والحديث المتبعين لآثار النبي r لا ينفردون عن سائر الطوائف بحق والرافضة أبلغ في ذلك من غيرهم([8]).
لا يغسلون الرجلين ولا يمسحون على الخفين
قوله تعالى: } فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ {([9]).
لفظ الآية لا يخالف ما تواتر من السنة؛ فإن المسح جنس تحته نوعان: الإٍسالة، وغير الإسالة. كما تقول العرب: تمسحت للصلاة. فما كان بالإسالة فهو الغسل ...
وقد تواترت السنة عن النبي r بالمسح على الخفين وغسل الرجلين([10]).
والرافضة تخالف هذه السنة المتواترة كما تخالف الخوارج نحو ذلك مما يتوهمون أنه مخالف لظاهر القرآن؛ بل تواتر غسل الرجلين والمسح على الخفين أعظم من تواتر قطع اليد في ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو عشرة دراهم أو نحو ذلك.
وفي ذكر المسح على الرجلين تنبيه على قلة الصب في الرجل فإن السرف يعتاد فيها كثيرًا، وفيه اختصار للكلام؛ لأن المعطوف والمعطوف عليه إذا كان فعلاهما من جنس واحد اكتفي بذكر أحد النوعين.
وهذه الآية فيها قراءتان مشهورتان الخفض والنصب.
فالذين قرءوا بالنصب قال غير واحد منهم أعاد الأمر إلى الغسل أي وامسحوا برءوسكم واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين، والقراءتان كالآيتين.
ومن قال: إنه عطف على محل الجار والمجرور يكون المعنى واسمحوا برءوسكم وامسحوا أرجلكم إلى الكعبين.
وقولك مسحت الرجل. ليس مرادفًا لقولك: مسحت بالرجل. فإنه إذا عدى بالباء أريد به معنى الإلصاق. أي ألصقت به شيئًا.
وإذا قيل: مسحته لم يقتض ذلك أن يكون ألصقت به شيئًا وإنما يقتضى مجرد المسح باليد بالإجماع.
فتعين إذن أنه مسحه بالماء وهو مجمل فسرته السنة كما في قراءة الجر.
وفي الجملة فالقرآن ليس فيه نفي إيجاب الغسل؛ بل فيه إيجاب المسح فلو قدر أن السنة أوجبت قدرًا زائدًا على ما أوجبه القرآن لم يكن في هذا رفع لموجب القرآن، فكيف إذا فسرته وبينت معناه([11])؟!
والرافضة لا تغسل بطون أقدامها ولا أعقابها
في الصحيح عن النبي r أنه قال: «وددت أنَّا رأينا إخواننا» قالوا أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: «أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد»، قالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله فقال: «أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟». قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «فإنهم يأتون يوم القيامة غرًا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض»([12]) الحديث.
فهذا يبين أن كل من توضأ وغسل وجهه ويديه ورجليه فإن من الغر المحجلين، وهؤلاء جماهيرهم إنما يقدمون أبا بكر وعمر.
والرافضة لا تغسل بطون أقدامها ولا أعقابها فلا يكونون محجلين في الأرجل.
وقد ثبت في الصحيحن في النبي r أنه قال: «ويل للأعقاب وبطون الأرجل من النار»([13]).
خُمس مكاسب المسلمين يؤخذ منهم ويصرف إلى نائب
المعصوم عند الرافضة
الخُمس اختلف اجتهاد العلماء فيه فقالت طائفة سقط بموت النبي r، ولا يستحق أحد من بني هاشم شيئًا بالخمس إلا أن يكون فيهم يتيم أو مسكين فيعطى لكونه يتيمًا أو مسكينًا. وهذا مذهب أبي حنيفة وغيره.
وقالت طائفة: بل هو لقربى ولي الأمر بعده، فكل ولي أمر يعطى أقاربه. وهذا قول طائفة منهم الحسن وأبو ثور فيما أظن، وقد نقل هذا القول عن عثمان رضي الله عنه .
وقالت طائفة: بل الخمس يقسم خمسة أخماس بالسوية، وهو قول الشافعي وأحمد في المشهور عنه.
وقالت طائفة بل الخمس إلى اجتهاد الإمام يقسمه بنفسه في طاعة الله ورسوله كما يقسم الفيء، وهذا قول أكثر السلف، وهو قول عمر بن عبدالعزيز، وهو مذهب أهل المدينة مالك وغيره، وهو الرواية الأخرى عن أحمد وهو أصح الأقوال، وعليه يدل الكتاب والسنة.
