القلب ييبس إذا خلا من توحيد الله
فكذلك القلب ، إنما يَيبس إذا خلا من
توحيد الله و حبه و معرفته و ذكره و دعائه
، فتصيبه حرارة النفس ، و نار الشهوات ، فتمتنع أغصان الجوارح من الامتداد إذا
مددتها ، و الانقياد إذا قُدتها ، فلا تصلح بعدُ هي و الشجرة إلا للنَّار {
فويلٌ للقاسية قُلوبهم مِّن ذكر الله أولئك في ضلال مُّبين} [الزمر :22] ،
فإذا كان القلب ممطورا بمطر الرحمة ، كانت الأغصان ليِّنة مُنقادة رطبة ، فإذا
مددتها إلى أمر الله انقادت معك ، و أقبلت سريعة لينة وادعة ، فجنيت منها من ثمار
العبودية ما يحمله كل غصن من تلك الأغصان و مادتها من رطوبة القلب و ريِّه ،
فالمادة تعمل عملها في القلب و الجوارح ، و إذا يبس القلب تعطلت الأغصان من أعمال
البِّر ؛ لأن مادة القلب و حياته قد انقطعت منه فلم تنتشر في الجوارح ، فتحمل كل جارحة ثمرها من العبودية ، و لله في
كل جارحة من جوارح العبد عبودية تخُصُّه ، و طاعة مطلوبة منها ، خلقت لأجلها و
هيئت لها .