وقت
الفجر:
يبدأ
من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس. والفجر الصادق: هو البياض المنتشر ضوءه
معترضاً في الأفق. ويقابله الفجر الكاذب: وهو الذي يطلع مستطيلاً متجهاً إلى الأعلى
في وسط السماء، ثم تعقبُه ظُلْمة. والأول: هو الذي تتعلق به الأحكام الشرعية كلها
من بدء الصوم ووقت الصبح وانتهاء وقت العشاء، والثاني: لا يتعلق به شيء من الأحكام،
بدليل قوله عليه السلام: "الفجر فجران: فجر يحرِّم الطعام وتحل فيه الصلاة، وفجر
تحرم فيه الصلاة - أي صلاة الصبح - ويحل فيه الطعام" رواه ابن خزيمة والحاكم
وصححاه.
وفي
حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم: "ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر، ما لم تطلع
الشمس" وما بعد طلوع الشمس إلى وقت الظهر يعتبر وقتاً مهملاً لا فريضة
فيه.
وقت
الظهر:
من
زوال الشمس إلى مصير ظل كل شيء مثله، سوى ظل أو فيء الزوال وهذا قول المالكية
والشافعية والحنابلة. وقال أبو حنيفة: إن آخر وقت الظهر أن يصير ظل كل شيء
مِثْليْه.
وزوال
الشمس: هو ميلها عن وسط السماء، ويسمى بلوغ الشمس إلى وسط (أو كبد) السماء: حالة
الاستواء، وإذا تحولت الشمس من جهة المشرق إلى جهة المغرب حدث
الزوال.
ويعرف
الزوال: بالنظر إلى قامة الشخص، أو إلى شاخص أو عمود منتصب في أرض مستوية (مسطحة)،
فإذا كان الظل ينقص فهو قبل الزوال، وإن وقف لا يزيد ولا ينقص، فهو وقت الاستواء،
وإن أخذ الظل في الزيادة علم أن الشمس زالت.
فإذا
زاد ظل الشيء على ظله حالة الاستواء، أو مالت الشمس إلى جهة المغرب، بدأ وقت الظهر،
وينتهي وقته عند الجمهور بصيرورة ظل الشيء مثله في القدر والطول، مع إضافة مقدار ظل
أو فيء الاستواء، أي الظل الموجود عند الزوال.
ودليل
الجمهور:
أن جبريل عليه السلام صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم التالي حين صار ظل كل
شيء مثله، ولا شك أن هذا هو الأقوى. ودليل أبي حنيفة قوله عليه السلام إذا "اشتد
الحر، فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم" رواه البخاري، وأشد الحر في
ديارهم كان في هذا الوقت يعني إذا صار ظل كل شيء مثله. ودليل الكل على بدء وقت
الظهر قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} [الإسراء: 78] أي
زوالها.
وقت
العصر:
يبدأ
من خروج وقت الظهر، على الخلاف بين القولين المتقدمين، وينتهي بغروب الشمس، أي أنه
يبدأ من حين الزيادة على مثل ظل الشيء، أدنى زيادة عند الجمهور، أو من حين
الزيادة على مثلي الظل عند أبي حنيفة وينتهي الوقت بالاتفاق قبيل غروب
الشمس، لحديث: "من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس، فقد أدرك الصبح، ومن أدرك
ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر" متفق
عليه.
ويرى
أكثر الفقهاء أن صلاة العصر تكره في وقت اصفرار الشمس لقوله صلى الله عليه وسلم:
"تلك صلاة المنافق، يجلس يرقُب الشمس، حتى إذا كانت بين قَرْني الشيطان، قام
فنَقَرها أربعاً، لا يذكر الله إلا قليلاً" رواه أبو داود والترمذي، وقوله عليه
السلام أيضاً: "وقت العصر ما لم تصفر الشمس". رواه مسلم.
وصلاة
العصر: هي الصلاة الوسطى عند أكثر العلماء، بدليل ما روت عائشة عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قرأ:
{حافظوا
على الصلوات والصلاة الوسطى}
[البقرة: 238]، والصلاة الوسطى: صلاة العصر، رواه أبو داود والترمذي. وعن ابن مسعود
وسمرة قالا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الصلاة الوسطى: صلاة العصر" وسميت وسطى
لأنها بين صلاتين من صلاة الليل، وصلاتين من صلاة النهار.