وأما ما تقوله الرافضة من أن خمس مكاسب المسلمين يؤخذ منهم ويصرف إلى من يرونه هو نائب المعصوم أو إلى غيره فهذا قول لم يقله قط أحد من الصحابة لا علي ولا غيره ولا أحد من التابعين لهم بإحسان، ولا أحد من القرابة لا بني هاشم ولا غيرهم.
وكل من نقل هذا عن علي أو علماء أهل بيته كالحسن والحسين وعلي بن الحسين وأبي جعفر الباقر وجعفر بن محمد فقد كذب عليهم فإن هذا خلاف المتواتر من سيرة علي رضي الله عنه فإنه قد تولى الخلافة أربع سنين وبعض أخرى ولم يأخذ من أموالهم شيئًا، بل لم يكن في ولايته قط خمس مقسوم.
أما المسلمون فما خمَّس هو ولا غيره أموالهم وأما الكفار فإذا غنمت منهم أموال خمست بالكتاب والسنة؛ لكن في عهده لم يتفرغ المسلمون لقتال الكفار بسبب ما وقع بينهم من الفتنة والاختلاف.
وكذلك من المعلوم بالضرورة أن النبي r لم يخمس أموال المسلمين ولا طالب أحدًا قط من المسلمين بخمس ماله، بل إنما كان يأخذ منهم الصدقات([14]) ويقول ليس لآل محمد منها شيء([15])، وكان يأمرهم بالجهاد بأموالهم وأنفسهم، وكان r يقسم ما أفاء الله على المسلمين يقسم الغنائم بين أهلها ويقسم الخمس والفيء([16]).
الرافضة تبيح المتعة وهي محرمة حتى عند أهل البيت
ثبت عن النبي r أنه حرم متعة النساء بعد الإحلال هكذا رواه الثقات في الصحيحين وغيرهما عن الزهري عن عبدالله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما محمد ابن الحنفية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه([17]) وأنه قال لابن عباس رضي الله عنه لما أباح المتعة: «إنك امرؤ تائه إن رسول الله r حرم المتعة وحرم الحُمُر الأهلية عام خيبر» رواه الزهري أعلم أهل زمانه بالسنة وأحفظهم لها وأئمة الإسلام في زمنهم مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وغيرهما ممن اتفق على علمهم وعدلهم وحفظهم، ولم يختلف أهل العلم بالحديث في أن هذا حديث صحيح يتلقى بالقبول ليس في أهل العلم من طعن فيه.
وكذلك ثبت في الصحيح أنه حرمها في غزاة الفتح إلى يوم القيامة ... والصواب أنها بعد أن حرمت عام الفتح لم تحل بعد ذلك.
وروي عن ابن عباس أنه رجع عن ذلك لما بلغه حديث النهي عنها([18]).
وأهل السنة يتبعون عمرَ وعليًا رضي الله عنهما وغيرهما من الخلفاء الراشدين فيما رووه عن النبي r.
والشيعة خالفوا عليًا فيما رواه عن النبي r واتبعوا قول من خالفه.
وأيضًا فإن الله سبحانه إنما أباح في كتابه الزوجة وملك اليمين.
والتمتع بها ليست واحدة منهما، فإنها لو كانت زوجة لتوارثا ولوجب عليها عدة الوفاة ولحقها الطلاق الثلاث؛ فإن هذه أحكام الزوجة في كتاب الله تعالى قال الله تعالى:
} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {([19]) والمستمتَعُ بها بعد التحريم ليست زوجة ولا ملك يمين فتكون حرامًا بنص القرآن.
أما كونها ليست مملوكة فظاهر.
وأما كونها ليست زوجة فلانتفاء لوازم النكاح فيها، فإن من لوازم النكاح كونه سببًا للتوارث وثبوت عدة الوفاة فيه والطلاق الثلاث وتنصيف المهر بالطلاق قبل الدخول وغير ذلك من اللوازم.
وأما قوله: } وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ {([20]) فليس في الآية ما يدل على أن الاستمتاع بها إلى أجل مسمى حلال؛ فإنه لم يقل وأحل لكم أن تستمتعوا بهن إلى أجل مسمى؛ بل قال: } فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ { فهذا يتناول ما وقع من الاستمتاع سواء كان حلالاً أو وطيء شبهة؛ ولهذا يجب المهر في النكاح الفاسد بالسنة والاتفاق، والمتمتع إذا اعتقد حل المتعة وفعلها فعليه المهر. وأما الاستمتاع المحرم فلم تتناوله الآية فإنه لو استمتع بالمرأة من غير عقد مع مطاوعتها لكان زنًا ولا مهر فيه، وإن كانت مستكرهة ففيه نزاع مشهور([21]).
