الاختلاف في عدد الأسفار:
مما هو معلوم أن بين يدي اليهود والنصارى ثلاث نسخ مشهورة من التوراة
والعهد القديم. ومن هذه النسخ تتفرع سائر الترجمات تقريباً، وهي:
1 - النسخة
العبرية:
وهي المقبولة والمعتبرة لدى اليهود وجمهور علماء البروتستانت النصارى،
وهي مأخوذة من الماسورية وما ترجم عنها.
2 - النسخة اليونانية:
وهي المعتبرة
لدى النصارى الكاثوليك والأرثوذكس، وهي التي تسمى السبعينية وما ترجم عنها.
3 -
النسخة السامرية:
وهي المعتبرة والمقبولة لدى اليهود السامريين.
وإذا عقدنا
مقارنة بين النسخ الثلاث من ناحية عدد الأسفار نجد أن النسخة العبرية تسعة وثلاثون
سفراً فقط.
أما النسخة اليونانية فهي ستة وأربعون سفراً، حيث تزيد سبعة أسفار عن
النسخة العبرية، ويعتبرها النصارى الكاثوليك والأرثوذكس مقدسة.
أما النسخة
السامريه فلا تضم إلا أسفار موسى الخمسة فقط، وقد يضمون إليها سفر يوشع فقط، وما
عداه فلا يعترفون به ولا يعدونه مقدساً.
فهذا الاختلاف الهائل بين النسخ لكتاب
واحد، والكل يزعم أنه موحى به من قبل الله عزَّ وجلَّ، ويدَّعي أن كتابه هو الكتاب
الحق وما عداه باطل، مع عدم القدرة على تقديم الدليل القاطع على صحة ما يدعيه، فذلك
دليل على التحريف من قبل المتقدمين، وأن المتأخرين استلموا ما وصل إليهم بدون نظر
في ثبوته أو عدم ثبوته، أو أن المتأخرين وصلتهم كتب عديدة ومتنوعة، فأدخلوا ما رأوا
أنه مناسب وذو دلالات مهمة، وحذفوا ما رأوا عدم تناسبه مع ما يعتقدون أو يرون، بدون
أن يكون لهم دليل صحيح على إضافة ما أضافوا من الأسفار، أو حذف ما حذفوا
منها.
الاختلاف والتباين بين النسخ في المعلومات
المدونة:
إذا قارنا بين النسخ الثلاث فيما اتفقت في ذكره من أخبار وقصص نجد
بينها تبايناً شديداً واختلافاً كبيراً، ومن الأمثلة على ذلك:
1 - أنَّ اليهود
ذكروا تاريخ مواليد بني آدم إلى نوح عليه السلام، ونصوا على عمر كل واحد منهم،
وكذلك عمره حين ولد له أول مولود، وبعقد مقارنة بين أعمار من ذكروا حين ولد لهم أول
مولود تتبين اختلافات واضحة بين النسخ الثلاث، فمن
ذلك:
الاسم
العبرانية
السامرية
اليونانية
آدم
130
130
230
شيث
105
105
205
آنوش
90
90
190
قينان
70
70
170
يارد
162
62
262
متوشالح
187
67
187
الزمان
من خلق آدم إلى الطوفان
1656
1307
2262
فهذه أمثلة تدل على تحريفهم
وتبديلهم لكلام الله - إن ثبت أن ما سبق هو من كلام الله المنزل- حيث لا يمكن الجمع
بين هذه الروايات المتناقضة.
الاختلاف بالمقارنة مع ما ذكروه في مواضع أخرى من
كتابهم:
1 - ذكروا في سفر التكوين أن سفينة نوح استقرت بعد الطوفان على جبال
أراراط بعد سبعة أشهر وسبعة عشر يوماً، ثم ذكروا أن رؤوس الجبال بعد الطوفان لم
تظهر إلا في أول الشهر العاشر. وهذا نص كلامهم في (سفر التكوين) (8/ 4): (واستقر
الفلك في الشهر السابع في اليوم السابع عشر من الشهر على جبال أراراط، وكانت المياه
تنقص نقصاً متوالياً إلى الشهر العاشر، وفي العاشر في أول الشهر ظهرت رؤوس
الجبال).
ففي هذا تناقض ظاهر، فكيف رست السفينة على الجبال بعد سبعة أشهر مع أن
رؤوس الجبال لم تظهر إلا في أول الشهر العاشر؟!
2 - ذكروا أن الله أمر نوحاً أن
يحمل في الفلك من كل جنس اثنين، فقالوا في (سفر التكوين) (6/ 19): (ومن كل حي من كل
ذي جسد اثنين من كلٍّ تدخل إلى الفلك؛ لاستبقائها معك، تكون ذكراً وأنثى من الطيور
كأجناسها، ومن البهائم كأجناسها، ومن كل دبابات الأرض كأجناسها).
