مما سبق ذكره وبيانه عن التوراة يتضح أن الكتاب الذي بين يدي اليهود
والنصارى لا سند له يمكن أن يعتمد عليه في صحة المعلومات الواردة فيه، فلهذا لا
يمكن لليهود ولا للنصارى أن ينفوا إمكانية التحريف والعبث فيه، خاصة وأن الذين
استؤمنوا عليه- وهم اليهود- قد انحرفوا انحرافات خطيرة في الدين، وكفر كثير منهم،
وأعرضوا عن دين الله، وتركوه رغبة عنه، وحبًّا للدنيا، وإيثاراً لها، وهذا ظاهر
واضح لكل من طالع سجل تاريخهم، وهو العهد القديم.
فمع هذا الانحراف والفساد كيف
يمكن أن تسلم التوراة من العبث والتحريف؟! هذا ما لا يقبله العقل السليم وواقع
الإنسان.
وسنذكر هنا ما يؤكد وقوع التحريف.
أدلة التحريف من القرآن الكريم
والتوراة:
قد شهد الله عزَّ وجلَّ بتحريف اليهود لكتابهم، وأبان عن هذا في القرآن
الكريم في مواضع عديدة، فمن ذلك قوله عز وجل: أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ
لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ
يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة: 75]. فهذا
فيه دلالة على أنهم غيَّروا وبدَّلوا عن إصرار وعلم.
وقوله عزَّ وجلَّ: فَوَيْلٌ
لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ
عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ
أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة: 79].
وقوله عزَّ
وجلَّ: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ
لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ
عِندِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ
وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران: 78]. فهذا فيه دلالة على أنهم أدخلوا في كلام الله
ما ليس منه، وافتروا على الله الكذب بأن نسبوا إليه سبحانه ما لم يقله وهم يعلمون
ذلك؛ فجوراً منهم، وجرأة على الله تعالى وتقدس. وقوله عزَّ وجلَّ: قُلْ مَنْ
أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ
تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا
لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي
خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [الأنعام: 91].
فهذا فيه دلالة على أنهم قد أَخفَوا
وكتموا ما عندهم من علم، وما أنزل الله عليهم من كتاب حسب أهوائهم. وقوله تعالى:
فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ
[المائدة: 13].
وفي هذه الآية دلالة واضحة على التحريف وعلى أنهم نسوا حظًّا،
أي: نصيباً وجزءاً مما أنزل عليهم. وهذا جزاء من الله عزَّ وجلَّ لهم بسبب كفرهم
وفسادهم وسابق تحريفهم ونقضهم للميثاق.
كما ورد في كتابهم ما يتفق مع ما ذكره
الله عز وجل عنهم، فمن ذلك ما ورد في (سفر إرميا) (8/ مما ينسب إلى الله عزَّ
وجلَّ القول: (كيف تقولون نحن حكماء، وشريعة الرب معنا، حقًّا إنه إلى الكذب
حوَّلها قلم الكتبة الكاذب، خَزِىَ الحكماء ارتاعو وأُخِذُوا ها قد رفضوا كلمة
الرب). فهذا النص من نبي من أنبيائهم الكبار على ما ذكروا وكان في عصر متأخر، قد
عاصر انحرافاتهم، وذلك قبيل الغزو البابلي وسبي اليهود، وهو نص على تركهم لدين الله
وتحريفهم لشريعته، وأن الكتبة الموكلون بالكتب المنزلة قد حوَّلوها إلى الكذب
والزور.