تشبيه القلب بالأرض
و لما كانت الجدُوب متتابعة على القلوب
، و قحطُ النفوس متوالياً عليها ، جدّد له الدعوة آلة هذه المأدبة وقتا بعد وقت
رحمة منه به، فلا يزال مُستسقيا ، طالبا إلى من بيده غيثُ القلوب ، و سَقيُها مستمطراً
سحائب رحمته لئلا يَيبس ما أنبتته له تلك الرحمة
من نبات الإيمان ، و كلأ الإحسان و عُشبه و ثماره ، و لئلا تنقطع مادة
النبات من الروح و القلب ، فلا يزال القلب
في استسقاء و استمطار هكذا دائما ، يشكو إلى ربه جدبه ، و قحطه ، و ضرورته إلى
سُقيا رحمته ، و غيث برِّه ، فهذا دأب العبد أيام حياته.
فالقحط الذي ينزل بالقلب هو الغفلة ،
فالغفلة هي قحط القلوب و جدبها ، و ما دام العبد في ذكر الله و الإقبال عليه فغيث
الرحمة ينزل عليه كالمطر المتدارك ، فإذا غفل ناله من القحط بحسب غفلته قلة و كثرة
، فإذا تمكَّنت الغفلة منه ، و استحكمت صارت أرضه خرابا ميتة ، و سنته جرداء يابسة
، و حريق الشهوات يعمل فيها من كل جانب كالسَّمائم.
فتصير أرضه بورا بعد أن كانت مخصبة
بأنواع النبات ، و الثمار و غيرها ، و إذا تدارك عليه غيث الرحمة اهتزت أرض إيمانه
و أعماله و ربت ، و أنبتت من كلِّ زوج بهيج ، فإذا ناله القحط و الجدب كان بمنزلة
شجرة رطوبتها و خضرتها و لينها و ثمارها من الماء ، فإذا منعت من الماء يبسَت
عروقها و ذبلت أغصانها ، و حُبست ثمارها ، و ربما يبست الأغصان و الشجرة ، فإذا
مددت منها غصناً إلى نفسك لم يمتد ، و لم ينْقَد لك ، و انكسر ، فحينئذ تقتضي
حِكمة قيِّم البستان قَطع تلك الشجرة و جعلَها وقوداً للنار .