حكم الفرق الثنتين والسبعين إذا لم تقع في كفر أو شرك([1])
ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج أنهم كانوا يصلون خلفهم، وكان عبدالله بن عمر وغيره من الصحابة كانوا يصلون خلف نجدة الحروري، وكانوا أيضًا يحدثونهم ويفتونهم ويخاطبونهم كما يخاطب المسلم المسلم، كما كان عبدالله بن عباس يجيب نجدة الحروري لما أرسل إليه يسأله عن مسائل وحديثه في البخاري([2])، وكما أجاب نافع بن الأزرق عن مسائل مشهورة، وكان نافع يناظره في أشياء بالقرآن كما يتناظر المسلمان ومازالت سيرة المسلمين على هذا، ما جعلوهم مرتدين كالذين قالتهم الصديق رضي الله عنه .
هذا مع أمر رسول الله r بقتالهم في الأحاديث الصحيحة ...
وهكذا سائر فرق أهل البدع والأهواء من الشيعة والمعتزلة وغيرهم فمن كفر الثنتين والسبعين فرقة كلهم فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
وليس قوله: «ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة»([3]) بأعظم من قوله تعالى:
} إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا {([4]) وقوله تعالى: } وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا {([5]) وأمثال ذلك من النصوص الصريحة بدخول من فعل ذلك النار.
ومع هذا فلا نشهد لمعين بالنار لإمكان أنه تاب أو كانت له حسنات ماحية أو كفر الله عنه بمصائب أو غير ذلك.
الرافضة كثير منهم ليسوا منافقين ولا كفارًا؛ بل بعضهم له إيمان وعمل صالح، ومنهم من هو مخطئ يرجى له مغفرة الله، لكن الجهل بمعنى القرآن والحديث شامل لهم كلهم؛ فليس فيهم إمام من أئمة المسلمين في العلم والدين.
الإمامية مع فرط جهلهم وضلالهم فيهم خلق كثير مسلمون ظاهرًا وباطنًا ليسوا زنادقة منافقين لكنهم جهلوا واتبعوا أهواءهم.
والردة قد تكون عن أصل الإسلام كالغالية من النصيرية والإسماعيلية فهؤلاء مرتدون باتفاق أهل السنة والشيعة .. وقد تكون الردة عن بعض الدين كحال أهل البدع الرافضة وغيرهم. والله تعالى يقيم قومًا يحبهم ويحبونه يجاهدون من ارتد عن الدين أو بعضه كما يقيم من يجاهد الرافضة المرتدين عن الدين في كل زمان([6]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) أما إذا وقع منهم كفر أو شرك فحكمهم فيه حكم أمثالهم، وتقدم تحريق عليّ رضي الله عنه الغالية فيه، وبسط العلماء في (باب حكم المرتد) المسائل التي يكفر بها ومنها الشرك بالله .. إلخ ويأتي في كلام المؤلف أقسام الردة وأنواع المرتدين.
([2]) ذكره مسلم في صحيحه في كتاب (الجهاد والسير). ولم أجد الحديث في البخاري.
([3]) تقدم تخريجه.
([4]) سورة النساء آية: (10).
([5]) سورة النساء آية: (30).
([6]) ج (3) ص (208) ج (3) ص (62، 63) ج (4) ص (60).