جماعة من القدماء
1 ـ سارة زوج
إبراهيم الخليل عليه السلام:
لما خلص إبراهيم عليه
السلام من النار آمن به جماعة لما رأوا من تلك الآية، منهم: سارة وهي ابنة عمّه،
فتزوجها، وعمّه اسمه هاران، وهو الذي بنى مدينة حران، وإليه تنسب.
وقال السدّي:
كانت سارة بنت ملك، وقد طعنت على قومها في دينهم، فتزوجها إبراهيم على أن لا
يغيّرها، وخرج بها من حران حتى قدم مصر، وبها فرعون من الفراعنة الأول، وكانت من
أحسن الناس، فوصفت لفرعون فبعث فطلبها.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلّم «دخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك، أو جبَّارٌ من الجبابرة
فقيلَ: دخلَ إبراهيم الليلة بامرأةٍ من أحسن الناس، قال: فأرسل إليه الملك من هذه
معك؟ قال: أختي، قال: أرسل بها، قال: فأرسل بها إليه، وقال لها: لا تُكَذِّبي
حديثي، فإني قد أخبرته بأنك أختي، والله ليس على الأرض مؤمن غيري وغيرُك.
قال:
فلما دخلت إليه، قام إليها، قال: فأقبلت تتوضَّأ وتُصلي، وتقول: اللهم إن كنت تعلم
أني آمنت بك وبرسولك، وأحصنت فرجي، إلا على زوجي، فلا تُسلِّط عليَّ الكافر. قال:
فغُطَّ حتى رَكَض برجله.
قال أبو الزناد، قال: أبو سلمة، عن أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ أنها
قالت: اللَّهم إنْ يَمُتْ يقل هي قَتَلَتْهُ، قال: فأُرسِلَ، ثم قامَ إليها فقامت،
تتوضأ وتُصلي وتقول: اللهم إن كنت تعلم أني آمنتُ بك وبرسولك، وأحصنت فرجي، إلا على
زوجي، فلا تُسَلِّطْ عليّ هذا الكافر، قال: فغُط حتى ركض الأرض برجله، فقال في
الثالثة أو الرابعة: ما أرسلتم إليّ إلا شيطاناً، أرجعوها إلى إبراهيم، وأعطوها
هاجر، فَرَجَعت إلى إبراهيم، فقالت لإبراهيم: أَشعَرتَ أَنَّ اللَّه ـــ عز وجل ـــ
ردّ كيد الكافر، وأخْدَمَ وَليدةً».
قال المصنف ـــ رحمه الله ـــ: توفّيت سارة
بالشام وهي بنت مائة وسبع وعشرين سنة.
2 ـ آسية بنت
مزاحم:
آمنت بموسى عليه السلام ـــ فعلم فرعون فعذبها، قال أبو هريرة ـــ
رضي الله عنه: «ضرب فرعون أوتاداً في يديها ورجليها، فكانوا إذا تفرقوا عنها،
أظلتها الملائكة، فقالت: {رَبّ ابْنِ لِى عِندَكَ بَيْتاً فِى الْجَنَّةِ}
(التحريم: 11)، فكشف الله لها عن بيتها في الجنة حتى رأته قبل موتها».
عن ابن
عباس ـــ رضي الله عنهما ـــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «أفضلُ نساء
أهل الجنة خديجةُ بنتُ خُويلدٍ، وفاطمةُ بنتُ محمد، ومريمُ بنتُ عِمْرانَ، وآسيةُ
بنت مُزَاحمٍ».
3 ـ ماشطة
بنت فرعون:
عن ابن عباس ـــ رضي الله عنهما ـــ «أن رسول الله صلى الله عليه
وسلّملما أُسِري به، مرت به رائحةٌ طيبةٌ، فقال: يا جبريل، ما هذه الرائحة؟ قال:
(هذه رائحة) ماشطة ابنة فرعون وأولادها، كانت تمشطها، فوقع المشط من يدها، فقالت:
بسم الله. فقالت ابنة فرعون: أبي؟، قالت: لا، بل ربي ورب أبيك. قالت: أُخبر بذلك
أبي؟ قالت: نعم، فأخبرته، فدعا بها وبولدها.
فقالت: إن لي إليك حاجة، قال: وما
هي؟، قالت: أن تجمع عظامي، وعظام ولدي، فتدفنها جميعاً.
قال: ذلك لك علينا من الحق، قال: فألقي ولدها واحداً واحداً حتى إذا كان
آخر ولدها، وكان صبياً مرضعاً قال: اصبري يا أماه، إنك على الحق، ثم ألقيت مع
ولدها».
4 ـ مريم بنت
عمران:
كانت أمها حنّة قد رأت طائراً يزق فرخة، فحنّت إلى ولد، فحملت مريم،
فجعلت حملها محرراً للكنيسة، فلما وضعت مريم كفلها زكريا، فكان يرى عندها فواكه
الصيف في الشتاء، وفواكه الشتاء في الصيف، فيقول: أنَّى لك هذا؟ فتقول: هو من عند
الله، فلما بلغت خرجت تستعذب الماء من مغارة، فإذا جبريل ـــ عليه السلام ـــ فنفخ
في جيبها نفخة، فحملت بعيسى عليه السلام.
