حكم
الأذان:
الأذان
والإقامة عند الجمهور (غير الحنابلة): سنة مؤكدة للرجال جماعة في كل مسجد
للصلوات الخمس والجمعة، دون غيرها، كالعيد والكسوف والتراويح وصلاة الجنازة، ويقال
فيها عند أدائها جماعة: "الصلاة جامعة" لما روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر
قال: "لما انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نودي: الصلاة
جامعةٌ" أما الأذان والإقامة، فلأن المقصود منهما الإعلام بدخول وقت الصلاة
المفروضة، والقيام إليها. ولا تسن للنافلة والمنذورة. ودليلهم على السنية الحديث
السابق: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، لاستهموا عليه" ولأنه صلى الله
عليه وسلم لم يأمر بهما في حديث الأعرابي، مع ذكر الوضوء والاستقبال وأركان الصلاة.
وبناء عليه: لم يأثم أهل بلدة بالاجتماع على ترك الأذان إذا قام به غيرهم ولم
يضربوا ولم يحسبوا.
وأضاف
الشافعية والمالكية
أنه يستحب الإقامة وحدها لا الأذان للمرأة أو جماعة النساء، منعاً من خوف الفتنة
برفع المرأة الصوت به. وقال الحنفية: إنه تكره الإقامة كالأذان للنساء، لما
روي عن أنس وابن عمر من كراهتهما له، ولأن مبنى حالهن على الستر، ورفع صوتهن
حرام.
الأذان
للفائتة وللمنفرد:
عند
الشافعي:
يستحب أيضاً الأذان والإقامة للمنفرد أيضاً أداء أو قضاء رغم سماع أذان الحي أو
المسجد، ويرفع صوته بالأذان إلا إذا كان بمسجد وقعت فيه جماعة، لئلا يتوهم السامعون
دخول وقت صلاة أخرى، وإن اجتمع على المصلي فوائت أو جمع تقديماً أو تأخيراً أذن
للأولى وحدها، لما روى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه: "أنه صلى الله عليه
وسلم جمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان وإقامتين" والمستحب عند الشافعي أن يكون
للجمعة أذان واحد بين يدي الإمام عند المنبر، لأنه لم يكن يؤذن يوم الجمعة للنبي
صلى الله عليه وسلم إلا بلال.
وهذا
مذهب الشافعية في الفوائت. وقال الحنفية: يؤذن المصلي للفائتة ويقيم، لأنها
بمنزلة الحاضرة، فإن فاتته صلوات أذن للأولى وأقام، وكان مخيراً في الباقية بعدها:
إن شاء أذن وأقام لكل واحدة، وهو أولى، لأن ما سن للصلاة في أذانها، سن في قضائها
كسائر المسنونات. وإن شاء اقتصر فيما بعد الأولى على الإقامة، لأن الأذان
للاستحضار، وهم حضور، والأولى الأذان والإقامة لكل لفريضة، بدليل حديث ابن مسعود
عند أبي يعلى حينما شغل المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب عن
الصلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأمر النبي صلى بلالاً بالأذان والإقامة
لكل صلاة. رواه الترمذي والنسائي.
وقال
مالك:
إنه يقيم ولا يؤذن، لما روى أبو سعيد قال: "حبسنا يوم الخندق عن الصلاة، حتى كان
بعد المغرب بهوى من الليل، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً، فأمره
فأقام الظهر فصلاها، ثم أمره فأقام العصر فصلاها" ولأن الأذان للإعلام بالوقت، وقد
فات. وعلى هذا قال المالكية: يكره الأذان لفائتة، ولصلاة ذات وقت ضروري (أي
المجموعة مع غيرها جمع تقديم أو تأخير) ولصلاة جنازة ونافلة كعيد
وكسوف.
وقيد
المالكية
سنية الأذان في كل مسجد ولو تلاصقت المساجد: بجماعة طلبت غيرها، سواء في حضر أو
سفر، ولا يسن لمنفرد أو جماعة لم تطلب غيرها، بل يكره لهم إن كانوا في حضر.
ويندب
لمنفرد أو لجماعة لا تطلب غيرها في أثناء السفر، ولو لمسافة دون مسافة القصر (89
كم).
أما
أكثر الحنابلة فقالوا:
الأذان والإقامة فرضا كفاية للصلوات الخمس المؤداة والجمعة دون غيرها، للحديث
السابق: "إذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم" والأمر يقتضي الوجوب
على أحدهم، وعن أبي الدرداء مرفوعاً: "ما من ثلاثة لا يؤذنون، ولا تقام فيهم الصلاة
إلا استحوذ عليهم الشيطان" رواه أبو داود والنسائي، ولأنهما من شعائر الإسلام
الظاهرة، فكانا فرضي كفاية كالجهاد، فإذا قام به البعض، سقط عن الباقين، وبناء عليه
يقاتل أهل بلد تركوها.
ويكره
ترك الأذان والإقامة للصلوات الخمس، ولا يعيد.
ويكفي
أذان واحد في المصر، ويكتفي بقية المصلين بالإقامة.
وهو
رأي الحنفية والمالكية أيضاً، خلافاً للشافعية كما بينا، ودليلهم أن ابن
مسعود وعلقمة والأسود صلوا بغير أذان، قال سفيان: كفتهم إقامة المصر لكن قال
الحنفية: من صلى في بيته في المصر، يصلي بأذان وإقامة ليكون الأداء على هيئة
الجماعة، وإن تركهما جاز، لقول ابن مسعود: "أذان الحي
يكفينا".
ومن
فاتته صلوات، أو جمع بين صلاتين في وقت أولاهما استحب له أن يؤذن للأولى، ثم يقيم
لكل صلاة إقامة، وهو موافق لقول الشافعية. ودليلهم على ذلك حديث أبي سعيد المتقدم:
"إذا كنت في غنمك .." وحديث أبي قتادة "أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم،
فناموا حتى طلعت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا بلال، قم فأذن الناس
بالصلاة" متفق عليه.
ومن
دخل مسجداً قد صلي فيه، فإن شاء أذن وأقام، لما روى الأثرم وسعيد بن منصور عن أنس:
"أنه دخل مسجداً قد صلوا فيه، فأمر رجلاً فأذن وأقام، فصلى بهم في جماعة" وإن شاء
صلى من غير أذان ولا إقامة.
وليس
على النساء أذان ولا إقامة، خلافاً للشافعية والمالكية في الإقامة، لما روى
النجاد بإسناده عن أسماء بنت بريد، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ليس على النساء أذان ولا إقامة".
والخلاصة:
أنه يؤذن للفائتة عند الجمهور، ويكره ذلك عند المالكية، ويسن الأذان
للرجال دون النساء، بالاتفاق، وتسن الإقامة للمرأة سراً عند الشافعية
والمالكية، وتكره عند الحنفية، ولا تشرع عند الحنابلة. ويكفي عند
الجمهور أذان الحي، ولا يكفي عند الشافعية