والأصل فيما يحرم من الأطعمة: أن كل طعام نجس مستقذر فيه مضرة، لا يجوز أكله، وذلك
على النحو التالي:
1- المحرمات من الطعام في كتاب الله محصورة في عشرة أشياء
وردت في قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ
الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ
وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا
مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) [المائدة: 3].
- أما الميتة: فهي
ما مات حتف أنفه، وفارقته الحياة بدون ذكاة شرعية، وحرمت لما فيها من المضرة بسبب
الدم المحتقن وخبث التغذية، وتجوز للمضطر بقدر الحاجة، ويستثنى من الميتة: السمك
والجراد، فإنهما حلال.
- والدم: المراد به الدم المسفوح، فإنه حرام؛ لقوله تعالى
في آية أخرى: (أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا) [الأنعام: 145]، أما ما يبقى من الدم في خلل
اللحم، وفي العروق بعد الذبح، فمباح، وكذا ما جاء الشرع بحله من الدم؛ كالكبد
والطحال.
- ولحم الخنزير: لأنه قذر، ويتغذى على القاذورات، ولمضرته البالغة، وقد
جمع الله عز وجل هذه الثلاثة في قوله: (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا
مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ
اللَّهِ بِهِ) [الأنعام: 145].
__________
(1) فتح الباري: (9/574).
(2)
متفق عليه: رواه البخاري برقم (5517)، ومسلم برقم (1649).
(3) رواه البخاري برقم
(5495)، ومسلم برقم (1952).
- وما
أهل لغير الله به: أي ذبح على غير اسمه تعالى، وهذا حرام لما فيه من الشرك المنافي
للتوحيد؛ فإن الذبح عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى، كما قال عز وجل: (فَصَلِّ
لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: 2].
- والمنخنقة: وهي التي تخنق فتموت، إما قصداً
أو بغير قصد.
- والموقوذة: هي التي تُضْرَب بعصا أو شيء ثقيل، فتموت.
-
والمتردية: هي التي تتردَّى من مكان عال، فتموت.
- والنطيحة: هي التي تنطحها
أخرى، فتقتلها.
- وما أكل السبع: هي التي يعدو عليها أسد أو نمر أو ذئب أو فهد
أو كلب، فيأكل بعضها، فتموت بسبب ذلك. فما أُدرك من هذه الخمسة الأخيرة، وبه حياة،
فذكي، فإنه حلال الأكل؛ لقوله تعالى في الآية المذكورة: (إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ)
[المائدة: 3].
- وما ذُبح على النصب: وهي حجارة كانت منصوبة حول الكعبة، وكانوا
في الجاهلية يذبحون عندها، فهذه لا يحل أكلها؛ لأن ذلك من الشرك الذي حرَّمه الله،
كما مضى فيما أُهِل لغير الله به.
ويحرم من الأطعمة أيضاً:
2- ما فيه مضرة:
كالسم، والخمر، وسائر المسكرات والمفتِّرات؛ لقوله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة: 195]، وقوله عز وجل: (وَلَا
تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء: 29].
3- ما قطع من الحي: لحديث أبي واقد
الليثي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة) (1).
4- سباع البهائم: وهي التي تفترس
بنابها -أي تنهش- من حيوانات البر؛ كالأسد والذئب والنمر والفهد والكلب؛ لحديث أبي
ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - قال: (نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عن كل ذي ناب من السباع) (2)، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -:
__________
(1) رواه أحمد في المسند (5/218)، وأبو داود برقم
(2858)، والترمذي برقم (1480) وحسَّنه، وغيرهم، وصححه الشيخ الألباني (صحيح الترمذي
برقم 1197).
(2) رواه البخاري برقم (5530)، ومسلم برقم
(1932).
(كل
ذي ناب من السباع، فأكله حرام) (1).
5- سباع الطير: وهي التي تصيد بمخلبها؛
كالعُقاب والباز والصقر والحدأة والبومة، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (نهى
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل
ذي مخلب من الطيور) (2).
6- ويحرم من الطيور ما يأكل الجيف: كالنسر والرَّخَم
والغراب؛ لخبث ما يتغذى به.
7- يحرم كل حيوان نُدِبَ قتله: كالحية والعقرب
والفأرة والحدأة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (خمس من الدواب كلهن فاسق، يقتلن في الحرم: الغراب،
والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور) (3)، ولكونها مستخبثة مستقذرة.
8-
الحمر الأهلية؛ لما روى جابر: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى
يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية) (4).
9- ما يستخبث من الأطعمة: كالفأرة والحية
والذباب والزنبور والنحل؛ لقول الله تعالى: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)
[الأعراف: 157].
10- الجلاَّلة: وهي التي أكثر أكلها النجاسة؛ لما روى ابن عمر
رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أكل
الجلالة) (5) وسواء في ذلك الإبل والبقر والغنم والدجاج ونحوها، فإذا حبست بعيداً
عن النجاسات، وأطعمت الطاهرات، حل أكلها. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يحبسها
ثلاثاً إذا أراد أكلها، وقيل: تحبس أكثر من ذلك.
__________
(1) أخرجه مسلم
برقم (1933).
(2) رواه مسلم برقم (1934). والمِخْلَب للطير والسبع كالظفر
للإنسان؛ لأن الطائر يخلب الجلد بمخلبه، أي: يقطعه ويمزقه.
(3) رواه البخاري
برقم (1829)، ومسلم برقم (1198).
(4) رواه البخاري برقم (5204)، ومسلم برقم
(1941).
(5) رواه أبو داود برقم (3785)، وابن ماجه برقم (3189) وهو صحيح. انظر
إرواء الغليل (8/149).