صفة
صلاة الاستسقاء ووقتها والمكلف بها والقراءة فيها:
اتفق
الجمهور غير أبي حنيفة
على أن صلاة الاستسقاء ركعتان بجماعة في المصلى بالصحراء خارج البلد، بلا أذان ولا
إقامة، وإنما ينادى لها "الصلاة جامعة" لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقمها إلا في
الصحراء، وهي أوسع من غيرها في المصلى، ويجهر فيهما بالقراءة، كصلاة العيد،
بتكبيراته عند الشافعية والحنابلة بعد الافتتاح قبل التعوذ، سبعاً في الركعة
الأولى، وخمساً في الثانية برفع يديه ووقوفه بين كل تكبيرتين كآية معتدلة، قال ابن
عباس : "سنة الاستسقاء سنة العيدين" فتسن في الصحراء، مع تكبير العيد، بلا أذان ولا
إقامة، لأنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة.
ويجعل
عند المالكية
الاستغفار بدل التكبير، فليس في الاستسقاء تكبير، بل فيه الاستغفار بدل
التكبير.
ويقرأ
في الصلاة ما شاء جهراً، كما في صلاة العيدين، والأفضل أن يقرأ فيهما عند المالكية
بسبح، والشمس وضحاها، وعند الحنابلة والصاحبين مثلما يقرأ في صلاة العيد
بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، وإن شاء قرأ في الركعة الأولى
بـ{إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً} لمناسبتها الحال، وفي الركعة الثانية سورة
أخرى من غير تعيين.
وعند
الشافعية:
يقرأ في الأولى جهراً بسورة "ق" وفي الثانية: و"اقتربت" في الأصح، أو بسبح
والغاشية، قياساً لا نصاً.
والمستحب
الخروج إلى الصحراء، إلا في مكة والمدينة وبيت المقدس ففي المسجد الحرام والمسجد
النبوي والمسجد الأقصى، فيخرج الناس ثلاثة أيام مشاة في ثياب خَلِقة غَسِيلة،
متذللين متواضعين، خاشعين لله تعالى، ناكسين رؤوسهم، مقدمين الصدقة كل يوم قبل
خروجهم، ويحددون التوبة، ويستسقون بالضَّعَفة والشيوخ والعجائز
والأطفال.
ولا
يشترط إذن الإمام لصلاة الاستسقاء عند أبي حنيفة، لأن المقصود هو الدعاء فلا يشترط
له إذن الإمام، ويشترط ذلك عند الشافعية، وعن الإمام أحمد
روايتان.
وقت
صلاة الاستسقاء: فليس
لها وقت معين، ولا تختص بوقت العيد،إلا أنها لا تفعل في وقت النهي عن الصلاة، بغير
خلاف، لأن وقتها متسع، فلا حاجة إلى فعلها في وقت النهي. ويسن فعلها أول النهار،
وقت صلاة العيد، لحديث عائشة : "أنه صلى الله عليه وسلم خرج حين بدا حاجب الشمس"
رواه أبو داود، ولأنها تشبه صلاة العيد في الموضع والصفة، فكذلك في الوقت، لأن
وقتها لا يفوت بزوال الشمس، لأنها ليس لها يوم معين، فلا يكون لها وقت
معين.
ولا
تتقيد بزوال الشمس ظهراً، فيجوز فعلها بعده، كسائر النوافل. وإن استسقى الناس عقب
صلواتهم أو في خطبة الجمعة، أصابوا السنة فيجوز الاستسقاء بالدعاء من غير صلاة
لحديث عمر رضي الله عنه أنه خرج يستسقي، فصعد المنبر فقال: "استغفروا ربكم إنه كان
غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنات، ويجعل
لكم أنهاراً، استغفروا ربكم، إنه كان غفاراً، ثم نزل، فقيل : يا أمير المؤمنين، لو
استسقيت؟ فقال: لقد طلبت بمجاديح(1)
السماء
التي يستنزل بها القطر" رواه البيهقي.
والمكلف
بها: الرجال القادرون على المشي، ولا يؤمر بها النساء والصبيان غير المميزين على
المشهور عند المالكية، وقال الشافعية والحنفية: يندب خروج الأطفال والشيوخ
والعجائز، ومن لا هيئة لها من النساء، والخنثى القبيح المنظر، لأن دعاءهم أقرب إلى
الإجابة، إذ الكبير أرق قلباً، والصغير لا ذنب عليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم:
"وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم" رواه البخاري. ويكره خروج الشابات والنساء ذوات
الهيئة، خوف الفتنة.
