نهى الشارع الحكيم عن بعض البيوع إذا ترتب عليها تضييع لما هو أهم؛ كأن تشغل عن
أداء عبادة واجبة، أو يترتب عليها إضرار بالآخرين. ومن هذه البيوع المنهيِّ
عنها:
1- البيع والشراء بعد الأذان الثاني يوم الجمعة.
لا يصح البيع ولا
الشراء ممن تلزمه صلاة الجمعة بعد الأذان الثاني؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا
إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) [الجمعة: 9].
فقد نهى الله تعالى عن
البيع في هذا الوقت، والنهي يقتضي التحريم، وعدم صحة البيع.
2- بيع الأشياء لمن
يستعين بها على معصية الله، أويستخدمها في المحرمات. فلا يصح بيع العصير لمن يتخذه
خمراً، ولا الأواني لمن يشرب بها الخمر، ولا بيع السلاح في وقت الفتنة بين
المسلمين. قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا
تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].
3- بيع المسلم على
بيع أخيه.
مثاله أن يقول لمن اشترى شيئاً بعشرة: أنا أبيعك مثله بأرخص منه، أو
أبيعك أحسن منه بنفس الثمن؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ولا يبع بعضكم على بيع بعض) (1).
4-
الشراء على الشراء.
مثاله: أن يقول لمن باع شيئاً: اِفْسَخ البيع، وأنا أشتريه
منك بأكثر، بعد أن اتفق البائع والمشتري على الثمن. وهذه الصورة داخلة في النهي
الوارد في الحديث السابق.
__________
(1) رواه البخاري برقم (2165)، ومسلم
برقم (1412).
5-
بيع العِينَة.
وصورته: أن يبيع شخصٌ سلعةً لآخر بثمن معلوم إلى أجل، ثم يشتريها
منه البائع بثمن حاضرٍ أقل، وفي نهاية الأجل يدفع المشتري الثمن الأول. كأن يبيع
أرضاً بخمسين ألفاً يدفعها بعد سنة، ثم يشتريها البائع منه بأربعين ألفاً نقدا،
ويبقى في ذمته الخمسون ألفاً يدفعها المشتري على رأس السنة. وسُميت عِينَة: لأن
المشتري يأخذ مكان السلعة عيناً، أي: نقداً حاضراً.
وحُرِّم هذا البيع، لأنه
حيلةٌ يتوصل بها إلى الربا، فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر،
وتركتم الجهاد، سَلَّط الله عليكم ذلاً لا يرفعه حتى ترجعوا إلى دينكم) (1).
6-
بيع المبيع قبل قبضه.
مثاله: أن يشتري سلعة من شخص، ثم يبيعها قبل أن يقبضها
ويحوزها.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه) (2)، وعن زيد بن ثابت
- رضي الله عنه -: (أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن
تباع السلع حيث تبتاع، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) (3).
فلا يجوز لمن اشترى
شيئاً أن يبيعه حتى يقبضه قبضاً تاماً.
7- بيع الثمار قبل بدوّ صلاحها.
لا
يجوز بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها؛ خوفاً من تلفها أو حدوثِ عيب بها قبل أخذها،
فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: (أرأيتَ إن منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟)
(4).
__________
(1) رواه أحمد (2/28)، وأبو داود برقم (3462). وصححه الشيخ
الألباني (السلسلة الصحيحة برقم 11).
(2) متفق عليه: رواه البخاري برقم (2136)،
ومسلم برقم (1525).
(3) رواه أبو داود برقم (3499)، وصحح الإمام النووي إسناده.
(اللؤلؤ المصنوع برقم (1691).
(4) متفق عليه: رواه البخاري برقم (2198)، ومسلم
برقم (1555).
وعن
ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع) (1).
ويعرف بدو صلاحها:
باحمرار ثمار النخيل أو اصفرارها، وفي العنب أن يَسْوَدَّ وتبدو الحلاوة فيه، وفي
الحب أن ييبس ويشتد، ونحو ذلك في بقية الثمار.
8- النَّجْشُ.
وهو أن يزيد
شخصٌ في ثمن السلعة المعروضة للبيع، ولا يريد شراءها، وإنما لِيغرَّ غيره بها،
ويرغبه فيها، ويرفع سعرها.
عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن النجش) (2).