رد المتشابه إلى المحكم
1- قال
تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزمر:
53].
هذه
الآية متشابهة تحتمل معنيين:
المعنى
الأول: غفران الذنوب جميعاً لمن تاب.
المعنى
الثاني: غفران الذنوب جميعاً لمن لم يتب.
رد
الآية المتشابهة إلى المحكمة: وهي قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ
تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [طه: 82]. تبين من الآية المحكمة أن الله
يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب وهو مؤمن واتبع طريق الهدى .
2- قوله
تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: 9].
هذه
الآية تحتمل معنيين.
المعنى
الأول: إن كلمة {إِنَّا نَحْنُ} تحتمل الواحد المعظم نفسه وهو حق.
المعنى
الثاني: أنها للجماعة، وهو باطل، وتحتمل أيضاً الواحد ومعه غيره، فهي آية متشابهة
تمسك بها النصارى الذين قالوا بالتثليث.
رد
الآية المتشابهة إلى المحكمة: وهي قوله تعالى: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ
وَاحِدٌ}[النحل: 22].
وقوله
تعالى:
{مَا
اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ}[المؤمنون: 91]. وقوله تعالى: {قُلْ
هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1].
تبين
من الآيات المحكمة أن المراد بقوله: {إِنَّا نَحْنُ} هو الله الواحد المعظم
نفسه.
د-
حكمة ورود المحكم والمتشابه.
1- إن
الله سبحانه احتج على العرب بالقرآن، إذ كان فَخْرُهم ورياستهم بالبلاغة وحسن
البيان، والإيجاز والإطناب، والمجاز والكناية والإشارة والتلويح، وهكذا فقد اشتمل
القرآن على هذه الفنون جميعها تحدياً وإعجازاً لهم.
2- أنزل
الله سبحانه الآيات المتشابهات اختباراً ليقف المؤمن عنده، ويرده إلى عالِمِهِ،
فيَعْظُم به ثوابه، ويرتاب بها المنافق، فيستحق العقوبة.
ولقد
أشار الله تعالى في كتابه إلى وجه الحكمة في ذلك بقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ
آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ
كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا} [البقرة: 26] ثم
قال: جواباً لهم: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا}.
فأما أهل السعادة فيعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، فيستوجبون الرحمة والفضل، وأما
أهل الشقاوة فيجحدونها،فيستوجبون الملامة.
3- أراد
الله عز وجل أن يشغل أهل العلم بردّه إلى المحكم، فيطول بذلك فكرهم، ويظهر بالبحث
اهتمامهم، ولو أنزله محكماً لاستوى فيه العالم والجاهل، فشغل العلماء به ليعظم
ثوابهم وتعلو منزلتهم، ويكرم عند الله مآبهم.
4- أنزل
المتشابه لتشغل به قلوب المؤمنين ، وتتعب فيه جوارحهم وتنعدم في البحث عنه أوقاتهم،
ومدد أعمارهم، فيجوزوا من الثواب حسبما كابدوا من المشقة.
وهكذا
كانت المتشابهات ميدان سباق تنقدح فيه الأفكار والعلوم.
هـ-
منشأ التشابه
نشأ
التشابه من خفاء مراد الشارع في كلامه، فمرة يرجع إلى اللفظ، ومرة يرجع إلى المعنى،
ومرة يرجع إلى اللفظ والمعنى.
1- اللفظ:
قوله تعالى: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ}[الصافات:
93].
فلفظة:
اليمين تحتمل استعمال يده اليمنى غير الشمال، وتحتمل أيضاً أن الضرب كان بقوة، لأن
اليمين أقوى الجارحتين، وتحتمل أن الضرب كان بسبب اليمين التي حلفها إبراهيم، وفي
قوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57].
2- المعنى:
مثل ما استأثر الله بعلمه من أهوال يوم القيامة، وعلامات الساعة، والجنة والنار.
3- اللفظ
والمعنى: قوله تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ
ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ
أَبْوَابِهَا}[البقرة: 189] فهذا الخفاء في المعنى وفي اللفظ معاً إذ
لا يمكن معرفة معنى هذه الآية إلا بالرجوع إلى تفسيرها، فقد كان أهل الجاهلية
يعتقدون أن الرجل إذا أحرم بالحج لم يدخل من باب البيت بل يخرق خرقاً أو يدخل من
وراء البيت، فرد عليهم القرآن وبيَّن أن ليس شيء من ذلك من أبواب البر ولكن البر هو
التقوى.
و-
آيات الصفات
إنها
محكمة لكونها صفات الله تعالى، متشابهة بالنسبة لنا من حيث كيفيتها مثل صفة:
الاستواء على العرش، فهي معلومة في معناها، ولكن الكيف مرفوع كما قال الإمام
مالك: الإستواء معلوم، والكيف مرفوع، والسؤال عنه بدعة. أي معنى الاستواء
معلوم، ونثبت له كيفية، فصفات الله منزّهة عن الكيف، والسؤال عن الآيات المتشابهات.