وعند
مالك:
إن صلاة الصبح هي الوسطى لما روى النسائي عن ابن عباس قال: "أدلج رسول الله صلى
الله عليه وسلم، ثم عرّس، فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس أو بعضها، فلم يصل حتى ارتفعت
الشمس، فصلى وهي صلاة الوسطى".
وقت
المغرب:
من
غروب الشمس بالإجماع، أي غياب قرصها بكامله، ويمتد عند الجمهور (الحنفية والحنابلة)
إلى مغيب الشَّفَق، لحديث: "وقت المغرب ما لم يغب الشفق". رواه
مسلم.
والشفق
عند الحنفية والحنابلة والشافعية: هو الشفق الأحمر، لقول ابن عمر: "الشفق:
الحمرة". رواه الترمذي وابن خزيمة.
وعند
المالكية:
أن وقت المغرب ينقضي بمقدار وضوء وستر عورة وأذان وإقامة وخمس ركعات، أي أن وقته
مضيق غير ممتد، لأن جبريل عليه السلام صلى بالنبي عليه الصلاة والسلام في اليومين
في وقت واحد، كما بينا في حديث جابر المتقدم، فلو كان للمغرب وقت آخر لبينه، كما
بين وقت بقية الصلوات. ورد بأن جبريل إنما بين الوقت المختار، وهو المسمى بوقت
الفضيلة. وأما الوقت الجائز وهو محل النزاع فليس فيه تعرض
له.
وقت
العشاء:
يبدأ
من مغيب الشفق الأحمر إلى طلوع الفجر الصادق، أي قبيل طلوعه لقول ابن عمر المتقدم:
"الشفق الحمرة، فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة" ولحديث: "ليس في النوم تفريط، إنما
التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى" رواه مسلم. فإنه ظاهر في
امتداد وقت كل صلاة إلى دخول وقت الصلاة الأخرى إلا صلاة الفجر، فإنها مخصوصة من
هذا العموم بالإجماع.
وأما
الوقت المختار للعشاء فهو إلى ثلث الليل أو نصفه، لحديث أبي هريرة: "لولا أن أشق
على أمتي لأمرتُهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه" رواه الترمذي وابن
ماجه، وحديث أنس: "أخر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى"
متفق عليه وحديث ابن عمرو: "وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل". رواه مسلم وأبو داود
والنسائي.
وأول
وقت الوتر: بعد صلاة العشاء، وآخر وقتها ما لم يطلع الفجر.
الوقت
الأفضل:
للفقهاء
آراء في بيان أفضل أجزاء وقت كل صلاة أو الوقت المستحب، فقال الحنفية: يستحب للرجال
الإسفار بالفجر، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر" رواه
الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، والإسفار: التأخير للإضاءة. وحد الإسفار: أن يبدأ
بالصلاة بعد انتشار البياض بقراءة مسنونة، أي أن يكون بحيث يؤديها بترتيل نحو ستين
أو أربعين آية، ثم يعيدها بطهارة لو فسدت. ولأن في الإسفار تكثير الجماعة وفي
التغليس تقليلها، وما يؤدي إلى التكثير أفضل، وليسهل تحصيل ما ورد عن أنس من حديث
حسن: "من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم صلى
ركعتين، كانت له: كأجر حجة تامة، وعمرة تامة".
وأما
النساء: فالأفضل لهن الغَلَس (الظلمة)، لأنه أستر، وفي غير الفجر يَنْتَظِرْن فراغ
الرجال من الجماعة. وكذلك التغليس أفضل للرجل والمرأة لحاج
بمزدلفة.
ويستحب
في البلاد الحارة وغيرها الإبراد بالظهر في الصيف، بحيث يمشي في الظل، لقوله صلى
الله عليه وسلم السابق: "أبردوا بالظهر، فإن شدة الحر من فيح جهنم" ويستحب تعجيله
في الشتاء والربيع والخريف، لحديث أنس عند البخاري: "كان النبي صلى الله عليه وسلم
إذا اشتد البرد بكَّر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد
بالصلاة".
ويستحب
تأخير العصر مطلقاً، توسعة لأداء النوافل، ما لم تتغير الشمس بذهاب ضوئها، فلا
يتحير فيها البصر، سواء في الشتاء أم الصيف، لما فيه من التمكن من تكثير النوافل،
لكراهتها بعد العصر.
