ebrehim مدير
عدد المساهمات : 2239 تاريخ التسجيل : 19/10/2011
| موضوع: أي الذنب أعظم عبد الرحمن عبد الخالق الجمعة 21 أكتوبر 2011, 10:27 | |
| أي الذنب أعظم عبد الرحمن عبد الخالق إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . إن خير الكلام كلام الله تعالى ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار. أما بعد : ففي الصحيح عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال : قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال : [ أن تجعل لله نداً وهو خلقك ] قلت : ثم أي ؟ قال : [ أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك ] قلت : ثم أي ؟ قال : [ أن تزاني حليلة جارك ] هذا الحديث سأل فيه ابن مسعود رضي الله تعالى عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن الذنب الأعظم أو الذنوب الكبيرة ، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الخير ليفعلوه ، وعن الشر ليجتنبوه أما معرفة كبائر الذنوب ، فإنه واجب على كل مسلم ، وذلك أن الله تبارك وتعالى قد جعل الرحمة والنجاة في الآخرة لمن ابتعد عن الكبائر وإن عمل الصغائر، فإن هذا قد يغفر إذا ترك الكبائر كما قال سبحانه وتعالى { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا } (النساء:31) . { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } يعني الذنوب العظيمة الكبيرة التي ينهاكم الله تبارك وتعالى عنها { نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } يعني ذنوبكم الصغيرة نكفرها إذا تركتم الكبائر . كذلك جاء قول الله تبارك وتعالى { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى(31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى } (النجم:31،32) . ففي هذه الآية بين الله تبارك وتعالى أن أهل الإيمان ، بل أهل الإحسان إذا اجتنبوا كبائر ما نهاهم الله تبارك وتعالى عنه ، فإن الله عز وجل يكفر عنهم اللمم ، وقد فسر اللمم بأنه أن يلم المؤمن بالمعصية ، ثم يدعها يعني أن يشارفها أو يقاربها ، أو اللمم الذنوب الصغيرة ، التي جمعها المسلم من هنا وهناك، فإنها تكفر، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة ، أن الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما ، إذا اجتنبت الكبائر ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما ، إذا اجتنبت الكبائر، وكل هذا فيه دليل على أن الكبائر لها حساب خاص والصغائر لها حساب خاص، فالصغائر تغتفر إذا اجتنبت الكبائر، وكذلك الصغائر تغتفر بالصلاة ، وبالصيام وبأعمال البر، وخاصة إذا كانت الأعمال بالبر هذه متواصلة من جمعة إلى جمعة ، ومن رمضان إلى رمضان ومن حج إلى حج ، ومن عمرة إلى عمرة ، ونحو ذلك . إذاً السؤال عن الكبائر لأن لها حساب خاص لابد لها من توبة وإقلاع ولا بد لها من نية خاصة ، ليتجاوزها المسلم لذلك كان الصحابة يسألون النبي عن الكبائر، وقد جاء في بعض الأحاديث أنها سبع لما قال النبي : [ اجتنبوا السبع الموبقات ] (أخرجه البخاري (5/393،10/232،12/181) ومسلم (89) وأبو داود (2874) والنسائي (3678))، لكن هذه السبع في الحقيقة لا تجمع كل الكبائر، بدليل هذا الحديث الذي نحن بصدده وهو حديث ابن مسعود فقد ذكر فيه أشياء ليست من تلك السبع ، وهو الزنا نعود إلى الحديث يقول ابن مسعود : سألت النبي أي الذنب أعظم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : [ أن تجعل لله نداً وهو خلقك ] . الند : الشبيه والنظير والمثيل والعدل بمعنى العادل ، ولا شك أنه لم يوجد في البشر من قال إن هناك لله تبارك وتعالى شبيه في كل الجهات ، وفي الأوصاف وفي كل الوجوه لله تبارك وتعالى . يعني لم يأت من قال إن هناك إلهين اثنين متساويين في كل الوجوه ما جاء هذا إلا عن بعض المجوس الذين اعتقدوا أن هناك إلهاً خالقاً للخير، وإلهاً آخر متكافئاً معه في القوة خالق للشر، وأن بينهما صراعاً وتكافؤاً في القوة غير هؤلاء ما عُلِمَ من البشر قال إن هناك إلهين اثنين متساويين من كل وجه وإنما الذي حصل من الشرك في البشر أنهم جعلوا بعض المخلوقات ، وبعض معبوداتهم تشابه الله من بعض الوجوه أو من بعض الحقوق أو في بعض الواجبات ، وهذا هو عينه اتخاذ الند كما قال سبحانه وتعالى : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(21)الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } (البقرة:21،22). فبين سبحانه أولاً أنه دعا الناس جميعاً إلى عبادته وحده لا شريك له ، ثم بين لهم أنه هو الخالق ، فهو الذي خلقهم والذين من قبلهم ، وهو الذي أنزل الماء من السماء وأنبت هذه الجنات ورزق عباده بما رزق سبحانه وتعالى ، وبالتالي فإنه لا يشابهه أحد مما يُعْبد من دون الله فأي شخص اتخذ مع الله إلهاً لا شك أنه لا يزعم لإلهه هذا أنه خالق أو رازق أنه هو الذي خلقه أو رزقه أو خلق أباه أو خلق أمه لم يوجد هذا في الحقيقة في البشر من يقول إن هناك خالقاً مع الله تبارك وتعالى ، لذلك قال: { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا } .
كيف يجعل الإنسان لله نداً؟ ابن عباس رضي الله تعالى عنه فسر أن الوجه من وجوه اتخاذ الأنداد هو أن تنسب الفضل إلى غير الله ، وهذه نسبة يعني شيئاً قليلاً جداً ، يعني هذا وجه خفي جداً من وجوه الندية أن تقول : لولا البط لسرق اللصوص بيتنا البارحة . الشاهد من هذا أن معنى أن يتخذ بعض البشر لله نداً إنما هو في بعض الوجوه، وليس بالضرورة في كل الوجوه من ذلك مثلاً، حق الله تبارك وتعالى على عباده أن يعبدوه وحده لا شريك له هذا حق الله على العباد كما جاء في حديث معاذ بن جبل قال له النبي صلى الله عليه وسلم : [ يا معاذ هل تدري ما حق الله على العباد؟ ] قال : قلت الله ورسوله أعلم ، قال : [ حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ] . فهذا حق الله تبارك وتعالى أن يعبد وحده لا شريك له. والعبادة اسم لكل ما يحبه الله من الأعمال التي اختص بها نفسه سبحانه وتعالى ، أعني أمر البشر بأن يخصه وحده بها كالسجود والركوع والصلاة والدعاء والذبح والنذر والخشية والإنابة وكل هذا عليه أو له من الكتاب والسنة أنه لا يجوز أن تصرف فرع من فروع هذه العبادة إلا لله تبارك وتعالى . المحبة الكاملة ، الخشية الكاملة ، الإنابة الكاملة له ، التقوى أن يتقى وحده سبحانه وتعالى ، كذلك أن يسجد له وحده ، أن يركع له وحده ، سبحانه وتعالى ، ألا يطاف إلا ببيته ، ألا يذبح إلا له ، ألا ينذر إلا له ، كل أنواع العبادة والتقرب التي شرعها الله عز وجل ليعظم البشر ربهم بها ، هذه لا يجوز أن يصرفها إنسان لغير الله تبارك وتعالى ، ومن صرف شيئاً من ذلك لغير الله فقد اتخذ نداً من دون الله ، أياً كان هذا المصروف إليه حجر، شجر، ملك ، وثن أياً كان ، وعلى أي صلة كان ، فكل من صرف شيئاً من العبادة التي اختص الله عز وجل بها نفسه بمعنى أنه أمر أن يعظم بها وحده سبحانه وتعالى ، ولا يعظم بها غيره ، فهو مشرك بالله تبارك وتعالى ، والحال أن هذا الذي يعبد من دون الله ، لا يمكن أن يكون كالله سبحانه وتعالى في الخلق ، كذلك قال النبي