قال اللّه تعالى: ”إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النَّبيّ يا أيُّها الَّذين آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً” الأحزاب: 56 والأحاديث في فضلها والأمر بها أكثر من أن تُحصر، ولكن نشيرُ إلى أحرفٍ من ذلك تنبيهاً على ما سواها وتبرّكاً للكتاب بذكرها.
بابُ الصَّلاةِ عَلى رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم
1/291 روينا في صحيح مسلم عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما؛
أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "مَنْ صَلَّى عَليَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً
2/292 وروينا في صحيح مسلم أيضاً، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "أوْلى النَّاسِ بي يَوْمَ القِيامَةَ أَكْثَرُهُمْ عَليَّ صَلاةً" قال الترمذي: حديث حسن. قال الترمذي: وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف وعامر بن ربيعة وعمّار وأبي طلحة وأنس وأُبيّ بن كعب رضي اللّه عنهم.
2\293 روينا في كتاب الترمذي عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة " قال الترمذي: حديث حسن . قال الترمذي : وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف ، وعامر بن ربيعة ، وعمار ، وأبي طلحة ، وأنس ، وأبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ
4/294 وروينا في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، بالأسانيد الصحيحة، عن أوس بن أوس رضي اللّه عنه، قال: قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ أفْضَلِ أيَّامِكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فأكْثِرُا عَليَّ مِنَ الصَّلاةِ فِيهِ، فإنَّ صَلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَليَّ" فقالوا: يا رسول اللّه! وكيف تُعرض صلاتنا عليك وقد أرَمْتَ؟ ـ قال: يقول: بليت ـ قال: "إنَّ اللّه حَرَّمَ على الأرض أجْسادَ الأنْبِياءِ". قلت: أرَمْتَ بفتح الراء وإسكان الميم وفتح التاء المخففة. قال الخطابي: أصله أرممت، فحذفوا إحدى الميمين، وهي لغة لبعض العرب كما قالوا: ظلت أفعل كذا: أي ظللت، في نظائر لذلك. وقال غيره: إنما هو أرَمَّتْ بفتح الراء والميم المشددة وإسكان التاء: أي أرمَّت العظام، وقيل فيه أقوال أُخَر، واللّه أعلم
5/295 وروينا في سنن أبي داود، في آخر كتاب الحجّ، في باب زيارة القبور بالإِسناد الصحيح، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيداً وَصَلُّوا عليَّ، فإنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ".
6/296 وروينا فيه أيضاً بإسناد صحيح، عن أبي هريرة أيضاً أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "مَا مِنْ أحَدٍ يُسَلِّمُ عَليَّ إِلاَّ رَدَّ اللَّهُ عَليَّ رُوحي حتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ".
بابُ أمرِ مَنْ ذُكِرَ عندَه النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم بالصَّلاة عليه والتسليم، صلى اللّه عليه وسلم
1/297 روينا في كتاب الترمذي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "رَغِمَ أنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَليَّ" قال الترمذي: حديث حسن.
2/298 وروينا في كتاب ابن السني بإسناد جيد، عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلْيُصَلِّ عَليَّ، فإنَّهُ مَنْ صَلَّى عَليَّ مَرَّةً، صَلَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ عَشْراً".
3/299 وروينا فيه بإسناد ضعيف، عن جابر رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَليَّ فَقَدْ شَقِيَ".
4/300 وروينا في كتاب الترمذي عن عليّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "البَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَليَّ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
ورويناه في كتاب النسائي من رواية الحسين بن عليّ رضي اللّه عنهما، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم.
قال الإمام أبو عيسى الترمذي عند هذا الحديث: يروى عن بعض أهل العلم قال: إذا صلى الرجل على النبيّ صلى اللّه عليه وسلم مرّة في المجلس أجزأ عنه ما كان في ذلك المجلس.
بابُ صفةِ الصَّلاة على رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم
قد قدّمنا في كتاب أذكار الصلاة صفة الصلاة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وما يتعلَّقُ بها، وبيان أكملها وأقلها. وأمَّا ما قاله بعضُ أصحابنا وابن أبي زيد المالكي من استحباب زيادة على ذلك وهي: "وَارْحَمْ مُحَمَّداً وآلَ مُحَمَّدٍ" فهذا بدعة لا أصل لها. وقد بالغ الإِمام أبو بكر العربي المالكي في كتابه "شرح الترمذي" في إنكار ذلك وتخطئة ابن أبي زيد في ذلك وتجهيل فاعله، قال: لأن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم علَّمنا كيفيةَ الصلاة عليه صلى اللّه عليه وسلم، فالزيادة على ذلك استقصار لقوله، وستدراك عليه صلى اللّه عليه وسلم، وباللّه التوفيق.
فصل: إذا صلَّى على النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فليجمعْ بين الصلاة التسليم، ولا يقتصرْ على أحدهما، فلا يقل "صلّى اللّه عليه" فقط، ولا "عليه السلام" فقط.
فصل: يُستحبّ لقارىء الحديث وغيره ممّن في معناه إذا ذكر رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يرفَعَ صوته بالصلاة عليه والتسليم، ولا يبالغ في الرفع مبالغة فاحشة. وممّن نصّ على رفع الصوت: الإِمام الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي وآخرون، وقد نقلتُه إلى علوم الحديث. وقد نصَّ العلماء من أصحابنا وغيرهم أنه يُستحبّ أن يرفع صوته بالصلاة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في التلبية، واللّه أعلم.