وبعده مباشرة
ذكروا أن الله أمره أن يأخذ من كل جنس سبعة سبعة ذكراً وأنثى، ماعدا البهائم غير
الطاهرة فيأخذ اثنين. ففي (سفر التكوين) (7/ 2) قالوا: (من جميع البهائم الطاهرة
تأخذ معك سبعة سبعة ذكراً وأنثى، ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين ذكراً وأنثى،
ومن طيور السماء أيضاً سبعة سبعة ذكراً وأنثى؛ لاستبقاء نسل على وجه كل
الأرض).
3 - ذكروا في (سفر الخروج) (24/ 9) أن موسى وهارون وشيوخ إسرائيل رأوا
الله، فقالوا: (ثم صعد موسى وهارون وناداب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل. ورأوا
إله إسرائيل وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف، وكذات السماء في
النقاوة، ولكنه لم يمد يده إلى أشراف إسرائيل، فرأوا الله وأكلوا وشربوا). هكذا
زعموا في هذا الموضع وفي (سفر التثنية) (44/ 12) زعموا أن الله تعالى قال لموسى
عليه السلام ممتنًّّا عليه وعلى بني إسرائيل: (فكلَّمكم الرب من وسط النار وأنتم
سامعون صوت كلام، ولكن لم تروا صورة بل صوتاً ... فاحتفظوا جدًّا لأنفسكم، فإنكم لم
تروا صورة ما ... ). فهذا فيه أنهم لم يروا الله عزَّ وجلَّ، وهذا الحق، فهم لم
يروا الله عزَّ وجلَّ إلا أن فيه بيان تناقض كلامهم.
4 - قالوا في (سفر الخروج)
(33/ 11) في كلام الله لموسى: (ويكلم الرب موسى وجهاً لوجه، كما يكلم الرجل
صاحبه).
ففي هذا يزعمون أن الكلام يتم مقابلة مما يوحي بأن موسى عليه السلام يرى
وجه الله تعالى حين يكلمه.
وفي نص آخر بعد هذا يقولون: إن الله قال لموسى لما
طلب أن يراه (سفر الخروج) (33/ 20) (لا تقدر أن ترى وجهي؛ لأن الإنسان لا يراني
ويعيش). فهنا ذكروا أن الله تعالى نفى أن يستطيع موسى أو أي إنسان رؤية وجهه عزَّ
وجلَّ. وفي هذا تناقض واضح مع ما قبله، ودليل على التحريف. والحق أن موسى عليه
السلام لم يرَ الله عزَّ وجلَّ، كما ذكر ذلك ربنا جلَّ وعلا في القرآن الكريم حيث
قال: وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي
أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ
اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ
جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ
إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف: 143].
5 - أنهم ذكروا أن
الله تعالى قال لإبراهيم عليه السلام كما في (سفر التكوين) (22/ 2): (خذ ابنك وحيدك
الذي تحبه إسحاق، واذهب إلى أرض المريا وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال).
فلا
شك أن هذا خطأ؛ لأن إسحاق عليه السلام لم يكن وحيد إبراهيم عليه السلام، بل الذي
كان وحيده هو بكره إسماعيل عليه السلام، حيث نص اليهود في كتابهم على أن إسماعيل
عليه السلام ولد قبل إسحاق عليه السلام، حيث ختن وعمره ثلاث عشرة سنة، ولم يكن
إسحاق ولد بعد، وفي هذا قالوا في (سفر التكوين) (17/ 25): (وكان إسماعيل ابن ثلاث
عشرة سنة حين ختن في لحم غرلته، في ذلك اليوم عينه ختن إبراهيم وإسماعيل
ابنه)
ثم ذكروا بعد ذلك بشارة الملائكة بإسحاق حين ضافوا إبراهيم عليه السلام،
وهم في طريقهم إلى قوم لوط، والذي يبدو أن اليهود حسدوا أبا العرب إسماعيل عليه
السلام على هذه المنقبة العظيمة فغيَّروا وحرَّفوا لأجل
ذلك.
الزيادة والإضافات:
توجد في التوراة العديد من الجمل التي لا يمكن أن يصح نسبتها إلى موسى
عليه السلام، ومن ذلك:
1 - أن الكتاب من أوله إلى آخره مليء بقولهم: (وقال الرب
لموسى)، (وقال موسى للرب)، (وحدَّث موسى الشعب). ونحو ذلك من العبارات التي تدل على
الحكاية والرواية مما يقطع بأنها ليست من كلام موسى عليه السلام ولا من كلام الله
عزَّ وجلَّ.
2 - جاء في (سفر التكوين) (36/ 31): (وهؤلاء هم الملوك الذين ملكوا
في أرض أدوم قبل ما مَلَك ملكٌ لبني اسرائيل)، فهذه العبارة لا يمكن أيضا أن تكون
من كلام موسى عليه السلام؛ إذ إن ملوك بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام بزمن
طويل.
3 - جاء في (سفر التثنية) في آخره (34/ 5) حكاية وفاة موسى ودفنه فقالوا:
(فمات هناك موسى عبد الرب في أرض مؤاب حسب قول الرب ودفنه في الجواء في أرض مؤاب،
مقابل بيت فغور، ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم).