هنا لعبدالله بن مسعود [ أن تجعل لله نداً وهو خلقك ] يعني والحال أنه خلقك ، وليس هناك من إله خلق ، ليس هناك من إله يعبد من دون الله تبارك وتعالى زعم عَبَدتُه أنه خلق ، فالذين عبدوا الشمس مثلاً ما قالوا إنها تخلق ، أو الذين عبدوا القمر، أو الذين عبدوا الملائكة ، أو الذين عبدوا غير الله أياً كان هذا الغير ما قالوا إنه خلق مع الله تبارك وتعالى ، إلا ما كان من النصارى قبحهم الله الذين قالوا إن عيسى إله كامل ، وإنسان كامل أي أنه خالق ورازق ومصور وبارئ ، وفيه كل صفات الأب في زعمهم تعالى الله عز وجل عما يقولون علواً كبيراً ، والله تبارك وتعالى هو الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد . فالشاهد أن من عبد غير الله تبارك وتعالى بأي صورة من صور العبادة ، فقد اتخذ نداً له مع الله تبارك وتعالى ، هذه صورة من اتخاذ الأنداد مع الله . صورة ثانية الندية في التشريع ، التشريع حق لله ، ونعني بالتشريع الأمر والنهي وذلك أن الله تبارك وتعالى هو خالق العباد ، وهو الذي يأمرهم ، وينهاهم سبحانه وتعالى هو الذي يحل لهم ويحرم عليهم هو الذي يحق له ، وهذا من حقه أن يقول هذا افعلوه ، وهذا اتركوه ، وليس لأحد غير الله تبارك وتعالى ، أن يأمر وينهى قط ، إلا بما يأمر به الله تبارك وتعالى وينهى عنه الله عز وجل . ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ] (أخرجه أحمد (4/432،5/66) ولذلك كل من أطاع مخلوقاً فيما يعصي به الله تبارك وتعالى معتقداً أن هذا المخلوق له حق الأمر والنهي فهو مشرك بالله تبارك وتعالى خارج من دين الله عز وجل بدليل قول الله عز وجل : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا } (النساء:60). فسمَّى الله تبارك وتعالى من يتحاكموا إلى غيره كأنما تحاكموا إلى الطاغوت وإلى غير نبيه صلوات الله وسلامه عليه، ثم قال في ختام هذه الآيات ، وهذه الآيات لها سبب في النزول قال في ختامها : { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } (النساء:65). ولا شك أن الآيات الكثيرة والأدلة الواضحة تؤكد أن حق الأمر والنهي والتشريع إنما هو لله تبارك وتعالى. كما قال جل وعلا: { وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } (المائدة:49،50) إذاً كل من اتخذ مطاعاً وسيداً يطيعه فيما يعصي به الله تبارك وتعالى أي يأمره بما هو معصية لله فيطيعه ، وينهاه عما هو طاعة لله فيطيعه ، لا شك أنه قد اتخذ هذا المتبوع والسيد والآمر، والناهي ، اتخذه إلهاً من دون الله تارك وتعالى ، ومعنى هذا أنه اتخذ نداً من دون الله عز وجل ، وهذا ولا شك من أعظم الذنوب ، بل هذا من الذنوب التي لا تكفر مهما كان للإنسان من حسنات كما قال جل وعلا : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } (النساء:48). هذه أوجه ممن اتخذ مع الله ندا ً، ومن هؤلاء من يزعم لأحد غير الله أن له صفة تشبه صفة الله تبارك وتعالى ، أو اسم يشبه اسم الله تبارك وتعالى ، فالله تبارك وتعالى متفرد بأسمائه وصفاته جل وعلا، فمن اعتقد أن هناك من يتصف بصفة من صفات الله يعلم كعلم الله ، أو يسمع كسمع الله أو يبصر كبصر الله ، أو له شيء من حقوق الله التي ليست لأحد إلا هو كأن يملك الشفاعة فلا يملك الشفاعة إلا الله تبارك وتعالى كما قال جل وعلا : { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا } (الزمر:44). فلا للشفاعة مع الله سبحانه وتعالى ، ولا يشفع أحد عند الله إلا بإذن الله للشافع ، وبإذن الله للمشفوع فيه ، فالله وحده هو الذي يحل ذلك كله ، كذلك لا يُدخل الجنة إلا الله ، ولا يُخرج من النار إلا الله ، هذا حقه سبحانه وتعالى ، فمن زعم أن لأحد قدرة ، أو جاهاً عند الله أن يدخل من شاء الجنة ، أو يخرج من شاء النار فهو كافر بالله تبارك وتعالى متخذ له نداً يعبده من دون الله عز وجل ، بل لا يملك أحد لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا بمشية الله عز وجل لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ، لا يملك ملك لنفسه خير ولا ضر، إلا بإذن الله ، ولا نبي مرسل مهما كان هذا النبي يملك لنفسه فضلاً ، عن غيره خيراً أو ضراً ، إلا بإذن الله تبارك وتعالى ، فالله عز وجل هو الذي بيده الأمر كله ، وله الملك كله ، كما قال جل وعلا : { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (1)الملك. فالملك كله لله عز وجل ملك الآخرة ، وملك الدنيا كله بيد الله تبارك وتعالى ولا يعطى منه أحداً إلا بمشيئته سبحانه وتعالى ، فالشاهد من هذا أن من اتخذ مع الله تبارك وتعالى ، أي اعتقد أن حقاً خاصاً لله عز وجل بأن هناك من البشر أو من الملائكة من له مثل هذا الحق فهذا لا شك أنه قد اتخذ لله نداً ، ولا شك أن للشر صوراً متعددة لم أحصها في هذه الخطبة القصيرة، ولكني حسبي التنبيه عليها والدلالة لها تنبيهاً وشرحاً وتعريفاً بهذا الحديث العظيم حديث عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أي الذنب أعظم قال : [ أن تجعل لله نداً وهو خلقك ] قلت : ثم أي قال له النبي صلى الله عليه وسلم : [ أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك ] . فالقتل لا شك أنه من أعظم الجرائم بعد الشرك بالله تبارك وتعالى ، وقد عظم الله تبارك وتعالى أمره كما قال جل وعلا : { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } (المائدة:32). فقتل نفس واحدة كقتل كل الأنفس إثمها عند الله تبارك وتعالى ، ولا شك أن هذا أمر عظيم جداً ، العدوان على النفس المعصومة يزداد بأمور : من ذلك مثلاً ، ما نص النبي صلى الله عليه وسلم عليه في الحديث نص على صورة من صور القتل ، هي من أفظعها وأشنعها أن يقتل الأب ابنه ، ويقتله لا للذنب وإنما مخافة أن يشركه في الرزق ، وفحش هذا الأمر وفجوره وكونه بالغ ما بلغ من الظلم بأمور :- أولاً : أن هذا الابن لا يستطيع الدفاع عن نفسه ، طفل لا يقدر أن يدافع عن نفسه . ثانياً : أنه في مكان الرحمة والمفروض أن الأب يكون في مقام الرحمة ، فإذا كان في مقام القسوة وغلظ القلب يكون هذا أعظم وأكبر . الأمر الثالث : أنه لا ذنب لهذا المقتول ، كما قال سبحانه وتعالى : { وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ( بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } (التكوير:8،9) لا ذنب له وهذه أيضاً جريمة ثالثة تجعل هذه الجريمة جريمة مركبة كذلك لأنه لا ذنب له . الأمر الرابع : أنه خشي من أمر لا دخل له فيه ، وهو الرزق علماً أن هذا الذي يقتل ابنه حتى لا يطعم معه هو نفسه المرزوق عند الله تبارك وتعالى ، أعني أن الله هو يرزقه ، كما قال تبارك وتعالى : { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا } (الإسراء:31). يعني أن هذا الرزق ، إنما هو للذرية كما هو للآباء ، وفي الآية الأخرى : { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ } (الأنعام:151). فلا شك أن الله تبارك وتعالى هو رازق الآباء والذرية ، فهذا كله بيد الله تبارك وتعالى ، ثم أن تعتدي على هذا المخلوق وهذه النفس المصونة فتقتلها خشية رزق الله سبحانه وتعالى ، هو الذي يفعله وهو