يزيد بن الوليد بن عبد
الملك (الثالث):
هو يزيد بن
الوليد بن عبد الملك بن مروان وأمه أم ولد اسمها شاه آفريد بنت فيروز بن جرد بن
شهريار بن كسرى.
بويع
بالخلافة بعد مقتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك لليلتين بقيتا من جمادي الآخرة سنة
126، وكان يسمى يزيد الناقص، قيل لأنه نقص من أعطيات الناس ما زاده الوليد بن يزيد
وردها إلى ما كانت عليه زمن هشام. وكانت ولاية يزيد فاتحة اضطراب في البيت الأموي
ومبدأ انحلاله وذهاب سعادته.
وأول ما
كان من الاضطرابات بالشام قيام أهل حمص ليأخذوا بثأر الوليد ممن قتله وأمروا عليه
معاوية بن يزيد بن حصين ونابعهم على ما أرادوا من ذلك مروان بن عبد اللَّه بن عبد
الملك وكان عاملاً للوليد على حمص وهو من سادة بني مروان نبلاً وكرماً وعقلاً
وجمالاً؛ فلما بلغ يزيد خبرهم أرسل إليهم رسلاً فيهم يعقوب بن هانىء وكتب إليهم أنه
ليس يدعو إلى نفسه وإنما يدعو إلى الشورى فلم يرضى بذلك أهل حمص وطردوا رسل يزيد
وحينئذ جهز لهم جيشاً عليه سليمان بن هشام فسار ذلك الجيش حتى نزل حوارين. كان أهل
حمص يريدون الذهاب إلى دمشق فأشار عليهم مروان بن عبد اللَّه أن يبدءوا بقتال هذا
الجيش فاتهموه فقتلوه هو وابنه وولوا أبا محمد السقباني وتركوا جيش سليمان ذات
اليسار وساروا إلى دمشق فسار سليمان مجداً في أثرهم فلحقهم بالسليمانية وكان يزيد
قد أرسل جنداً آخر يقدمه عبد العزيز بن الحجاج فاجتمع الجندان على أهل حمص فهزموهم
وقتلوا منهم عدداً عظيماً ولما رأوا ذلك دانوا ليزيد
وبايعوه.
وكما فعل
أهل حمص فعل أهل فلسطين فإنهم طردوا عاملهم وولوا أمرهم يزيد بن سليمان بن عبد
الملك وكذلك فعل أهل الأردن وولوا محمد بن عبد الملك واجتمعوا مع أهل فلسطين على
قتال يزيد بن عبد الملك فسير إليهم يزيد سليمان بن هشام في أهل دمشق وأهل حمص الذين
كانوا مع السقباني وكانت عدتهم أربعة وثمانين ألفاً ولم تتم لأهل فلسطين والأردن
لأنهم اختلفوا فتفرق أمرهم وانتهوا بالبيعة ليزيد.
وكما كان
هذا الخلاف والشقاق بالشام كان الأمر على أشد من ذلك بالعراق والمشرق فإن يزيد ولي
العراق منصور بن جمهور وعزل عنه يوسف بن عمر فذهب منصور إلى الكوفة وأخذ البيعة بها
ليزيد ثم أرسل العمال إلى خراسان فامتنع نصر بن سيار من تسليم عمله إلى عمال منصور
وضبط البلاد وأعطى الناس بعض أعطياتهم فطالبوه ببقية العطاء فأبى ذلك عليهم، فقام
في وجهه رجل من كبار اليمن هو جديع بن علي الأزدي المعني ويلقب بالكرماني لأنه ولد
بكرمان وقام معه اليمانية يريدون إفساد الأمر على نصر فقامت النزارية مع نصر عصبية
له وبذلك نبض عرق العصبية الجاهلية بين الحيين العظيمين من العرب وهما اليمانية
والنزارية، فاستحضر نصر الكرماني وحبسه فاحتالت الأزد حتى أخرجوه من محبسه وجمع
الناس لحرب وكادت تقع بينهما لولا أن سعى الناس للصلح بينهما ولكنه صلح على فساد
لأن كلاً منهما كان يخاف الآخر وبهذا صارت بلاد خراسان مرعى هنيئاً لدعاة بني
العباس، ولم يكن عند ولاة الأمر من بني أمية بالشام ما يمكنهم من سد هذه الثلمة
التي أثاروها على أنفسهم بهذا الانشقاق المؤذن بالانحلال.
لم تطل مدة
يزيد في الخلافة فإنه توفي لعشر بقين من ذي الحجة سنة 126 بعد خمسة أشهر واثنين
وعشرين يوماً من استخلافه وكان قد عهد بالولاية من بعده لأخيه إبراهيم بن الوليد ثم
لعبد العزيز بن عبد الملك. فلما توفي يزيد قام بالأمر من بعده أخوه إبراهيم غير أنه
لم يتم له الأمر فكان تارة يسلم عليه بالخلافة وتارة بالإمارة وتارة لا يسلم عليه
بواحدة منهما.
وسبب ذلك
أن مروان بن محمد بن مروان والي الجزيرة وأرمينية لم يرضى ولاية إبراهيم فسار إلى
الشام في جنود الجزيرة فاستولى على قنسرين وحمص ولما وصل عين الحر قابلته جنود
أرسلت لحربه من قبل إبراهيم بن الوليد فانتصر عليهم مروان وخزمهم هزيمة منكرة ثم
أخذ عليهم مروان البيعة له ثم سار حتى أتى دمشق فاستولى عليها وبايعه أهلها وهرب
إبراهيم بن الوليد فأمنه مروان ولعدم تمام الأمر لإبراهيم لم يعده المؤرخون من
الخلفاء.