قال ابن عباس: حين حملت وضعت صبيحة
ثمانية أشهر، وقال الحسن: تسع ساعات، وعاشت بعد رفع عيسى ست سنين، وكان عمرها نيفاً
وخمسين سنة.
5 ـ زرقاء
اليمامة:
وبها سمي بلدها باليمامة، وهي من بنات لقمان بن عاد، وكانت أبصر الخلق،
وقصدهم جيش حسَّان بن تبّع، فبقي بينه وبينهم مسيرة ثلاثة أيام، فأبصرتهم، وقد حمل
كل رجل منهم شجرة، فقالت: أقسم بالله، لقد أرى رجلاً ينهش كتفاً، أو يخصف نعلاً،
فكذبوها، فلم يستعدوا حتى صبحهم حسان فاجتاحهم، فأخذها، فشق عينيها، فإذا فيها عروق
من الإثمد، وبنظر هذه المرأة يضرب المثل.
وكانت قد نظرت إلى سرب من حمام طائر
فيه ست وستون حمامة، وعندها حمامة واحدة، فقالت: ليت الحمام إلى حمامتنا، ونصفه قد
به تم الحمام مائة.
فقال النابغة، يخاطب النعمان:
فَاحْكُمْ كَحُكْمِ فَتَاةِ
الْحَيِّ إذ نظرتْ
إلى حَمَامٍ سراعٍ واردِ الثَّمدِ
قالت: ألا ليتما هذا
الحمامَ، لنا
إلى حمامتِنا، أو نصفَه فَقَدِ
وأراد بقوله فاحكم: أي كنْ
حكيماً.
فائدة: من
بني إسرائيل
عن وهب بن منبِّه قال: أُتي بامرأة من بني إسرائيل، يُقال لها سارة،
وسبع بنين لها إلى ملك كان يفتن الناس على أكل لحم الخنزير، فدعا أكبرهم فقرّب إليه
لحم خنزير فقال: كل، قال: ما كنت لآكل شيئاً حرّمه الله عز وجل عليّ أبداً. فأمر
به، فقطع يديه ورجليه، وقطعه عضواً عضواً، حتى قتله.
ثم دعا بالذي يليه فقال:
كل، فقال: ما كنت لآكل شيئاً حرّمه الله تعالى عليّ، فأمر بقدر من نحاس فَمُلِئَتْ
زيتاً، ثم أُغليت، حتى إذا غلت ألقاه فيها.
ثم دعا بالذي يليه فقال: كل، قال:
أنت أذلّ وأهون على الله من أن آكل شيئاً حرّمه الله عليّ. فضحك الملك، وقال:
أتدرون ما أراد بسبه إياي؟ أراد أن يغضبني، فأعجل في قتله، وليخطئنه ذلك، وأمر به
فَحزَّ جلد عنقه، ثم أمر به أن يسلخوا جلد رأسه ووجهه، فسلخوه سلخاً.
فلم يزل
يقتل كل واحد منهم بلون غير قتل أخيه حتى بقي أصغرهم، فالتفت إليه وإلى أمه، فقال
لها: لقد أريت لك مما أريت، فانطلقي بابنك هذا، فاخلي به وأريديه على أن يأكل لقمة
واحدة فيعش لك.
قالت: نعم، فخلت به، فقالت: أي بني إنّه كان لي على كل رجل من
أخوتك حق، ولي عليك حقان، وذلك أني أرضعتُ كل رجل منهم حولين، فمات أبوك، وأنت حمل،
فنفست بك، فأرضعتك لضعفك ولرحمتي لك أربعة أحوال، فأسألك بالله، وحقي عليك لما
صبرت، ولم تأكل شيئاً مما حرّم الله عليك، ولا تلقينَّ إخوتك يوم القيامة ولستَ
معهم.
قال: الحمد لله الذي أسمعني هذا منك، فإنما كنتُ أخاف أن تريديني على أن
آكل مما حرّم الله عليّ. ثم جاءت به إلى الملك فقالت: ها هو ذا قد أردته، وعرضت
عليه، فأمره الملك أن يأكل، فقال: ما كنت لآكل شيئاً حرّمه الله تعالى، فقتله،
وألحقه بإخوته، وقال لأمهم: إني أجدني أرثي لك مما رأيت اليوم، ويحكِ فكلي لقمة، ثم
أصنع بك ما شئت، وأعطيك ما أحببت تعيشين به. قال: أجمع بين ثكل ولدي ومعصية الله
فلو حييت بعدهم ما أردت ذلك، وما كنت لآكل شيئاً حرّمه الله عليّ أبداً. فقتلها،
وألحقها ببنيها.
