الوزارة في عهد المأمون:
أول وزراء المأمون الفضل بن سهل وهو فارسي الأصل أسلم على
يد المأمون سنة190 ويقال إن أباه سهلا أسلم على يد المهدي والذي اختار الفضل
للمأمون هو الرشيد بإشارة جعفر بن يحيى فكان مدبر أمره وهو ولي عهده ولما فعل
الأمين ما فعل دبر الفضل أمر إرسال الجنود وتدبير ما يلزمهم فأرسل طاهر بن الحسين
لمحاربة علي بن عيسى بن ماهان. ولما انتصر طاهر لقب الفضل ذا الرياستين وجعل له
علماً على سنان ذي شعبتين وكتب على سيفه من جانب رياسة الحرب ومن الجانب الآخر
رياسة التدبير وولاه المأمون في هذه السنة وهي سنة196 على المشرق كله وجعل عمالته
ثلاثة آلاف ألف درهم نحو ستين ألف جنيه.
استوزر المأمون بعد وفاة الفضل بن سهل أحمد بن أبي خالد
وأصله شامي مولى لبني عامر بن لؤي وكان أبوه كاتباً لعبيد اللَّه كاتب المهدي أحضره
المأمون بعد وفاة الفضل بن سهل وقال له إني كنت عزمت ألا أستوزر أحداً بعد ذي
الرياستين وقد رأيت أن أستوزرك، فقال: يا أمير المؤمنين اجعل بيني وبين الغاية
منزلة يتأملها صديقي فيرجوها لي ولا يقول عدوي قد بلغ الغاية وليس إلا
الانحطاط. فاستحسن المأمون كلامه واستوزره.
وكان أحمد هذا من خيار الوزراء يحب أن تخلص قلوب الرعية
لإمامه فكان دائم المشورة بما يسر أنفسهم ويسل دفين الأحقاد من صدورهم.
ومن عيوب أحمد بن أبي خالد أنه كان شرهاً يتقرب إليه الناس
بالمآكل لينالوا ما عنده من المصالح وكان المأمون يعرف ذلك منه فأجرى عليه كل يوم
لمائدته ألف درهم لئلا يشره إلى طعام أحد من بطانته وكان مع هذا يشره إلى طعام
الناس وتمتد عينه إلى هدية تأتيه وكان مع هذا أسي اللقاء عابس الوجه يهر في وجوه
الخاص والعام غير أن فعله كان أحسن من لقائه وكان من عرف أخلاقه وصبر على مداراته
نفعه وأكسبه.
توفي أحمد بن أبي خالد في ذي القعدة سنة211 وصلى عليه
المأمون ولما دلي في حفزته ترحم عليه.
استوزر المأمون بعده أحمد بن يوسف كان كاتباً من خيرة
الكتاب وأجودهم خطاً حتى قال له المأمون يوماً: يا أحمد لوددت أني أخط مثل خطك وعلى
صدقة ألف ألف درهم وكان يجيد الكتابة حتى كان المأمون إذا كان يتولى عمرو بن مسعدة
ديوان الرسائل كان يكلف أحمد بن يوسف بكتابة الكتب التي يريد أن تشهر وتذكر وولاه
المأمون ديوان السر وبريد خراسان وصدقات البصرة ولما مات أحمد بن أبي خالد استوزره
مكانه.
استوزر المأمون بعده القاضي يحيى بن أكثم التميمي كان من
جلة العلماء الفقهاء الذين لهم قدم ثابتة في الحديث والفقه والأصول تولى قضاء
البصرة وسنه عشرون سنة ثم اتصل بالمأمون وصله به ثمامة بن أشرس العالم المتكلم الذي
كان المأمون يثق به كثيراً فلما احتاج المأمون إلى من يوليه الوزارة عرضها على
ثمامة فامتنع منها ووصف له يحيى فاستوزره وولاه مع ذلك قاضي القضاة فكان إليه تدبير
المملكة والقضاء وقلما اجتمعا في شخص.