ويستحب
تعجيل المغرب مطلقاً، فلا يفصل بين الأذان والإقامة إلا بقدر ثلاث آيات أو جلسة
خفيفة، لأن تأخيرها مكروه لما فيه من التشبه باليهود، ولقوله عليه السلام: "لا تزال
أمتي بخير أو قال: على الفطرة، ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم". رواه أبو
داود.
ويستحب
تأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل الأول، في غير وقت الغيم، فيندب تعجيله فيه،
للأحاديث السابقة: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل
أو نصفه".
ويستحب
في الوتر لمن يألف صلاة الليل ويثق بالانتباه: أن يؤخر الوتر إلى آخر الليل، ليكون
آخر صلاته فيه، فإن لم يثق من نفسه بالانتباه أوتر قبل النوم، لقوله صلى الله عليه
وسلم: "من خاف ألا يقوم آخر الليل، فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليل، فليوتر
آخره، فإن صلاة الليل مشهودة، وذلك أفضل". رواه مسلم.
وقال
المالكية:
أفضل الوقت أوله، فهو رضوان الله، لقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله: أي العمل أحب
إلى الله؟ قال: الصلاة لوقتها" رواه البخاري. وعن ابن عمر مرفوعاً: "الصلاة في أول
الوقت: رضوان الله، وفي آخره عفو الله". رواه الترمذي.
وإذا
كان الوقت وقت شدة الحر ندب تأخير الظهر للإبراد، أي الدخول في وقت
البرد.
والخلاصة:
أن المبادرة في أول الوقت مطلقاً هو الأفضل، إلا في حال انتظار الفرد جماعة للظهر
وغيره، وفي حال الإبراد بالظهر أي لأجل الدخول في وقت البرد.
وقال
الشافعية:
يسن تعجيل الصلاة ولو عشاء لأول الوقت، إلا الظهر، فيسن الإبراد بالظهر في شدة
الحر، للأحاديث السابقة المذكورة في مذهب المالكية، والحنفية، والأصح: اختصاص
التأخير للإبراد ببلد حار، وجماعة مسجد ونحوه كمدرسة، يقصدونه من مكان
بعيد.
ويكره
تسمية المغرب عشاء والعشاء عتْمة للنهي عنه، أما النهي عن الأول ففي خبر البخاري:
"لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب، وتقول الأعراب: هي العشاء" وأما النهي
عن الثاني ففي خبر مسلم: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا إنها العشاء، وهم
يُعتمون بالإبل" وفي رواية " بحلاب الإبل" معناه أنهم يسمونها العتمة لكونهم يعتمون
بحلاب الإبل، أي يؤخرونه إلى شدة الظلام"، ويكره النوم قبل صلاة العشاء، والحديث
بعدها إلا في خير، لما رواه الجماعة عن أبي بَرْزة الأسلمي أن النبي صلى الله عليه
وسلم "كان يستحب أن يؤخر العشاء التي يدعونها العَتْمة، وكان يكره النوم قبلها،
والحديث بعدها".
وقال
الحنابلة:
الصلاة في أول الوقت أفضل إلا العشاء، والظهر في شدة الحر، والمغرب في حالة الغيم،
أما العشاء فتأخيرها إلى آخر وقتها المختار وهو ثلث الليل أو نصفه أفضل، ما لم يشق
على المأمومين أو على بعضهم، فإنه يكره، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم
السابق: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه"
ولأنه صلى الله عليه وسلم "كان يأمر بالتخفيف رفقاً بهم".
وأما
الظهر فيستحب الإبراد به على كل حال في وقت الحر، ويستحب تعجيلها في وقت العشاء،
عملاً بالحديثالسابق: "إذا اشتد الحر فأبردوا، فإن شدة الحر من فيح
جهنم".
وأما
حالة الغيم: فيستحب تأخير الظهر والمغرب أثناءه، وتعجيل العصر والعشاء، لأنه وقت
يخاف منه العوارض من المطر والريح والبرد، فيكون في تأخير الصلاة الأولى من أجل
الجمع بين الصلاتين في المطر، وتعجيل الثانية دفع للمشقة التي قد تحصل بسبب هذه
العوارض.
ولا
يستحب عند الحنابلة تسمية العشاء العتمة، وكان ابن عمر إذا سمع رجلاً يقول
"العتمة" صاح وغضب، وقال: "إنما هو العشاء