الأحوال الداخلية في
عهده:
في العراق
والشرق ــ كان أمير العراق ــ حين ولي هشام عمر بن هبيرة وكان لهشام فكر حسن في أهل
اليمن فعزل ابن هبيرة وولي بدله خالد بن عبد اللَّه القسري وهو قحطاني. فاختار
لولاية خراسان أخاه أسد بن عبد اللَّه واستعمل الجنيد بن عبد الرحمن على
السند.
ولَّى هشام
خراسان أشرس بن عبد اللَّه السلمي وأمره أن يكاتب خالداً وكان أشرس فاضلاً خيراً
وكانوا يسمونه الكامل لفضله، فلما قدم خراسان فرحوا به ولأول عهده أرسل إلى أهل
سمرقند وما وراء النهر يدعوهم إلى الإسلام على أن توضع عنهم الجزية فسارع الناس
هناك إلى الإسلام فكتب صاحب الخراج إلى أشرس إن الخراج قد انكسر فكتب أشرس سمرقند
إن في الخراج قوة للمسلمين وقد بلغني أن أهل الصغد وأشباههم لم يسلموا رغبة إنما
أسلموا تعوذاً من الجزية فانظر من اختتن وأقام الفرائض وقرأ سورة من القرآن فارفع
خراجه.
كان رسول
أشرس إلى الصغد بدعوة الإسلام أبا الصيداء صالح بن طريف فلما رأى العمال يطالبون من
أسلم بالجزية منعهم من ذلك فلجوا ولج وكانت النتيجة أن عصى الصغد وأعانهم أبو
الصيداء ومن كان معه فاحتال أمير جند أشرس على أبي الصيداء وبقية الرؤساء الذين
ساعدوه حتى جيء بهم فحبسهم واستخف بعدذلك بعظماء العجم والدهاقين فكفر أهل الصغد
واستجاشوا الترك فأعانوهم.
لما علم
بذلك أشرس خرج غازياً في جنوده حتى عبر النهر من عند آهل فأقبل الصغد والترك وكانت
بين الفريقين موقعة عظيمة كاد المسلمون ينهزمون فيها لولا أن رجعوا فثبتواحتى هزموا
عدوهم، ثم سار أشرس حتى نزل بيكند فقطع العدو عنهم الماء وكادوا يهلكون عطشاً لولا
أن انتدب شجعانهم إلى الترك فأزالوهم عن الماء واستقى الناس ثم غلبوهم على مواقعهم
فأزالوا عنها وهزموهم.
وفي سنة
111 عزل هشام أشرس بن عبد اللَّه عن خراسان واستعمل بدله الجنيد بن عبد الرحمن
المري فلما جاء خراسان فرق عماله ولم يستعمل إلا مضرياً.
وفي سنة
112 خرج غازياً يريد طارستان فوجه جنداً عدده ثمانية عشر ألفاً إلى طخارستان وجنداً
عدده عشر آلاف إلى وجه آخر فكتب إليه أمير سمرقند أن خاقان ملك الترك جاش فخرجت
إليهم فلم أطلق أن أمنع حائط سمرقند فالغوث الغوث فأمر الجنيد الجند بعبور النهر.
فقال له ذوو الرأي ممن معه إن أمير خراسان لا يعبر النهر في أقل من خمسين ألفاً
وأنت قد فرقت جندك، قال فكيف بسورة (أمير سمرقند) ومن المسلمين لو لم أكن إلا في
بني مرة أو من طلع معي من الشام لعبرت ثم عبر فنزل كش وتأهب للمسير فبلغ الترك خبره
فغوروا الآبار فسار الجند بالناس حتى صار بينه وبين سمرقند أربعة فراسخ ودخل الشعب
فصبحه خاقان في جمع عظيم وزحف إليه أهل الصغد وفرغانة والشاش وطائفة من الترك وهنا
ظهرت العزائم الثابتة من قواد المسلمين فأبلوا بلاء حسناً مع قلة عددهم وكثرة عدوهم
ولما اشتد القتال ورأى الجنيد شدة الأمر استشار أصحابه فقال له عبد اللَّه بن حبيب
اختر إما تهلك أنت أو سورة بن الحر، قال هلاك سورة أهون علي قال فاكتب إليه فليأتك
في أهل سمرقند فإنه إذا بلغ الترك إقباله توجهوا إليه فقاتلوه فكتب الجنيد إلى سورة
يأمره بالقدوم، فرحل سورة عن سمرقند في اثني عشر ألفاً فلما كان بينه وبين الجنود
فرسخ واحد لقيهم فقاتلهم أشد قتال فانكشف الترك وثار الغبار فلم يبصروا وكان من
وراء الترك لهب فسقطوا فيه وسقط العدو والمسلمون وسقط سورة فاتقدت فخذه وتفرق الناس
فقتلهم الترك ولم ينج منهم إلا القليل.
