وكان يعاصره في الأندلس عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن
هشام بن عبد الملك (138-172) الأحوال لعهد
المنصور:
تولى المنصور الخلافة ولم تكن قد توطدت دعائمها ولم يكن
يخاف عليها من الدولة البائدة دولة الأمويين لأنه لم تبق لهم بقية يخاف منها وإنما
كان الخوف ينتاب المنصور من ثلاث جهات
الأولى: منافسة عمه عبد اللَّه بن علي في الأمر لما كان
له من نباهة الذكر في بني العباس ولأنه كان يدبر أمر جيوش الدولة من أهل خراسان
وأهل الشام والجزيرة والموصل الذي أمره عليهم السفاح قبل وفاته ليغزوا بهم الروم
وقد أظهر المنصور خوفه هذا لأبي مسلم حينما جاءه الخبر بوفاة أخيه والبيعة
له.
الثانية: من عظمة أبي مسلم الخراساني مؤسس الدولة فإنه
كان يرى له من الصولة وشدة التمكن في حياة أخيه ما لم يكن يرى معه أمراً ولا حكماً
ومثل المنصور في علو نفسه لا يرضيه أن يكون له في الأمر شريك ذو سطوة وسلطان مثل
أبي مسلم على أن هناك أمراً آخر ربما كان يدور بخاطره وهو أن يستقل أبو مسلم بأمر
خراسان ويخلع المنصور ثم يختار للخلافة رجلاً آخر يكون تحت تصرفه وسلطانه فيعود
الأمر لأهل فارس.
الثالثة: وهي أقوى هذه الجهات الثلاث خوفه من بني عمه
آل علي بن أبي طالب الذين لا يزال لهم في قلوب الناس مكان مكين وأخصهم محمد بن عبد
اللَّه بن حسن بن زيد بن حسن بن علي بن أبي طالب لما سيأتي بيانه فكان المنصور
يتخوف أن يخرج عليه طالباً بالخلافة والذي كان يزيد هواجسه أنه عام حج في حياة أخيه
لم يحضره محمد ولا أخوه إبراهيم ابنا عبد اللَّه مع من شهده من سائر بني
هاشم.
صار المنصور يحتال بأنواع الحيل ليعرف الأخبار عن محمد
واستخراج ما عند أبيه عبد اللَّه بن حسن من أخباره ولما علم أن عبد اللَّه يعرف نية
ابنة حج سنة وسأل عبد اللَّه عن ابنيه أن عنده بهما فتيقن المنصور كذبه وحبسه وصادر
أمواله.
لم يزل بنو حسن محبوسين عند رياح بالمدينة حتى حج أبو جعفر
سنة فلما لم يجد عندهم ما يبرد غلته من جهة محمد وأخيه إبراهيم أمر بحملهم إلى
العراق وأشخص معهم محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان بن عفان وهو أخو بني حسن بن
زيد بن حسن لأمهم وأمهم جميعاً فاطمة بنت حسين بن علي وكان إبراهيم بن عبد اللَّه
صهره على ابنته فحملوا مقيدين بالأغلال والأثقال وسير بهم على شر ما يكون حتى أتى
بهم العراق فحبسوا بقصر ابن هبيرة وهو بلد شرقي الكوفة مما يلي بغداد على نهر
الفرات. وقد استعمل معهم المنصور من الفظائع ما لا طاقة
للإنسان على تسطيره وكان أعظم فظائعه مع محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان،
وكانت نتيجة هذا الحبس الشديد أن مات أكثرهم في الحبس مع أن بني العباس ملأوا
الدنيا تهويلاً ورياء بأنهم خرجوا انتقاماً من قتلة الحسين بن علين وزيد بن حسن
ويحيى بن زيد وهؤلاء إنما قتلوا في ميادين القتال وهم خارجون ولم يقتل بنو أمية
أحداً من آل علي بالشكل الفظيع الذي ذهب به بنو حسن في عهد بني عمهم من آل
العباس.
على أنه فضلاً عن ذلك كله جعل نفسه محصوراً بالمدينة وهي
ليست بمركز حربي يمكن القائد أن يبقى فيه على الدفاع طويلاً وحياتها من خارجها فلا
تحتمل الحصار إلا قليلاً.