الأحوال الخارجية:
كان منظر الخلافة في داخل المملكة باهراً وكان كذلك مظهرها
في نظر الأمم الأخرى إلا أنه مما يؤسف سوء العلاقة بين الخلافة المشرقية ببغداد
وبين أمير الأندلس عبد الرحمن الداخل فقد كان المنصور والمهدي يهتمان بأمره ويودان
إزالة دولته ولكن الشقة بين الرجلين بعيدة فلم يمكن واحد منهما أن يجرد له جيشاً
يخترق صحارى أفريقية ويغزوه في بلاد الأندلس فاكتفى كل من الفريقين بمعاداة
الآخر.
أما العلاقات بين المهدي وبين ملك الروم فكانت سيئة فلم تكن
الإغارات من الطرفين تبطل بل كانت الصوائف من طرف المسلمين كما كانت الإغارات من
ملك الروم وكانت الحرب براً وبحراً.
وفي سنة163 احتفل المهدي بأمر الصائفة وولى أمرها ابنه
هارون وفرض البعوث على جميع الأجناس من أهل خراسان وغيرهم وخرج المهدي مع الجيش حتى
أتى البردان فأقام به نحواً من شهرين يتعبأ ويتهيأ ويعطي الجنود. وكانت
هذه الغزوة من أهم الغزوات في عهد المهدي فتح اللَّه عليهم فيها فتحاً
كثيراً.
وفي سنة165 غزا الصائفة هارون مرة أخرى فوغل في بلاد الروم
وكان عدد جيشه95793 رجلاً حمل لهم من العين ديناراً ومن الورق1414800 درهم ولم يزل
الجيش سائراً حتى بلغ خليج البحر الذي على القسطنطينية وكان الذي يقوم بأمر الروم
إيربني أم الملك نيابة عن ابنها فجرت بينها وبين هارون مكاتبات في طلب الصلح
والموادعة وإعطاء الفدية فقبل منها ذلك هارون واشترط عليها أن تقيم الأدلاء
والأسواق في طريقه لأنه قد دخل مدخلاً صعباً مخوفاً على المسلمين فأجابته إلى ما
سأل.
وفي رمضان سنة168 أي قبل انقضاء مدة الهدنة نقض الروم الصلح
وغدروا فوجه إليهم علي بن سليمان بن علي وهو والي الجزيرة وقنسرين يزيد بن بدر
البطال في سرية فردوا الروم وغنموا وظفروا.
والنتيجة أن مدة المهدي كان أكثرها حرباً مع المسلمين
والروم وكان الفريقان في موقف الدفاع أحياناً والهجوم أحياناً إلا أن الظفر كان في
الغلب للمسلمين.