بابُ استفتاحِ الدُّعاء بالحمدِ للّه تعالى والصَّلاة على النبيّ صلى اللّه عليه وسلم
1/301 روينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي، عن فَضَالة بن عُبيد رضي اللّه عنه، قال: سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجّدِ اللّه تعالى، ولم يصلّ على النبيّ صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعلى آله وسلم: "عَجِلَ هَذَا" ثم دعاه، فقال له أو لغيره: "إذَا صَلَّى أحَدُكُمْ فَلْيَبْدأ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ سُبْحانَهُ وَالثَّناءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي على النَّبِيّ صلى اللّه عليه وسلم، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شاءَ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
2/302 وروينا في كتاب الترمذي، عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال: إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تُصلِّيَ على نبيّك صلى اللّه عليه وسلم.
قلت: أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدعاء بالحمد للّه تعالى والثناء عليه، ثم الصلاة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكذلك يختم الدعاء بهما، والآثار في هذا الباب كثيرة معروفة
بابُ الصَّلاة على الأنبياءِ وآلهم تبعاً لهم صلى اللّه عليهم وسلم
أجمعوا على الصلاة على نبيّنا محمد صلى اللّه عليه وسلم، وكذلك أجمع من يُعتدّ به على جوازها واستحبابها على سائر الأنبياء والملائكة استقلالاً. وأما غيرُ الأنبياء فالجمهور على أنه لا يُصلّى عليهم ابتداء، فلا يقال: أبو بكر صلى اللّه عليه وسلم. واختُلف في هذا المنع، فقال بعض أصحابنا: هو حرام، وقال أكثرهم: مكروه كراهة تنزيه، وذهب كثير منهم إلى أنه خلاف الأوْلَى وليس مكروهاً، والصحيحُ الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه لأنه شعار أهل البدع، وقد نُهينا عن شعارهم. والمكروه هو ما ورد فيه نهيٌ مقصود. قال أصحابنا: والمعتمدُ في ذلك أن الصَّلاةَ صارتْ مخصوصةً في لسان السلف بالأنبياء صلوات اللّه وسلامه عليهم، كما أن قولنا: عزَّ وجلَّ، مخصوصٌ باللّه سبحانه وتعالى، فكما لا يُقال: محمد عزَّ وجلَّ ـ وإن كان عزيزاً جليلاً ـ لا يُقال: أبو بكر أو عليّ صلى اللّه عليه وسلم، وإن كان معناه صحيحاً.
واتفقوا على جواز جعل غير الأنبياء تبعاً لهم في الصلاة، فيُقال: اللَّهمّ صلّ على محمد، وعلى آل محمد، وأصحابه، وأزواجه، وذرِّيته، وأتباعه، للأحاديث الصحيحة في ذلك؛ وقد أُمرنا به في التشهد، ولم يزل السلفُ عليه خارج الصلاة أيضاً. وأما السلام فقال الشيخ أبو محمد الجوينيُّ من أصحابنا: هو في معنى الصلاة فلا يُستعمل في الغائب، فلا يفرد به غير الأنبياء، فلا يُقال: عليّ عليه السلام؛ وسواء في هذا الأحياء والأموات. وأما الحاضر فيُخاطب به فيقال: سلام عليك، أو: سلام عليكم، أو: السَّلام عليك، أو: عليكم؛ وهذا مجمع عليه، وسيأتي إيضاحه في أبوابه إن شاء اللّه تعالى.
فصل: يُستحبّ الترضّي والترحّم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والعبَّاد وسائر الأخيار، فيقال: رضي اللّه عنه، أو رحمه اللّه ونحو ذلك. وأما ما قاله بعض العلماء: إن قوله رضي اللّه عنه مخصوص بالصحابة، ويُقال في غيرهم: رحمه اللّه فقط، فليس كما قال، ولا يوافق عليه، بل الصحيح الذي عليه الجمهور استحبابه، ودلائله أكثر من أن تُحصر، فإن كان المذكور صحابياً ابن صحابي قال: قال ابن عمر رضي اللّه عنهما، وكذا ابن عباس، وابن الزبير، وابن جعفر، وأُسامة بن زيد ونحوهم، لتشمله وأباه جميعاً.
فصل: فإن قيل: إذا ذكر لقمان ومريم هل يُصلّي عليهما كالأنبياء، أم يترضّى كالصحابة والأولياء، أم يقول عليهما السلام؟. فالجواب أن الجماهير من العلماء على أنهما ليسا نبيين، وقد شذّ من قال: نبيّان، ولا التفات إليه، ولا تعريج عليه، وقد أوضحتُ ذلك في كتاب "تهذيب الأسماء واللغات" فإذا عُرف ذلك، فقد قال بعض العلماء كلاماً يُفهم منهأنه يقول: قال لقمان أو مريم صلَّى اللّه على الأنبياء وعليه أو وعليها وسلم، قال: لأنهما يرتفعان عن حال من يُقال: رضي اللّه عنه، لما في القرآن مما يرفعهما؛ والذي أراه أن هذا لا بأس به، وأن الأرجح أن يقال: رضي اللّه عنه، أو عنها، لأن هذا مرتبة غير الأنبياء ولم يثبتْ كونهما نبيّين. وقد نقل إمام الحرمين إجماع العلماء على أن مريم ليست نبيّة ـ ذكره في الإِرشاد ـ ولو قال: عليه السلام، أو: عليها، فالظاهر أنه لا بأس به، واللّه أعلم.