أسباب انتشار مذهب
الإمام مالك: شاع مذهب
الإمام مالك في المغرب كثيراً مع أن مالكاً لم يترك المدينة و ذلك لأن المدينة كانت
تستقطب أناساً وعلماء كثر أيام الحج و في غير أيام الحج . ومن الأسباب التي ساهمت
على انتشار مذهب الإمام مالك دون سواه كمذهب الأوزاعي أو سفيان الثوري، تقييض الله
سبحانه وتعالى لمالك تلاميذ كثر من مختلف الأصقاع فمن مصر كان الليث بن سعد ومن
المغرب ومن العراق ومن الشام ومن اليمن، كلهم تتلمذوا على الإمام مالك وهم الذين
قاموا بنشر مذهبه حتى وصلنا بالتواتر بحيث يستطيع الإنسان أن يجزم أنه عندما يقرأ
الموطأ أو المدونة برواية سحنون أو غيره من تلامذة مالك يستطيع أن يجزم أنه يتبع
إماماً راسخاً في العلم يبرأ ذمته عند الله باتباعه والحمد لله. وهكذا انتشر مذهبه
في المغرب و في مصر و في صعيد مصر وفي اليمن و في أنحاء مختلفة متفرقة حتى أنَّ
فرنسا حين استعمرت أقسام كثيرة من المغرب مدة طويلة، اطَّلع علماء القانون
الفرنسيون على الفقه الإسلامي لاسيما مذهب الإمام مالك فأُعجِبوا به أيّما إعجاب،
لذلك نرى أن القانون الفرنسي اليوم يعتمد اعتماداً كبيراً على فقه مالك. و بواسطة
هذه النافذة انتشر الفقه الإسلامي في فرنسا واطَّلع عليه كثير من المستشرقين في
أوروبا الذين بدأوا يتحركون لِصَدِّ ومحاربة هذا الغزو الإسلامي و ذلك بزرع الشكوك
و الشبهات ليُبعدوا الناس عن الإسلام، فادعوا قائلين: هؤلاء العرب أصحاب الأدمغة
القانونية مثل مالك وأبو حنيفة جاؤوا إلى الأعراف القَبَلية عند العرب فدوَّنوها و
جمعوها و نظَّموها وفكروا بطريقة يخلدون هذه الأحكام بها ووجدوا أنَّ الطريقة هي أن
يبتدعوا لها إطاراً دينياً فاخترعوا لها الأدلة من الأحاديث والنصوص القرآنية لكي
يرسخوا بهذه الأدلة الأعراف العربية والقبلية التي كانت سائدة منذ العصر الجاهلي
!!!. أيُعقل هذا الكلام؟ الإمام مالك الذي رحل إليه الناس وقال لا أدري والذي كان
لا يُحَدِّث حتى يغتسل ويلبس البياض من الثياب ويبكي عندما يذكر حديث رسول الله صلى
الله عليه وسلم والذي لم يطأ المدينة بحافر دابة قط أدباً مع النبي صلى الله عليه
وسلم، أيُعقل بعد كل هذا أن يُقال عنه ما قيل؟. فهذا شاخت، وهو أحد المستشرقين
أعداء الإسلام يقول إنَّ مالكاً اخترع الحديث! فكل واحد يقيس الناس على نفسه:
الدجّالون أمثال كريمر و شاخت و غيرهم يجلسون في ما بينهم فيختلقون الأكاذيب ثم
يظهرونها على أنها حقائق ويظنون أن غيرهم يفعل الشيء نفسه.
يقول
الدكتور أمين المصري رحمه الله وهو أحد علماء الشام إنه عندما ذهب إلى أوروبا لنيل
شهادة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية -هكذا حظنا أن ندرس الشريعة الإسلامية في
أوروبا؟!-
فكَّر في
موضوع لأطروحته، فوجد كتاب شاخت عن الفقه الإسلامي من أهم الكتب في أوروبا (وكتاب
شاخت هذا يعتمد ويؤكد هذه النظرية الباطلة التي أشرنا إليها عن اختراع مالك
للحديث)، فقرر أن تكون أطروحته دراسة هذا الكتاب. فجاءت دراسته موضحة بما لا مزيد
عليه اللبس الحاصل كاشفة أكاذيبهم دافعة لكل أباطيلهم وافتراءاتهم بحيث يتبين
القارىء المنصف حقدَ أولئك المستشرقين وتعنتهم الذي أخرجهم عن المنهج العلمي في
البحث ودفعهم لاختلاق الأكاذيب.
وهذا ما
دفع إدارة الجامعة إلى رفض أطروحته وألزمته بالتحول عن هذا الموضوع، فلما أبى لم
يستطع أن يحصل على شهادة الأستاذية واضطر أن يأخذ شهادة في علم النفس و علم التربية
و أن يترك دراسة الشريعة الإسلامية في الغرب.
وفاته :
توفي الإمام مالك في
أوائل عام 179 هـ عن 87 سنة في الأرض التي لم يفارقها قط إلا للحج حباً وشوقاً
للنبي صلى الله عليه وسلم. وقد بقي مفتياً للمدينة مدة ستين سنة. وكان من أبلغ
الناس حزناً عليه وأشدهم بكاءً تلميذه النجيب ووارث الإمامة من بعده محمد بن إدريس
الشافعي . ولقد دُفِنَ مالك رضي الله عنه في البقيع .
وكان
الإمام مالك قد ترك حضور الجنازات في آخر حياته وكان يأتي أصحابها فيعزيهم ثم ترك
ذلك كله و لم يشهد الصلوات في المسجد ولا الجمعة أيضاً، فعوتِبَ في ذلك فقال: ليس
كل الناس يقدر أن يتكلم بعذره. وعُلِمَ بعد ذلك أنه كان قد اُصيبَ بسلس البول و كان
يخشى أن يُنَجَّسَ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال وهو يودِّع الدنيا:
لولا أني في آخر يوم من الدنيا وأوله من الآخرة ما أخبرتكم، سلس بولي، فكرهت أن آتي
مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير طهارة إستخفافاً برسول الله صلى الله
عليه و سلم و كرهت أن أذكر علَّتي فأشكو ربي!!!.