الأحوال الخارجية:
في عهد المنصور هرب عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد
الملك بن مروان إلى بلاد الأندلس وأسس بها الدولة الأموية الثانية وكان المنصور
يعجب به وبقدرته وعزيمته التي جعلته وهو شريد طريد يؤسس ملكاً في هذه البلدان
القاصية ولم يكن بين الرجلين بالضرورة علاقة حسنة ولم يتسم عبد الرحمن بأمير
المؤمنين بل تسمى بالأمير فقط. وهذه أول بلاد اقتطعت من الخلافة الإسلامية
الكبرى بالمشرق أما مملكة الروم التي كانت تحاد الخلافة الإسلامية من الشمال فكان
يعاصر المنصور فيها قسطنطين الخامس كما قدمنا وكانت العلاقة بين الأمتين منقطعة لا
تترك إحداهما قتال الأخرى متى عنت الفرصة وكان من النظام المتبع في الخلافة إرسال
الجيوش تغزو الروم في الصيف وتسمى بالصوائف ولم يكن ذلك ينقطع إلا
لمانع.
أول ما حصل في عهد المنصور أن الروم بقيادة ملكهم أرغاروا
سنة138 على ملطية وكانت إذ ذاك من الثغور الإسلامية فدخلوها عنوة وقهروا أهلها
وهدموا سورها ولكن الملك عفا عمن فيها من المقاتلة والذرية.
ولما علم بذلك المنصور أغزى الطائفة عمه صالح بن علي ومعه
أخوه العباس بن محمد بن علي فبنى ما كان صاحب الروم هدمه من ملطية وقد أقام في
استتمام ذلك إلى سنة139. ثم غزوا الصائفة من درب الحدث فوغلا في أرض الروم وغزا مع
صالح أختاه أم عيسى ولبابة ابنتا علي وكانتا نذرتا إن زال ملك بني أمية أن تجاهدا
في سبيل اللَّه- وغزا من درب ملطية جعفر بن حنظلة البهراني. وفي
هذه السنة استقر الأمر بين المنصور وملك الروم على المفاداة فاستنقذ المنصور من
الروم أسراء المسلمين.
وفي سنة140 غزا الصائفة الحسن بن قحطبة مع عبد الوهاب بن
إبراهيم الإمام وأقبل قسطنطين صاحب الروم في جيش كثيف فنزل جيحان فبلغه كثرة
المسلمين فأحجم عنهم ثم لم تكن صائفة بعد ذلك إلى سنة146 لاشتغال أبي جعفر بأمر
محمد وإبراهيم ابني عبد اللَّه. ولم
تزل الصوائف بعد ذلك تتوالى إلى سنة155 وفيها طلب صاحب الروم الصلح على أن يؤدي
للمسلمين الجزية.
وكانت هذه الحروب بين الطرفين إغارات لم يقصد بها فتح بل كل
واحد من الطرفين ينتهز الفرصة فيجتاز الحدود التي لصاحبه ثم يعود إلى مقره ثانية
ولم تكن المصالحات يطول زمنها بل سرعان ما يعودون إلى ما كانوا عليه.
أما حدود المملكة من الجهات الأخرى فكانت في الغالب محلاً
للاضطرابات ولكنها كانت تسكن حالاً بما يبذله المنصور من الهمة في إرسال الجنود
إليها ليقظته ومعرفته بالأمور على وجهها، وكان في كل ثغر جنود مرابطون من المرتزقة
وهم المفروض لهم عطاء في الديوان ومن المتطوعة وهم الذين ينتدبون للجهاد في سبيل
اللَّه لا يطلبون على ذلك أجراً إلا من اللَّه وكان الخليفة هو الذي يعين قائدهم
وكان عددهم في ذلك الوقت كثيراً.