زيادتهم في الأذان حي على خير العمل
وهم قد زادوا في الأذان شعارًا لم يكن على عهد النبي r ولا نقل أحد أن النبي r أمر بذلك في الأذان، وهو قولهم (حي على خير العمل) وغاية ما ينقل إن صح النقل أن بعض الصحابة كابن عمر رضي الله عنهما كان يقول ذلك أحيانًا على سبيل التوكيد.
كما كان بعضهم يقول بين الندائين: (حين على الصلاة حي على الفلاح) وهذا يسمى نداء الأمراء، وبعضهم يسميه التثويب- رخص فيه بعضهم وكرهه أكثر العلماء ورووا عن ابن عمر وابنه وغيرهما كراهية ذلك.
ونحن نعلم بالاضطرار أن الأذان الذي كان يؤذن به بلال وابن أم مكتوم في مسجد رسول الله r بالمدينة وأبو محذورة بمكة وسعد القرظ في قباء لم يكن فيه هذا الشعار الرافضي، ولو كان فيه لنقله المسلمون ولم يهملوه كما نقلوا ما هو أيسر منه، فلما لم يكن في الذين نقلوا الأذان من ذكر هذه الزيادة علم أنها بدعة باطلة.
وهؤلاء الأربعة كانوا يؤذنون بأمر النبي r، ومنه تعلموا الأذان، وكانوا يؤذنون في أفضل المساجد مسجد مكة ومسجد المدينة ومسجد قباء، وأذانهم متواتر عند العامة والخاصة.
ومعلوم أن نقل المسلمين للأذان أعظم من نقلهم إعراب آية كقوله } وَأَرْجُلَكُمْ { ونحو ذلك.
ولا شيء أشهر في شعائر الإسلام من الأذان فنقله أعظم من نقل سائر شعائر الإسلام.
وإن قيل فقد اختلف في صفته.
قيل: بل كل ما ثبت به النقل فهو صحيح سنة.
ولا ريب أن تعليم النبي r أبا محذورة الأذان وفيه الترجيع والإقامة مثناة كالأذان([22])،([23]).
ذكر غير الشهادتين في الأذان من أعظم الضلال
كما أن الشهادتين ليس فيهما إلا ذكر الله ورسوله لا في الأذان ولا في الصلاة ولا غير ذلك- فلو ذكر غير الله ورسوله من الأئمة كان ذلك من أعظم الضلال([24]).
تخصيص علي بالصلاة عليه دون غيره خطأ
الشيعة تخص عليًا بالصلاة عليه دون غيره ويجعلون ذلك كأنه مأمور في حقه بخصوصه دون غيره وهذا خطأ بالاتفاق، فالله تعالى أمر بالصلاة على نبيه r وقد فسر النبي r ذلك بالصلاة عليه وعلى آله- فيصلي على جميع آله تبعًا له، وآل محمد عند الشافعي وأحمد الذين حرمت عليهم الصدقة.
وذهب طائفة من أصحاب مالك وأحمد وغيرهما إلى أنهم أمة محمد r.
وقالت طائفة من الصوفية: إنهم الأولياء من أمته وهم المؤمنون المتقون.
والذي قالته الحنفية وغيرهم أنه إذا كان عند قوم لا يصلون إلا عليّ دون الصحابة فإذا صلى على عليّ ظن أنه منهم فيكره لئلا يظن به أنه رافضي.
فإما إذا علم أنه يصلي على عليّ وعلى سائر الصحابة لم يكره ذلك. وهذا القول يقوله سائر الأئمة فإنه إذا كان في فعل مستحب مفسدة راجحة لم يصر مستحبًا. ومن هنا ذهب مَنْ ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات إذا صارت شعارًا لهم. فإنه وإن لم يكن الترك واجبًا لذلك لكن في إظهار ذلك مشابهة لهم فلا يتميز السني من الرافضي ومصلحة التميز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم أعظم من مصلحة هذا المستحب.
لكن هذا أمر عارض لا يقتضي أن يجعل المشروع ليس بمشروع دائمًا. ولم يوجب أهل السنة الصلاة على غير النبي r لا أئمتهم ولا غيرهم لأن إيجاب هذا من البدع المضلة المخالفة لشريعة الله تعالى([25]).