وفي سنة
116 عزل الجنيد عن خراسان وولي بدله عاصم بن عبد اللَّه الهلالي وكان هشام قد غضب
على الجنيد لأنه تزوج الفاصلة بنت يزيد المهلب فقال لعاصم إن أدركته وبه رمق فأزهق
نفسه فجاء عاصم وقد مات الجنيد فأراحه اللَّه من هذا الشر الذي صار عادة في هذه
الدولة ولم يكتف عاصم بذلك بل أخذ عمال الجنيد وعذبهم.
وفي عهده
خرج عليه الحارث بن سريج لابساً السواد داعياً إلى كتاب اللَّه وسنة نبيه والبيعة
للرضا وتبعه خلق كثير فاستولى على البلخ والجوزجان ثم قصد مرو بها عاصم فقابله على
أبوابها فهزمه هزيمة منكرة وغرق من جنده بشر كثير في أنهار مرو وفي النهر الأعظم
وهرب الحارث.
وفي سنة
119 غزا أسد الختل وغلب على قلعتهم العظمى وفرق العسكر في أودية الختل فملئوا
أيديهم من الغنائم والسبي وهرب أهله إلى الصين وفي سنة 120 توفي أسد ببلخ وكان من
خيرة الولاة بخراسان وأبعدهم همة وأشدهم شكيمة.
وفي سنة
111 عزل هشام مسلمة ورد الجراح فدخل بلاد الخزر من ناحية نفليس ففتح مدينتهم
البيضاء وانصرف سالماً فجمعت الخزر جموعها واحتشدت وساعدتهم الترك من ناحية اللان
فلقيهم الجراح فيمن معه من أهل الشام فاقتتلوا أشد قتال رآه الناس فصبر الفريقان
وتكاثرت الخزر والترك على المسلمين فقتل الجراح ومن معه بمرج أردبيل، وبذلك طمع
الخزر في البلاد وأوغلوا فيها حتى قاربوا الوصل وعظم الخطب. فلما علم ذلك هشام
استعمل على تلك البلاد سعيداً الحرشي وأتبعه بالجنود، ولما وصل وأرزن فلول الجراح
فأخبرهم معه حتى وصل إلى خلاط فافتتحها عنوة ثم سار عنها وفتح القلاع والحصون شيئاً
بعد شيء إلى أن وصل برذع فنزلها.
وفي سنة
114 قدم على هشام مروان بن محمد فشكا إليه مسلمة وأنه لم يفعل شيئاً مع هذا العدو
الشديد وطلب إليه أن يوليه أرمينية وأن يمده بمائة وعشرين ألف مقاتل ليوقع بالخزر
والترك وقعة يؤدبهم بها فأجابه إلى ذلك هشام وعزل مسلمة وولي مروان الجزيرة
وأرمينية وأذربيجان وسير الجنود إليه فدخل مروان بلاد الخزر وسار فيها حتى انتهى
إلى آخرها وملك الخزر ينفض بجموعه أمامه ذليلاً فأقام مروان في تلك البلاد أياماً
ودخل بلاد السرير فأوقع بأهله وفتح أقلاها ودان له الملك ولما رأى أهل تلك البلاد
ما عليه مروان من القوة صالحوه فعاد عنهم وكان مروان أن يلح على أهل تلك البلاد
بإظهار القوة حتى لم يكونوا يحدثون أنفسهم بحربه وخافه الترك خوفاً شديداً ودانت له
جميع البلاد على شاطىء بحر الخزر.