فهذا النص لا شك أنه أُدخل
في الكتاب وليس منه؛ إذ ليس من المعقول أن يكتب موسى عليه السلام موته ودفنه، وأن
إنساناً لا يعرف قبره إلى يوم كتابة ذلك الكلام.
وببعض ما ذكرنا يستدل اللبيب
والعاقل على أن اليهود لم يحافظوا على كلام الله وكتبه، بل ضيَّعوها وحرَّفوها،
وغيَّروا فيها وبدَّلوا، وأضافوا وحذفوا حسب أهوائهم وشهواتهم
وأغراضهم.
O دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد
العزيز الخلف – ص 96 - 104
يزعم اليهود أنهم أتباع موسى عليه السلام وأن كتابهم
هو التوراة.
ولكن التوراة التي يزعمون أنهم يأخذون بها ليست هي التي أُنزلت على
موسى عليه السلام.
فالتوراة - في الأصل- هي الكتاب الذي أنزله الله على موسى
عليه السلام، والتوراة كتاب عظيم اشتمل على النور والهداية، كما قال تعالى: إِنَّا
أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ
الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ
بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللهِ [المائدة: 44].
وقال تعالى: ثُمَّ
آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً
لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ
[الأنعام: 154].
وكثيراً ما يقرن الله عز وجل في القرآن بين التوراة والقرآن؛
وذلك لأنهما أفضل كتابين أنزلهما الله على خلقه.
هذه باختصار هي حقيقة التوراة
التي أنزلت على موسى عليه السلام. الفصل السابع: التوراة الموجودة اليوم
(1):
أما التوراة الموجودة اليوم فهي ما يطلق على الشريعة المكتوبة، كما يطلق
لفظ (التلمود) على الشريعة الشفهية.
والتوراة الموجودة اليوم تشتمل على خمسة
أسفار وهي:
1 - سفر التكوين: ويتحدث هذا السفر عن خلق العالم، وظهور الإنسان،
وطوفان نوح، وولادة إبراهيم إلى موت يوسف عليهما الصلاة والسلام.
2 - سفر
الخروج: ويتحدث عن حياة بني إسرائيل في مصر، منذ أيام يعقوب إلى خروجهم إلى أرض
كنعان مع موسى ويوشع بن نون عليهما السلام.
3 - سفر اللاويين: نسبة إلى لاوي بن
يعقوب، وفي هذا السفر حديث عن الطهارة، والنجاسة، وتقديم الذبائح، والنذر، وتعظيم
هارون وبنيه.
4 - سفر العدد: يحصي قبائل بني إسرائيل منذ يعقوب، وأفرادَهم،
ومواشيهم.
5 - سفر التثنية: وفيه أحكام، وعبادات، وسياسة، واجتماع، واقتصاد،
وثلاثة خطابات لموسى عليه السلام.
_________
(1) انظر ((مقارنة بين القرآن
والتوراة)) لمحمد الصوياني.
هذه هي التوراة الموجودة اليوم، وكل عاقل منصف- فضلاً عن المسلم المؤمن-
يعلم براءة التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام مما هو موجود في التوراة
اليوم، وذلك لأمور عديدة منها:
أ- ما حصل للتوراة من الضياع والنسخ والتحريف
والتدمير، فلقد حُرِّف فيها، وبُدِّل، وضاعت، وتعرضت لسبع تدميرات، منذ عهد سليمان
عليه السلام قبل الميلاد إلى أن حصل التدمير السابع عام (613) م مما يدل على
ضياعها، وانقطاع سندها.
ب- ما تشتمل عليه من عقائد باطلة لا تَمُتُّ إلى ما جاء
به المرسلون بأدنى صلة.
ج- اشتمالها على تنقص الرب جلَّ وعلا وتشبيهه
بالمخلوقين، ومن ذلك قولهم: إن الله تصارع مع يعقوب ليلة كاملة فصرعه يعقوب.
ومن
ذلك قولهم: إن الله ندم على خلق البشر لما رأى من معاصيهم، وأنه بكى حتى رمد؛
فعادته الملائكة.
تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً.
د- اشتمالها
على سب الأنبياء والطعن فيهم، وقد مر شيء من ذلك عند الحديث عن عقائد اليهود.
هـ
- اشتمالها على المغالطات، والمستحيلات، والمتناقضات.
وأن المعركة التي قامت بين
التوراة وحقائق العلم الحديث أثبتت ما في التوراة من الأخطاء العلمية. ومن تلك
الكتب التي تكلمت على هذا الموضوع كتابان هما: (أصل الإنسان) و (التوراة والإنجيل
والقرآن) لعالم فرنسي اسمه (موريس بوكاي) حيث أثبت وجود أخطاء علمية في التوراة
والإنجيل، وأثبت في الوقت نفسه عدم تعارض القرآن مع العلم الحديث وحقائقه، بل سجل
شهادات تَفَوُّقٍ سَبَقَ القرآنُ فيها العلمَ بألف وأربعمائة عام
(1).
Oرسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص86 - 88
_________
(1) انظر ((التوراة والإنجيل والقرآن والعلم)) (لموريس
بوكاي) ترجمة الشيخ حسن خالد.