معرفة الله
عز وجل أول واجب، فإذا ثبت وجوبها، وجب على المكلّف النظر والاستدلال المؤديان إلى
المعرفة، وهو أنْ يتصفَّح بعقلِه صنع الله عز وجل، فيعلم حينئذ: أنه لا بد للمبنى
من بنّاء، ولو أن إنساناً مرّ في برية، ثم عاد فرأى قصراً مبنيّاً، عَلِم أنه لا بد
من بانٍ بنى ذلك القصر.
فرؤية هذا المهاد الموضوع،
وهذا السقف المرفوع، والمياه الجارية، والنبات المعدّ للأغذية، والمصالح والمعادن
في الأرض، لموضع الاحتياج إلى كل شيء منها.
ثم النظر في البدن، ووضعه على قانون
الحكمة، ونمائه بفنون الأغذية، ثم وضع الأسنان لتقطع الطعام، والأضراس لتطحنه،
وبلّه بالريق، ليمكن البلع، واللسان لتقليب الممضوغ، وتسليط الحوادب للبلع، وإقامة
الكبد لتطبخ المطعوم، وتفرّق ما يتخلص منه من الدماء على كل عضو بحسب حاجته، ودفع
ما هو كالثفل، وإعداد شيء من خالص ذلك منياً، يكون منه ما تخلَّق هذا الشخص الذي لا
شيء مثله.
كل ذلك دليل
على حكمة الواضع، وقدرة الصانع، وهذا الخالق سبحانه لا مثل له في ذاته، ولا يشبه
شيئاً من مخلوقاته.