مذهب السلف في توحيد الأسماء والصفات وفي القرآن والرؤية([1])
مذهب سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل
يثبتون لله ما أثبته من الصفات، وينفون عنه مشابهة المخلوقات، يثبتون له صفات الكمال، وينفون عنه ضروب الأمثال، ينزهونه عن النقص والتعطيل، وعن التشبيه والتمثيل، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل } لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ { رد على الممثلة } وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ {([2]) رد على المعطلة. ومن جعل صفات الخالق مثل صفات المخلوق فهو المشبه المذموم.
وفي القرآن
وأئمة الدين كلهم متفقون على ما جاء به الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة من أن الله كلم موسى تكليمًا، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة كما تواترت به الأحاديث عن النبي r([3]) وأن لله علمًا وقدرة ونحو ذلك ونصوص الأئمة في ذلك مشهورة متواترة، حتى إن أبا القاسم الطبري
الحافظ لما ذكر في كتابه في «شرح أصول السنة»([4]) مقالات السلف والأئمة في الأصول ذكر من قال: القرآن كلام الله غير مخلوق. وقال: فهؤلاء خمسمائة وخمسون نفسًا أو أكثر من التابعين والأئمة المرضيين سوى الصحابة على اختلاف الأعصار ومُضِيِّ السنين والأعوام وفيهم من نحو مائة إمام ممن أخذ الناس بقولهم وتدينوا بمذاهبهم([5]).
وروى بإسناده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من وجهين أنهم قالوا لله يوم صفين: حكمت رجلين: فقال: ما حكمت مخلوقًا، ما حكمت إلا القرآن([6]).
وعن عكرمة قال: كان ابن عباس في جنازة فلما وضع الميت في لحده قال رجل: اللهم رب القرآن اغفر له. فوثب إليه ابن عباس فقال: مه ؟! القرآن منه([7]).
وعن جعفر الصادق وهو مشهور عنه أنهم سألوه عن القرآن أخالق هو، أو مخلوق؟ فقال: ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله ...([8]).
وكفَّر الشافعي حفصًا الفرد لما قال: القرآن مخلوق([9]).
وقال سليمان بن داود الهاشمي: من قال القرآن مخلوق فهو كافر.
وفي الرؤية
وكان السلف يسمون كل من نفى الصفات وقال إن القرآن مخلوق وأن الله لا يُرى في الآخرة جهميًا؛ فإن جهمًا أول من ظهرت عنه بدعة نفي الأسماء والصفات وبالغ في ذلك.
ثم إن الجهمية من المعتزلة وغيرهم أدرجوا نفي الصفات في مسمى التوحيد- فصار من قال: إن لله علمًا أو قدرة أو أنه يُرى في الآخرة وأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق يقولون إنه مشبه ليس بموحد([10]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) بشيءٍ من التفصيل.
([2]) سورة الشورى آية: (110).
([3]) في الصحاح والسنن والمسانيد- انظر صحيح البخاري ج (
ص (179- 186)، وصحيح مسلم جـ 1 ص (163- 171) وسنن أبي داود جزء (4) ص (233، 234) وسنن ابن ماجه وسنن الترمذي وقد استوفاها ابن القيم في كتابه «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» وذكر الآيات ووضح الدلالة منها رحمه الله.
([4]) وهو موجود مخطوط في ألمانيا الشرقية بليبرج رقم (318/ 1)، وقد طبع منه ثلاثة أجزاء وبقي اثنان للتحقيق، وموجود مصور في مكتبة الأستاذ الشيخ حماد بن محمد الأنصاري بالمدينة المنورة.
([5]) انظر المصورة المذكورة ص (57).
([6]) انظر المصورة ص (45).
([7]) انظر ص (46) من المصورة المذكورة.
([8]) انظر ص (47) من المصورة المذكورة، وذكر نحو ذلك عن علي بن الحسين أيضًا.
([9]) انظر ص (50) من المصورة المذكورة.
([10]) ج (2) ص (335) ج (1) ص (288) وانظر ج (12) مجموع الفتاوى ص (119).