ذكر فائدة
أخرى من بني إسرائيل
عن عبد العزيز بن أبي رواد
قال: بلغني أن عابداً كان في زمن بني إسرائيل يتعبَّد، فأُتيَ في منامه، فقيل: إن
فلانة زوجتك في الجنة، قال: فلانة وما عملها؟ فجاءها، فقال لها: إني قد أحببت أن
أضيفك ثلاثة أيام ولياليهن، فقالت: بالرحب والسعة.
قال: فكان عندها ثلاثاً، يبيت
قائماً، وتبيت نائمة، ويصبح صائماً، وتصبح مفطرة، فلما مضت قال: ما لك عمل غير
هذا؟. ما أوثق عملك عندك؟ فقالت: لا والله يا أخي ما هو إلا ما رأيت، إلا خصلة
واحدة. قال: وما تلك الخصلة؟ قالت: إن كنتُ في شدّة لم أتمنَّ أني في رخاء، وإن
كنتُ جائعة لم أتمنَّ أني شبعانة، وإن كنت في شمس لم أتمنَّ أن أكون في فيء، وإن
كنتُ في فيء لم أتمنَّ أن أكون في شمس، وإن كنت في مرض لم أتمنَّ أني في صحة. قال:
وأي خصلة هذه والله يعجز عنها العباد؟.
6 ـ بنت أوس
بن حارثة الطائي:
قال الحارث بن عوف لخارجة بن سنان: أتراني أخطب إلى أحد فيردني؟ فقال
لغلامه: ارحل بنا، فركبا حتى انتهيا إلى أوس، فلما رأى الحارث بن عوف قال: مرحباً
بك يا حارث، وما جاء بك؟ قال: جئتك خاطباً، قال: لست هناك، فانصرف، ولم يكلّمه،
ودخل أوس على امرأته مغضباً، وكانت من بني عبس، فقالت: من رجل وقف عليك فلم يطل؟
قال: ذاك سيد العرب، الحارث بن عوف، قالت: فما لك لم تستفز له.
قال: إنه استحمق،
جاءني خاطباً، قالت: فإذا لم تزوج سيد العرب فمن؟ قال: قد كان ذلك، قالت: فتدارك ما
كان منك. قال: بماذا؟ قالت: أن تلحقه فترده وتقول: إنك لقيتني، وأنا مغضب، فلحقه،
فقال له ذلك: فرجع مسروراً.
فقال أوس لزوجته: ادعي أكبر بناتي. فأتته، فقال: يا
بنيّة هذا الحارث بن عوف سيد من سادات العرب قد جاءني خاطباً، وأراد أن أزوجك
منه.
قالت: لا تفعل فإني لست بابنة عمّه فيرعني حقي، وليس بجارك فيستحي منك، ولا
آمن أن يرى مني ما يكره فيطلقني. فدعا الوسطى فأجابت بمثل ذلك، فدعا الصغيرة
فأخبرها، فقالت: لكني والله الجميلة الوجه، الصناع يداً، فإن طلقني فلا أخلف الله
عليه بخير. فخرج إليه، فقال: قد زوجتك بهية بنت أوس، فأمر أمها أن تهيئها، ثم أمر
ببيت فضرب له.
قال خارجة: فخرج إلينا، فقلنا له: أفرغت من شأنك؟ قال: لا والله،
قلت: كيف؟ قال: لما مددت يدي إليها، قالت: مَهْ أعند أهلي وأخوتي؟ هذا والله ما لا
يكون. فارتحلنا، فسرنا ما شاء الله، ثم عدل بها عن الطريق، ثم لحقناه، فقلت: أفرغت؟
قال: لا والله، قلت: ولِمَ؟ قالت: أو كما يفعل بالأمة والسبية، لا والله حتى تنحر
الجزور، وتذبح الغنم، وتدعو العرب، وتعمل ما تعمل بمثلي.
قالت: قلت: إني والله لأرى همَّة وعقلاً، فرحلنا حتى جئنا بلادنا، فأحضر
الإبل والغنم، ثم دخل عليها، ثم خرج، فقلت: أفرغت؟ قال: لا، قلت: ولِمَ؟ قال: دخلت
عليها، فقلت: قد أحضرنا من المال ما تريدين، فقالت: والله لقد ذكرت لي من الشرف ما
لا أراه فيك، قلت: فكيف؟ قالت: أتفرغ لنكاح النساء، والعرب تقتل بعضها بعضاً؟ وذلك
في أيام حرب عبس وذبيان، قلت: فتقولين ماذا؟ قالت: أخرج إلى هؤلاء القوم، فأصلح
بينهم، ثم ارجع إلى أهلك فلن يفوتوك.
قلت: والله إني لأرى همَّة وعقلاً، فخرجنا
حتى أصلحنا بينهم، وحملنا عنهم الديات، وكانت ثلاثة آلاف بعير في ثلاث سنين،
فانصرفنا بأجمل الذكر، فقال زهير بن أبي سُلمى في ذلك:
تَدَاركْتُمَا عَبْساً،
وذبيانَ بَعْدَما
تَفَانَوا، ودقُّوا بينَهم عِطْرَ مَنْشَمِ