حال العبد في القراءة و الاستعاذة
فإذا شرع في القراءة قدَّم أمامها
الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فإنه أحرص ما يكون على خُذلان العبد في مثل هذا
المقام الذي هو أشرف مقامات العبد و أنفعها له في دنياه و آخرته ، فهو أحرص شيء
على صرفه عنه ، و انتفاعه دونه بالبدن و القلب ، فإن عجز عن اقتطاعه و تعطيله عنه
بالبدن اقتطع قلبه و عطَّله ، و ألقى فيه الوساوس ليشغله بذلك عن القيام بحق
العبودية بين يدي الرب تبارك و تعالى ، فأمر العبد بالاستعاذة بالله منه ليسلم له
مقامه بين يدي ربه و ليحي قلبه ، و يستنير بما يتدبره و يتفهمه من كلام الله
سيِّده الذي هو سبب حياة قلبه ، و نعيمه و فلاحه ، فالشيطان أحرص شيء على اقتطاع
قلبه عن مقصود التلاوة.
و لما علم الله سبحانه و تعالى حَسَد
العدو للعبد ، و تفرّغه له ، و علم عجز العبد عنه ، أمره بأن يستعيذ به سبحانه ، و
يلتجئ إليه في صرفه عنه ، فيكتفي بالاستعاذة من مؤونة محاربته و مقاومته ، و كأنه
قيل له : لا طاقة لك بهذا العدو ، فاستعذ بي أعيذك منه ، و استجر بي أجيرك منه ، و
أكفيكه و أمنعك منه .