الترضي عن علي وحده أو الاثني عشر بدعة منكرة
أو نقشهم على حائط أو تلقينهم لميت. قصدهم من ذلك
أهل السنة لا يقولون إن ذكر الخلفاء في الخطبة فرض؛ بل يقولون إن الاقتصار على عليّ وحده أو ذكر الاثنى عشر هو البدعة المنكرة التي لم يفعلها أحد لا من الصحابة ولا من التابعين ولا من بني أمية ولا من بني العباس.
كما يقولون: إن سب علي أو غيره من السلف بدعة منكرة. وأعظم من ذلك نقشهم على حائط أو تلقينهم لميت فهذا هو البدعة المنكرة التي تعلم بالاضطرار من دين الإسلام، لأنها من أعظم الأمور المبتدعة في دين الإسلام.
مع أن الذين يذكرونهم قصدهم معاداة سائر المسلمين، والاستعانة على ذلك بالكفار والمنافقين، وإطفاء ما بعث الله به رسوله r من الهدى ودين الحق الذي وعد الله أن يظهره على الدين كله، وفتح باب الزندقة والنفاق لمن يريد إفساد الملة.
ولو ترك الخطيب ذكر الأربعة لم ينكر عليه.
وإنما المنكر الاقتصار على واحد دون الثلاثة السابقين الذين كانت خلافتهم أكمل، وسيرتهم أفضل، كما أنكر عمر على أبي موسى ذكره دون أبي بكر مع أن عمر كان هو الحي خليفة الوقت([26]).
ما كان مشروعًا لم يترك لأجل فعل أهل البدع
لا الرافضة ولا غيرهم
الذي عليه أئمة الإسلام أن ما كان مشروعًا لم يترك لمجرد فعل أهل البدع لا الرافضة ولا غيرهم.
منها مسألة التسطيح([27]).
والاستظلال بالمحمل وإن كان ذلك قول الرافضة.
وكذلك قال مالك: إن السجود يكره على غير جنس الأرض، والرافضة يمنعون السجود على غير الأرض.
وكذلك أحمد بن حنبل يستحب المتعة متعة الحج ويأمر بها. ويستحب هو وغيره من الأئمة أئمة الحديث لمن أحرم مفردًا أو قارنًا أن يفسخ ذلك إلى العمرة ويصير متمتعًا؛ لأن الأحاديث الصحيحة جاءت بذلك، حتى قال سلمة للإمام أحمد: يا أبا عبدالله قويت قلوب الرافضة لما أفتيت أهل خراسان بالمتعة (متعة الحج) فقال: يا سلمة كان يبلغني عنك أنك أحمق وكنت أدفع عنك والآن ثبت عندي أنك أحمق، عندي أحد عشر حديثًا صحيحًا عن النبي r أتركها لقولك.
ولا كل ما أنكره الناس عليهم يكون باطلاً؛ بل من أقوالهم أقوال خالفهم فيها بعض أهل السنة ووافقهم بعض، والصواب مع من وافقهم.
لكن ليس لهم مسألة انفردوا بها أصابوا فيها([28]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) ج (1) ص (296، 297).
([2]) كما في الحديث عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: «كنا نصلي المغرب مع النبي r فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله» أخرجه البخاري في باب وقت المغرب ومسلم (51) ص (637) وأخرجه الشيخان والترمذي وأبو داود عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: «أن رسول الله r كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب» وفي رواية أبي داود قال: «كان النبي r يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس» «إذا غاب حاجبها» رواه البخاري في مواقيت الصلاة باب وقت المغرب (2 / 36) ومسلم ك (5/6364) وأبو داود رقم (417) في باب وقت المغرب والترمذي رقم (164) في الصلاة. وأخرجه أبو داود عن أبي أيوب «لا تزال أمتي بخير أو قال على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم» رقم (418).
([3]) صحيح مسلم ص (761) ك (3) ب (11).
([4]) صحيح مسلم ص (760) صحيح البخاري ك (30) ب (13).
([5]) صحيح مسلم ص (759) صحيح البخاري ك (73).
([6]) صحيح مسلم ص (762) صحيح البخاري ك (30).
([7]) ويعني بذلك قتل الحسين كما تقدم ويأتي.
([8]) ج (3) ص (43، 44) ج (1) ص (6).
([9]) سورة المائدة آية: (6).
