جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه روى البخاري عن أنس أنَّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة - ذلك لأنهم أعاجم يخطئون بقراءة القرآن - فقال لعثمان أدرِك الأمّة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليكِ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله ابن الزبير وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، و قال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم و زيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يُحرَق.
وقد شرعت اللجنة الرباعية في تنفيذ قرار عثمان سنة خمس و عشرين أي بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم بحوالي أربعة عشر سنة. كُتِبَت هذه المصاحف على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن. لقد تعمد الصحابة كتابة هذه المصاحف بالخط الذي يكون أكثر احتمالاً للأحرف، وقد وُفِّقوا لذلك لعدم وجود النقط والشكل … وهكذا فإن الأصل في عمل عثمان أن يكون مستجمعاً كافة الأحرف السبعة في مصاحفه وأن عثمان ومن معه لا يفرطون في شيء أوحى به الله إلى رسوله صلى الله عليه و سلم.
روى ابن أبي داود أن سويد بن غفلة الجعفي قال: " سمعتُ علي بن أبي طالب يقول : يا أيها الناس لا تغلو في عثمان، و لا تقولوا له إلا خيراً ( أو قولوا له خيراً ) في المصاحف و إحراق المصاحف، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا جميعاً، فقال ما تقولون في هذه القراءة، فقد بلغني أن بعضهم يقول إن قراءتي خير من قراءتك و هذا يكاد يكون كفراً، قلنا فما ترى؟ قال نرى أن نجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة و لا يكون اختلاف، قلنا فنِعم ما رأيت ". واستنسخت اللجنة سبعة مصاحف، فأرسل عثمان بستة منها إلى الآفاق واحتفظ لنفسه بواحد منها هو مصحفه الذي يسمى " الإمام "، ولقد تلقَّت الأمَّة ذلك بالطاعة وأجمعت الصحابة على هذه المصاحف. ولقد جرَّدت المصاحف العثمانية مما ليس من القرآن كالشروح والتفاسير، فمن الصحابة من كان يكتب في مصحفه ما سمع تفسيره و إيضاحه من النبي صلى الله عليه وسلم مثال ذلك: قوله تعالى: " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم"، فقد قرأ ابن مسعود وأثبت في مصحفه: " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج " فهذه الزيادة للتفسير والإيضاح. وبهذا قطع عثمان رضي الله عنه دابر الفتنة وحصَّن القرآن من أن يتطرَّق إليه شيء من الزيادة والتحريف على مر العصور. و جمع عثمان للقرآن هو المسمى "بـ: "الجمع الثالث". و اتَّبع زيد بن ثابت و الثلاثة القرشيون معه طريقة خاصة في الكتابة ارتضاها لهم عثمان، وقد سمى العلماء هذه الطريقة بـ: "الرسم العثماني للمصحف " نسبة إليه، وهو رسم لا بد من كتابة القرآن به لأنه الرسم الاصطلاحي الذي توارثته الأمة منذ عهد عثمان رضي الله عنه. ولهذا الرسم أحكام وقواعد حيث كُتِبَ على نحو يتوافق و القراءات العشر.
ولما أعيدَت صحف حفصة إليها ظلّت عندها حتى توفيت وقد حاول مروان بن الحكم أن يأخذها منها ليحرقها فرفضت، حتى إذا توفيت أخذ مروان الصحف وأحرقها وقال مدافعاً عن وجهة نظره: " إنما فعلتُ هذا لأنَّ ما فيها قد كُتِبَ وحُفِظَ بالمصحف الإمام، فخشيتُ إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب ". وقد وافقه علماء عصره على هذا وكان فعله صواباً وحكمته عظيمة.
ومن المعروف أنَّ ابن كثير وهو من علماء القرن الثامن هجري ، قد رأى مصحف الشام أي المصحف الذي أرسله عثمان رضي الله تعالى عنه إلى الشام وقال في كتابه " فضائل القرآن: " أمّا المصاحف العثمانية الأئمة فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق عند الركن شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله، و قد كان قديماً بمدينة طبرية ثم نُقِلَ منها إلى دمشق في حدود سنة 518 هـ. وقد رأيتُه كتاباً عزيزاً جليلاً عظيماً ضخماً بخط حَسَن مبين قوي، بحبر محكم، في رق أظنه من جلود الإبل