الذي يقدره ، ولا شك أنها جريمة مركبة هذا الذي يجعلها عظيمة ، ولا شك أن قتل النفس المعصومة ، جريمة كما ذكرنا ولكنه يتعاظم بحسب هذه النفس فهذه أعظمها أن يقتل الأب ابنه في هذا ، ثم كذلك من أعظمها قتل النفس الشريفة المحترمة كقتل الأنبياء وقتل الذين يأمرون بالقسط من الناس ، وقد لعن الله تبارك وتعالى اليهود وشردهم في الأرض ، وأوقع فيهم ما أوقع بقتلهم الأنبياء ، كما قال تبارك وتعالى : { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا(156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } (النساء:156،157). أي تبجحهم بهذا . وقال تبارك وتعالى : { وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } (آل عمران:121) وقال : { وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ } (البقرة:61) فقتل الأنبياء لا شك أنه من أعظم الذنوب ، وأضاف الله تبارك وتعالى إلى هذا الذين يقتلون من يأمر بالقسط من الناس كما قال تبارك وتعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } (آل عمران:21). فالعدوان على النفس الشريفة العظيمة الآمرة بالحق كالأنبياء ومن على شاكلة الأنبياء من الدعاة إلى الهدى من أعظم الذنوب ومن أكبرها عند الله تبارك وتعالى ، ثم يلي ذلك قتل المؤمن أي مؤمن حتى لو كان مؤمناً في نفسه ليس من الدعاة إلى الله تبارك وتعالى ، وقد أوجب الله الخلود في النار لقاتل المؤمن كما قال سبحانه وتعالى : { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } (النساء:93).هذا في قتل المؤمن أي مؤمن كان ، وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فبمجرد ما يشهد الإنسان أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقد عصم الله دمه . أما النفوس التي أباح الله قتلها ، أو أوجب قتلها فهي ليست معصومة الدم ، من هذه النفوس : الكافر المحارب للإسلام ، فهذا قد أوجب الله عز وجل على المسلمين قتاله كما قال صلى الله عليه وسلم : [ أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ] (حديث متواتر ورد عن جمع من الصحابة انظر تخريجه في الصحيحة (407-410). فالكافر المعلن لكفره المحارب للإسلام نفسه غير معصومة ، كذلك المرتد المسلم الذي ارتد عن دينه وكفر كفراً بيناً لا عصمة لدمه كما قال صلى الله عليه وسلم : [ لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ] (أخرجه أحمد (1/382،428،444،465) والبخاري (12/201 الفتح) ومسلم (1676) وأبو داود (4352) والنسائي (4721) وابن ماجة (2534) عن ابن مسعود). إذا كان ثيباً أي سبق له زواج وزنا ، فهذا يرجم يستحل دمه ، ويرجم حداً من حدود الله [ والنفس بالنفس ] يعني من قتل نفساً فقد أهدر دمه وأهدر دمه قصاصاً ثم قال النبي [ والتارك لدينه المفارق للجماعة ] فالتارك لدينه المفارق للجماعة أباح الله تبارك وتعالى دمه بتركه لدين كما قال صلى الله عليه وسلم : [ من بدل دينه فاقتلوه ] (أخرجه أحمد (1/282) والبخاري (6/149،12/267 الفتح) وأبو داود (4351) والنسائي (4059،4062،4064،4065) والترمذي (1458) وابن ماجة (2535) عن ابن عباس). فالشاهد أن الله تبارك وتعالى لم يبح الدم إلا بأسباب ، منها : كفر أو فساد في الأرض كما قال جل وعلا: { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ } أي من أجل أن الأخ يقتل أخاه إذا قدر عليه ، وهذه الآية من سورة المائدة بعد أن قص الله عز وجل قصة ابني آدم ، وكيف أن أحدهما قتل أخاه في غير ما بأس ظلماً وعدواناً فقال الله عز وجل : { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ } (المائدة:32) قتل نفساً بغير نفس، أي بغير قصاص { أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ } أي بغير إفساد في الأرض ، فالمفسد في الأرض يقتل لذلك قال جل وعلا : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا } (المائدة:33). فالمفسد في الأرض كالقائم على إمام الحق ، والقاطع للطريق ، ونحو ذلك من الإفساد في الأرض هذا يقتل كما قال تبارك وتعالى : { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (المائدة:33). الشاهد أن النفس معصومة الدم وأرجو أن أكون بهذا البيان الموجز قد بينت من هو الذي تعصم دمه ، هو المؤمن الذي لم يرتكب ما يحل هدر دمه ، وكذلك النفس الكافرة المستأمنة ، كل كافر مستأمن معصوم الدم لا يجوز أن يعتدى عليه . نعود إلى الحديث.. قول النبي صلوات الله وسلامه عليه : [ وأن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك ]. كان هذا من أعظم الذنوب لأنه قتل ، فالنفس البشرية الأساس أنها من روح الله تبارك وتعالى أي أنها نفخة من المَلَك بأمر الله تبارك وتعالى لذلك ينبغي أن تصان حتى وهي في البطن قبل أن تولد لها صيانة ينبغي أن تُصان وألا يعتدى عليها لأن العدوان عليها من أعظم الذنوب ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ أن تزاني حليلة جارك ] . وقول النبي: [ تزاني ] يدل على المفاعلة وأنه أمر مستمر فأصبح الزنا من أعظم الذنوب. أولاً : يعني فحشه هنا أولاً الزنا في ذاته فحش ، لكنه قد يزداد إثمه وفحشه بأمور تضاف إلى ذلك ، منها المعاودة والاستمرار، وهذا حاصل هنا [ أن تزاني ] ثم أن يكون على ذي حرمة ، فالعدوان على الأم مثلاً أو الأخت ليس كالعدوان على الأجنبية وهذا أمر ثان . كذلك زوجة الجار ، الجار له حق ، فالعدوان عليه أمر كبير، فكذلك يعظم الزنا بالعدوان على نساء المجاهدين . فالشاهد أن الزنا فحش في أساسه وفي ذاته ولو كان مرة واحدة ، ولكنه لا شك أنه يعظم بأمور: فهو من الكبير أعظم من الصغير أي الشيخ الزاني أكبر إثماً عند الله تبارك وتعالى من الشاب الزاني كما جاء في الحديث : [ ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر ] (أخرجه مسلم (107) والنسائي (2575) عن أبي هريرة). وذلك أن الشيخ المفروض فيه أن يعود إلى الله تبارك وتعالى ، وأن يتوب إليه فهو كبير لا تدفعه الحاجة ولا الغريزة إلى أن يفعل مثل هذا الفعل الفاحش ، أما الشاب ، فإنما قد تغلبه شهوته فعلى كل حال كلاهما ذنب لكن ذنب هذا أخف من هذا. الشاهد من كل ذلك أن الذنوب يا أخوة قد تكبر بما يحتف بها من أمور فليس كل الزنا واحداً ، وليس كل القتل واحداً ، وكذلك ليس كل الشرك واحداً وإن كان كل الشرك كله مخلد في النار لكن بعضه أشر من بعض ، بعضه أضل من بعض ، والنار دركات كما أن الجنة درجات ، فالله تبارك وتعالى يجعل الكفار كلهم في نار جهنم ، ولكن المنافقين أسفل ، وكذلك الكفار جميعاً في جهنم لكن الصادين عن سبيل الله لهم إثم مع الإثم كما قال تبارك وتعالى : { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ } (النحل:88). فهذا عذابه يضاعف فلا شك كل شيء بحسابه فالشرك والكفر درجات ، وكذلك النفاق درجات ، هناك نفاق اعتقادي ، وهناك نفاق عملي ، وكما أن أهل الإيمان يتفاضلون في الجنة بأعمالهم ، فكذلك أهل الكفران ، وأهل الشقاق يتفاضلون في النار بإثمهم وفجورهم . أسأل الله تبارك وتعالى أن يجنبنا الخطأ والزلل في القول والعلم ، وأن يعصمنا من هذه الكبائر العظيمة وأن يردنا إليه رداً جميلاً منقول
| |
|