زكاة الذهب والفضة، وفيه مسائل:
المسألة
الأولى: حكم الزكاة فيهما، وأدلة ذلك:
تجب
الزكاة في الذهب والفضة لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ) [التوبة: 34] ولا يُتَوعد بهذه العقوبة إلا على ترك واجب.
ولقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما مِن صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها،
إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحَت له صفائح من نار، فأُحْمي عليها في نار جهنم،
فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت عليه في يوم كان مقداره خمسين ألف
سنة، حتى يقضي الله بين العباد) (1).
ولإجماع أهل العلم على أن في مائتي درهم
خمسة دراهم، وعلى أن الذهب إذا كان عشرين مثقالاً، وقيمته مائتا درهم، تجب الزكاة
فيه.
المسألة
الثانية: مقدارها:
مقدار
الزكاة الواجبة في الذهب والفضة ربع العشر، أي في كل عشرين ديناراً من الذهب نصف
دينار، وما زاد فبحسابه قل أو كثر، وفي كل مائتي درهم من الفضة خمسة دراهم، وما زاد
فبحسابه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كتاب الصدقة: (وفي
الرِّقَةِ (2) كل مائتي درهم ربع العشر) (3). ولحديث: (... وليس عليك شيء -يعني في
الذهب- حتى يكون لك عشرون ديناراً. فإذا كان لك عشرون ديناراً، وحال عليه الحول،
ففيها نصف مثقال) (4). ولما جاء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من
أنَّه (كان يأخذ من كل عشرين مثقالاً نصف مثقال) (5).
__________
(1) أخرجه
مسلم برقم (987) من حديث أبي هريرة، وقد تقدم.
(2) الرِّقَةُ: -بتخفيف القاف-
الفضة والدراهم المضروبة منها، وأصله (الوَرق) فحذفت الواو وعوض منها الهاء.
(3)
أخرجه البخاري برقم (1454) من حديث أنس بن مالك.
(4) رواه أبو داود برقم (1573)
وغيره عن علي بإسناد حسن أو صحيح كما قال الإمام النووي.
(5) رواه ابن ماجه برقم
(1791)، والدارقطني برقم (199)، وهو صحيح. انظر إرواء الغليل
(3/289).
المسألة
الثالثة: شروطها:
يشترط
لوجوب الزكاة في الذهب والفضة الشروط التالية:
1- بلوغ النصاب، وهو عشرون
مثقالاً من الذهب؛ لحديث علي: (... وليس عليك شيء -يعني في الذهب- حتى يكون لك
عشرون ديناراً، فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليه الحول ففيها نصف مثقال) ويساوي
بالجرامات (85) جراماً.
ونصاب الفضة مائتا درهم من الفضة لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة). والأوقية أربعون درهماً، فخمس
أواق تساوي مائتي درهم، وقولى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وفي
الرَّقَة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائةً فليس فيها شيء، إلا أن يشاء
رَبُّها) (1).
وقد أجمع العلماء على أن نصاب الفضة خمس أواق، ونصاب الذهب عشرون
مثقالاً (2).
2- بقية الشروط العامة التي سبقت فيمن تجب عليه الزكاة، وهي:
الإسلام، والحرية، والملك التام، وحَوَلان الحول، وقد سبق الكلام
عليها.
المسألة
الرابعة: في ضم أحدهما -الذهب والفضة- إلى الآخر:
لا يضم
أحدهما إلى الآخر في إكمال النصاب على القول الراجح؛ لأنهما جنسان مختلفان، فلم يضم
أحدهما إلى الآخر، كالإبل والبقر، والشعير والقمح، مع أن المقصود منها واحد، وهو
التنمية في الإبل والبقر، والقوت في الشعير والقمح، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وليس فيما دون خمس أواق صدقة). ويلزم من القول بضم أحدهما
إلى الآخر في إكمال النصاب وجوب الزكاة في أقل من خمس أواق من الفضة، إذا كان عنده
ما يكمل به من الذهب. ويشمل
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (1454)، من
حديث أنس عن أبي بكر.
(2) شرح صحيح مسلم (7/48).
الحديث ما إذا
كان عنده من الذهب ما يكمل به خمس أواق، أو لا. وعلى هذا إذا كان عنده عشرة دنانير
ومائة درهم، فلا زكاة عليه؛ لأن الذهب يزكى وحده، وكذلك الفضة.
المسألة
الخامسة: في زكاة الحُلِيّ:
لا خلاف بين أهل العلم في وجوب الزكاة في الحلي
المعدّ للادخار والكراء، وفي الحلي المُحَرَّم؛ كالرجل يتخذ خاتماً من ذهب، أو
المرأة تتخذ حلياً صنع على صورة حيوان، أو فيه صورة حيوان، أما الحلي المعدّ
للاستعمال المباح والعارية، فالصحيح من قولي أهل العلم وجوب الزكاة فيه؛ وذلك لما
يلي:
1- عموم النصوص الواردة في وجوب الزكاة في الذهب والفضة، وهذا العموم يشمل
الحلي وغيره.
2- ما رواه أهل السنن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن امرأة
أتت إلى رسول الله ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مَسَكَتانِ (1) غليظتان من ذهب،
فقال: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسوِّرك الله بهما سوارين من نار،
فخلعتهما، وألقتهما إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) (2). وهذا
الحديث نص في الموضوع، وله شاهد في الصحيح وغيره.
3- ولأن هذا القول أحوط، وأبرأ
للذمة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (دع ما يريبك إلى ما لا
يريبك).