سورة العنكبوت
قوله تعالى {الَمَ أَحَسِبَ
الناسُ} الآيتان: قال الشعبي: نزلت في أناس كانوا بمكة قد
أقروا بالإسلام فكتب إليهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة أنه
لا يقبل منكم إقرار ولا إسلام حتى تهاجروا فخرجوا عامدين إلى المدينة
فاتبعهم المشركون فآذوهم فنزلت فيهم هذه الآية وكتبوا إليهم أن قد نزلت
فيكم آية كذا وكذا فقالوا: نخرج فإن اتبعنا أحد قاتلناه فخرجوا فاتبعهم
المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا فأنزل الله تعالى فيهم {ثُمَّ
إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذينَ هاجَروا مِن بَعدِ ما فُتِنوا} الآية.
وقال مقاتل: نزلت في مهجع مولى عمر بن الخطاب كان أول
قتيل من المسلمين يوم بدر رماه عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: سيد الشهداء مهجع وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه
الأمة فجزع عليه أبواه وامرأته فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية وأخبر أنه
لا بد لهم من البلاء والمشقة في ذات الله تعالى.
قوله تعالى {وَوَصَّينا
الإِنسانَ بِوالِدَيهِ حُسناً} الآية.
قال المفسرون: نزلت في سعد بن أبي وقاص.
وذلك أنه لما أسلم قالت له أمه جميلة: يا سعد بلغني أنك
صبوت فوالله لا يظلني سقف بيت من الضح والريح ولا آكل ولا أشرب حتى تكفر
بمحمد عليه الصلاة والسلام وترجع إلى ما كنت عليه وكان أحب ولدها إليها
فأبى سعد فصبرت هي ثلاثة أيام لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل بظل حتى خشي
عليها فأتى سعد النبي صلى الله عليه وسلم وشكا ذلك إليه فأنزل الله تعالى
هذه الآية والتي في لقمان والأحقاف.
أخبرنا أبو سعد بن أبي بكر الغازي قال: أخبرنا محمد بن
أحمد بن حمدان قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا أبو خيثمة قال:
أخبرنا الحسن بن موسى قال: أخبرنا زهير قال: أخبرنا سماك بن حرب قال:
حدثني مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال: نزلت هذه الآية في
قال: حلفت أم سعد لا تكلم أبداً حتى يكفر بدينه ولا تأكل ولا تشرب ومكثت
ثلاثة أيام حتى غشي عليها من الجهد فأنزل الله تعالى {وَوَصَّينا
الإِنسانَ بِوَالِدَيهِ حُسناً} رواه مسلم عن أبي خيثمة.
قوله تعالى {وَإِن جاهَداكَ
لِتُشرِكَ بي} الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحافظ قال: أخبرنا
عبد الله بن محمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا أحمد بن
أيوب بن راشد الضبي قال: أخبرنا مسلمة بن علقمة قال: أخبرنا داود بن
أبي هند عن أبي عثمان النهدي أن سعد بن مالك قال: أنزلت في هذه الآية {وَإِن
جاهَداكَ لِتُشرِكَ بي ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ فَلا تُطِعهُما}
قال: كنت رجلاً براً بأمي فلما أسلمت قالت: يا سعد ما هذا الدين الذي
قد أحدثت لتدعن عن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي فيقال يا
قاتل أمه قلت: لا تفعلي يا أمه فإني لا أدع ديني هذا لشيء قال: فمكثت
يوماً لا تأكل فأصبحت قد جهدت قال فمكثت يوماً آخر وليلة لا تأكل فأصبحت
وقد اشتد جهدها قال: فلما رأيت ذلك قلت تعلمين والله يا أمه لو كانت لك
مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني هذا لشيء إن شئت فكلي وإن شئت فلا
تأكلي فلما رأت ذلك أكلت فأنزلت هذه الآية {وَإِن
جاهَداكَ} الآية.
قوله تعالى {وَمِن الناسِ مَن
يَقولُ آَمَنّا بِاللهِ} قال مجاهد: نزلت في أناس كانوا يؤمنون
بألسنتهم فإذا أصابهم بلاء من الله ومصيبة في أنفسهم افتتنوا.
وقال الضحاك: نزلت في أناس من المنافقين بمكة كانوا
يؤمنون فإذا أوذوا رجعوا إلى الشرك.
وقال عكرمة عن ابن عباس: نزلت في المؤمنين الذين أخرجهم
المشركون عن الدين فارتدوهم والذين نزلت فيهم {إِنَّ
الَّذينَ تَوََفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمي أَنفُسِهِم} الآية.
قوله تعالى {وَكَأَيِّن مِّن
دابَّةٍ لا تَحمِلُ رِزقَها} الآية.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد التميمي قال: أخبرنا أبو
محمد بن حيان قال: أخبرنا أحمد بن جعفر الجمال قال: أخبرنا عبد الواحد
بن محمد البجلي قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا الحجاج بن منهال
عن الزهري عن عبد الرحيم بن عطاء عن عطاء عن ابن عمر قال: خرجنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان الأنصار فجعل يلقط من التمر
ويأكل فقال: يا ابن عمر ما لك لا تأكل فقلت: لا أشتهيه يا رسول الله
فقال: لكني أشتهيه وهذه صبيحة رابعة ما ذقت طعاماً ولو شئت لدعوت ربي
فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبئون رزق
سنتهم ويضعف اليقين قال: فوالله ما برحنا حتى نزلت {وَكَأَيِّن
مِّن دابَّةٍ لّا تَحمِلُ رِزقَها اللهُ يَرزُقُها وَإِيّاكُم وَهُوَ
السَميعُ العَليمُ}.