إخراج
الدواب: ولا
يستحب عند المالكية والحنابلة إخراج البهائم والمجانين، لأن النبي صلى الله عليه
وسلم لم يفعله.
ويستحب
إخراجها مع أولادها عند الحنفية والشافعية، ويباح ذلك عند الحنابلة،
لأن الرزق مشترك بين الكل، وليحصل التحنّن، ويظهر الضجيج بالحاجات، روى البزار
مرفوعاً بسند ضعيف: "لولا أطفال رُضَّع، وعباد رُكَّع، وبهائم رُتَّع، لصب عليكم
العذاب صباً"
_____________________
(1) والمجاديح
: جمع مجدح، وهو كل نجم كانت العرب تقول : يمطر به، فأخبر عمر رضي الله عنه : أن
الاستغفار : هو المجاديح الحقيقية التي يستنزل بها القطر، لا الأنواء، وإنما قصد
التشبيه. وقيل : مجاديحها : مفاتيحها.
هل
يخرج أهل الذمة ؟
ذهب
الحنفية
إلى أنه: لا يحضر أهل الذمة الاستسقاء، لأن الخروج للدعاء، وقد قال تعالى:
{وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: 14]، ولأنه لاستنزال
الرحمة، وإنما تنزل عليهم اللعنة.
وذهب
الجمهور
إلى أنه: لا يمنع أهل الذمة من الخروج مع المسلمين، وأمروا أن يكونوا
منفردين لا يختلطون بنا في مصلانا، ولا عند الخروج، ويكره اختلاطهم بنا، كما يكره
خروجهم عند الشافعي، ولا يؤمن على دعائهم، لأن دعاء الكافر غير مقبول.
وكونهم لا يمنعون الحضور، لأنهم يسترزقون ويطلبون أرزاقهم من ربهم، وفضل الله واسع،
وقد يجيبهم الله تعالى استدراجاً، وطعمة في الدنيا، قال تعالى:
{سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182] والله ضمن
أرزاقهم في الدنيا كما ضمن أرزاق المؤمنين.
وانفرادهم
عن المسلمين، لأنه لا يؤمن أن يصيبهم عذاب، فيعم من حضرهم، فإن قوم عاد استسقوا،
فأرسل الله عليهم ريحاً صرصراً فأهلكتهم.
خطبة
الاستسقاء:
ذهب
أبو حنيفة إلى أنه:
لا خطبة للاستسقاء، لأنها تبع للجماعة، ولا جماعة لها عنده، وإنما دعاء واستغفار
يستقبل فيهما الإمام القبلة.
وذهب
الجمهور إلى أنه:
يخطب الإمام للاستسقاء بعد الصلاة خطبتين كصلاة العيد عند المالكية
والشافعية، لقول ابن عباس: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء كما
صنع في العيدين، وخطبة واحدة عند الحنابلة، لأنه لم ينقل أنه صلى الله عليه
وسلم خطب بأكثر منها.
وتجوز
عند الشافعية الخطبة قبل الصلاة، لحديث عبد الله بن زيد: "رأيت النبي صلى
الله عليه وسلم يوم خرج يستسقي، فحوَّل إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو، ثم
حول رداءة، ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة" متفق عليه.
وتختلف
عن خطبة العيد في رأي المالكية والشافعية أن الإمام يستغفر الله تعالى بدل التكبير،
فيقول: "أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه" ويكثر فيها
بالاتفاق الاستغفار، لأنه سبب لنزول الغيث.
ولا
حد للاستغفار عند المالكية في أول الخطبة الأولى
والثانية.
ويستغفر
الخطيب في الخطبة الأولى عند الشافعية تسعاً،وفي الثانية سبعاً، ويستحب أن يكثرمن
الاستغفار، لقوله تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا *
يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا }. ويفتتح الإمام عند
الحنابلة الخطبة بالتكبير تسعاً نسقاً كخطبة العيد، ويكثر فيها عندهم الصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها معونة على الإجابة، قال عمر: "الدعاء موقوف
بين السماء والأرض، لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك"، ويقرأ كثيراً:
{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} وسائر الآيات التي فيها
الأمر به، فإن الله تعالى وعدهم بإرسال الغيث إذا استغفروه.