([10]) صحيح مسلم ص (227 - 230) صحيح البخاري ك (4) ب (48) وأبو داود رقم (154) في الطهارة باب المسح على الخفين والترمذي رقم (93) في الطهارة باب المسح على الخفين والنسائي ج (1) ص (81) في الطهارة باب المسح على الخفين.
([11]) ج (2) ص (191 - 194).
([12]) صحيح مسلم ك (2) ج (249) وأخرجه البخاري ك (3) ب (3).
([13]) صحيح مسلم ص (213 - 215) وأخرجه البخاري ك (3) ب (3) ص (27، 29) «ويل للأعقاب من النار» وقال الترمذي: وقد روي عن النبي r أنه قال: «ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار» انظر رقم (41) وأخرجه الإمام أحمد ج (4) ص (191) «ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار» والحاكم ج (1) ص (162).
([14]) قال تعالى: } خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا { وقال: } إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ { الآية.
([15]) وقال للحسن «أما علمت أنا لا نأكل الصدقة» أخرجه مسلم ص (751).
([16]) ج (3) ص (154 - 156).
([17]) قال البخاري: حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا ابن عيينة أنه سمع الزهري يقول أخبرني الحسن بن محمد بن علي وأخوه عبدالله عن أبيهما أن عليًا رضي الله عنه قال لابن عباس: «إن النبي r نهى عن المتعة وعن لحوم الحُمُر الأهلية زمن خيبر» البخاري ك (67) ب (31).
وأخرجه مسلم حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عبدالله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب «أن رسول الله r نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحُمُر الإنسية» (انظر حديث رقم 1407)..
وحدثنا عبدالله بن محمد بن أسماء الضبعي حدثنا جويرة عن مالك بهذا الإسناد وقال: سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان إنك رجل تائه نهانا رسول الله r بمثل حديث يحيى بن يحيى عن مالك.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد حدثنا عبدالواحد بن زياد حدثنا أبو عميس عن إياس بن سلمة عن أبيه قال «رخص رسول الله r عام أوطاس في المتعة ثلاثًا ثم نهى عنها» حديث رقم (1405).
حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير حدثنا أبي حدثنا عبدالعزيز بن عمر حدثني الربيع بن سبرة الجهني أن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله r فقال: «يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا».
حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا يحيى بن آدم حدثنا إبراهيم بن سعد عن عبدالملك بن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه عن جده قال: «أمرنا رسول الله r بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج منها حتى نهانا» (صحيح مسلم حديث رقم 1406).
([18]) أخرجه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شيئه حتى إذا نزلت الآية } إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ { قال ابن عباس فكل فرج سواهما فهو حرام (الترمذي رقم 1122 في النكاح - باب ما جاء في تحريم المتعة) قال في الفتح وقد روي روايات عديدة عن ابن عباس في الرجوع يقوي بعضها بعضًا.
([19]) سورة المؤمنون الآيات: (5 - 7).
([20]) سورة النساء الآية: (24).
([21]) ج (2) ص (196) وانظر زيادة إيضاح عن هذه الآية في المرجع المذكور.
([22]) انظر لفظ أذان أبي محذورة الذي علمه إياه النبي r في صحيح مسلم رقم الحديث (379) قال الشيخ: وترك الترجيع هو الذي رواه أهل السنن في أذان بلال، وكذلك وتر الإقامة هو الذي ثبت في أذان بلال، وشفع الإقامة ثبت في الصحيح في أذان أبي محذورة. أما أحمد وغيره من فقهاء الحديث أخذوا بأذان بلال وإقامته، والشافعي أخذ بأذان أبي محذورة وإقامة بلال، وأبو حنيفة أخذ بأذان بلال وإقامة أبي محذورة، وكل هذه الأمور جائزة بسنة رسول الله r، وإن كان من الفقهاء من يكره بعض ذلك لاعتقاده أنه لم يثبت كونه سنة في الأذان فذلك لا يقدح في علم من علم أنه سنة (ج 3 ص 159).
([23]) ج (3) ص (205).
([24]) ج (2) ص (337).
([25]) ج (2) ص (184، 335، 337).
([26]) ج (2) ص (187، 188، 191).
([27]) تسطيح القبور. ومذهب أبي حنيفة وأحمد أن تسنيم القبور أفضل كما ثبت في الصحيح: «أن قبر النبي r كان مسنما» أخرجه البخاري في كتاب الجنائز.
([28]) ج (2) ص (183) ج (1) ص (12) وتقدم بعض هذا المعنى في أحكامهم الفرعية التي انفردوا بها عن أهل السنة كلهم.