الوليد بن يزيد
الثاني:
هو الوليد
بن يزيد بن عبد الملك بن مروان وأمه أم الحجاج بنت محمد بن يوسف الثقفي كان والياً
للعهد بعد هشام وكان مغاضباً له في حياته حتى خرج وأقام في البرية كما
ذكرناه.
ولم يزل
مقيماً في تلك البرية حتى مات هشام فجاءه الكتاب بموته وبيعة الناس له فكان أول ما
فعله أن كتب إلى العباس بن عبد الملك بن مروان أن يأتي الرصافة فيحمي ما فيها من
أموال هشام وولده وعياله وحشمه إلا مسلمة بن هشام فإنه كلم أباه في الرفق بالوليد
فقدم العباس الرصافة ففعل ما كتب به الوليد.
كان مما
يهم الوليد أن ينتقم من كل من أعان هشاماً عليه وهم كثير من سادة الأمة وأفراد
البيت الأموي.
كان ممن
أجاب هشاماً إلى خلع الوليد محمد وإبراهيم ابنا هشام بن إسماعيل المخزوميان فوجه
الوليد إلى المدينة يوسف بن محمد الثقفي والياً عليها ودفع إليه محمداً وإبراهيم
موثقين في عباءتين فقدم بهما المدينة فأقامهما للناس ثم حملا الشام فأحضرا عند
الوليد فأمر بجلدهما فقال محمد أسألك بالقرابة. قال أي قرابة بيننا قال فقد نهى
رسول اللَّه r عن ضرب بسوط إلا في حد
قال ففي حد أضربك وقود أنت أول ما فعل بالعرجى وهو ابن عمي وابن أمير المؤمنين
عثمان وكان محمد قد أخذه وقيده وأقامه للناس وجلده وسجنه إلى أن مات بعد تسع سنين
لهجاء العرجي إياه ثم أمر به الوليد فجلد هو وأخوه إبراهيم ثم أوقفهما حديداً وأمر
أن يبعث بهما إلى يوسف بن عمر وهو على العراق فلما قدم بهما عليه عذبهما حتى
ماتا.
وأخذ
سليمان بن عبد الملك فضربه مائة سوط وحلق رأسه ولحيته وغربه إلى عمان من أرض الشام
وحبس يزيد بن هشام وفرق بين زوج بن الوليد وبين امرأته وحبس عدة من ولد الوليد
وهؤلاء الثلاثة من أفراد البيت المالك.
وكان خالد
بن عبد اللَّه القسري سيداً من سادات اليمن فطلب إليه الوليد أن يبايع لابنيه الحكم
وعثمان بولاية العهد من بعده فأبى فغضب عليه الوليد وكان ذلك سبباً في أن أرسله إلى
يوسف بن عمر الثقفي والي العراق فنزع ثيابه وألبسه عباءة وحمل في محمل بغير وطاء
وعذبه عذاباً شديداً وهو لا يكلمه كلمة ثم حمله إلى الكوفة فعذبه عذاباً شديداً حتى
مات فأفسد ذلك على الوليد قلوب اليمانية وفسدت عليه قضاعة وهم أكبر جند
الشام.
وصار بنو
أمية يشيعون عن الوليد بين الناس القبائح ورموه بالكفر وكان أكثرهم فيه يزيد بن عبد
الملك وكان الناس إلى قوله أميل لأنه كان يظهر النسك.
بذلك كله
نفرت من الوليد قلوب الخاصة والعامة وما سبب ذلك كله إلا شهوة الانتقام التي لا
يستقيم بها ملك ولا يكون معهاصلاح وإذا كان الانتقام يقبح بالناس فهو من الملوك
أقبح وبذهاب ملكهم أسرع.
أتت
اليمانية يزيد بن الوليد فأرادوه على البيعة فاستشار في ذلك أخاه العباس بن الوليد
فنهاه عن ذلك ولكنه لم ينته وبايعه الناس سراً وبعث دعاته فدعوا إليه الناس وبلغ
الخبر مروان بن محمد بن مروان وهو بآرمينية فكتب إلى سعيد بن عبد الملك يأمره أن
ينهى الناس ويكفهم ويحذرهم الفتنة ويخوفهم خروج الأمر عنهم فأعظم سعيد ذلك وبعث
بكتاب مروان بن العباس بن الوليد فاستدعى العباس يزيد وتهدده فكتمه يزيد الخبر
فصدقه ولما اجتمع ليزيد أمره أقبل إلى دمشق وقد بايع له أكثر أهلها سراً وكان
واليها عبد الملك بن محمد بن الحجاج فاستولى يزيد على دمشق وجهز جيشاً لمقاتلة
الوليد عليه عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك فذهب إليه وهو بالأغدف من أرض عمان
فقاتله ولما أحس الوليد بالغلبة دخل قصره وأغلق عليه بابه وجلس وأخذ مصحفاً فنشره
يقرأ فيه وقال يوم كيوم عثمان فصعدوا على الحائط ودخلوا عليه فقتلوه وحزوا رأسه
وذهبوا به إلى يزيد فنصبه على رمح وطيف به في دمشق.
وكان قتله
لليلتين بقيتا من جمادي الآخرة سنة 126 وكانت مدة خلافته سنة وثلاثة
أشهر« وبقتله افتتح باب
الشؤم على بني أمية.