بسم الله الرحمن الرحيم
1 - قرأت على الشيخ الصالح بقية المشايخ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن حامد بن مفرح بن غياث الأرياحي ، عن أبي الحسن علي بن الحسين بن عمر الفرا الموصلي قال : أنبأنا أبو الحسن عبد الباقي بن أبي الفتح فارس بن أحمد بن موسى المقرئ الحمصي بخطه بمصر قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن عبيد بن موسى الرشا قراءة عليه وأنا أسمع سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي الموت قال : أخبرنا علي بن عبد العزيز البغدادي بمكة سنة أربع وثمانين ومائتين قال : حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال : قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مر بقاص يقص ، فقال « هل علمت الناسخ والمنسوخ ؟ قال : لا قال : » هلكت وأهلكت « . أخبرنا علي ، قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا محمد بن ربيعة الرؤاسي ، عن سلمة بن نبيط الأشجعي ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن ابن عباس ، أنه رأى قاصا يقص ، فقال مثل مقالة علي سواء
2 - أخبرنا علي ، قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا عبد الله بن صالح الجهني ، عن معاوية بن صالح الحضرمي ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل : ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا (1) قال أبو عبيد : « المعرفة بالقرآن ناسخه ، ومنسوخه ومحكمه ، ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله قال : فأما قوله عز وجل : وما يعلم تأويله إلا الله (2) ، فإنه يعني : تأويله يوم القيامة لا يعلمه إلا الله »
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 269
(2) سورة : آل عمران آية رقم : 7
3 - أخبرنا علي ، قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله عز وجل : هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات (1) قال : المحكمات ناسخه ، وحلاله ، وحرامه ، وفرائضه ، وما يؤمن به ويعمل به ، والمتشابهات : منسوخه ومقدمه ، ومؤخره ، وأمثاله ، وأقسامه ، وما يؤمن به ولا يعمل به « قال : وقال ابن عباس في قوله عز وجل : ما ننسخ من آية (2) قال : » ما نبدل من آية أو ننسها قال : نتركها لا نبدلها « قال : وقول الله عز وجل : يمحو الله ما يشاء ويثبت (3) يقول : » يبدل من القرآن ما يشاء فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدله ، وعنده أم الكتاب يقول : وجملة ذلك : عنده في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ «
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 7
(2) سورة : البقرة آية رقم : 106
(3) سورة : الرعد آية رقم : 39
4 - أخبرنا علي ، قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد في قوله عز وجل : ما ننسخ من آية أو ننسها (1) قال : « نثبت خطها ، ونبدل حكمها »
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 106
5 - قال : وقال عطاء : قوله عز وجل : ما ننسخ من آية (1) يقول : « ما نزل من القرآن . قال : وقوله : ( أو ننسأها ) قال : نؤخرها فلا تكون » قال أبو عبيد : هكذا قراءة عطاء
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 106
6 - أخبرنا علي ، قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا هشيم ، ومروان بن معاوية الفزاري ، كلاهما عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء في قوله « ما ننسخ من آية أو ننسها (1) قال : نؤخرها » . أخبرنا علي ، قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا يزيد ، عن جرير بن حازم ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد مثل قول عطاء : ( ننسأها ) « نؤخرها »
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 106
7 - أخبرنا علي ، قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، وعطاء ، أنهما قرآها : ( ما ننسخ من آية أو ننسأها )
8 - أخبرنا علي ، قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، عن علي الأزدي ، عن عبيد بن عمير الليثي ، أنه قرأها كذلك : ( أو ننسأها ) قال أبو عبيد : فمن قرأ هذه القراءة التي قرأ بها عبيد بن عمير ، ومجاهد ، وعطاء ، وكثير عن القراء ، منهم أبو عمرو بن العلاء وغيره من أهل البصرة ، فإنهم يريدون بالنسخ ما نسخه الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه من اللوح المحفوظ ، فأنزله عليه ، فيصير المنسوخ على هذا التأويل وبهذه القراءة جميع القرآن يقولون : لأنه نسخ للنبي صلى الله عليه من أم الكتاب ، فأنزله عليه ، ويكون النسء : ما أخره الله عز وجل وتركه في أم الكتاب فلم ينزله ، وكذلك النسء في التأويل إنما هو التأخير ، ومنه قوله عز وجل : إنما النسيء زيادة في الكفر (1) هو في التفسير : تأخيرهم تحريم المحرم إلى صفر
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 37
9 - وكذلك حديث النبي صلى الله عليه « من سره النسيء في الأجل والمد في الرزق فليصل رحمه » ، أخبرنا علي ، قال : حدثنا أبو عبيد قال : سمعت عباد بن عباد المهلبي ، يحدثه ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس عن النبي صلى الله عليه قال أبو عبيد : فهذا الذي أراد عطاء بقوله : ما ننسخ من آية (1) قال : ما نزل من القرآن ، وبقوله : ( أو ننسأها ) قال : نؤخرها قال أبو عبيد : وهو مذهب من قرأ بهذه القراءة وتأول هذا التأويل قال أبو عبيد : وأما الذي نذهب إليه ونختاره فغير ذلك ، وهو : أن يكون المنسوخ ما تعرفه الأمة من ناسخ القرآن ومنسوخه ، وتكون القراءة أو ننسها بمعنى النسيان ، وهي قراءة الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم : أبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عباس ، - على أنه قد اختلف عن ابن عباس فيها ، - وقرأ بها من التابعين : سعيد بن المسيب ، والضحاك بن مزاحم ، وأهل المدينة وأهل الكوفة
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 106
10 - أخبرنا علي ، قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد ، في قراءة أبي بن كعب : « ما ننسخ من آية أو ننسك » قال أبو عبيد : والذي يروى عن عبد الله « ما ننسك من آية أو ننسخها » يحدثون بذلك عن قرة بن خالد عن الضحاك عن ابن مسعود وقرأها الضحاك أو ننسها (1) على ذلك التأويل
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 106
11 - أخبرنا علي ، قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا يعلى بن عطاء ، عن القاسم بن ربيعة بن قانف الثقفي قال : سمعت سعد بن أبي وقاص ، يقرأ : « ما ننسخ من آية أو تنسها » . قال : فقلت له : إن سعيد بن المسيب يقرأ : « أو ننسها » أو ننسها (1) « - شك أبو عبيد - فقال : إن القرآن لم ينزل على آل المسيب ، وقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه : سنقرئك فلا تنسى (2) ، واذكر ربك إذا نسيت (3)
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 106
(2) سورة : الأعلى آية رقم : 6
(3) سورة : الكهف آية رقم : 24
12 - أخبرنا علي ، قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن أبي جعفر القاري ، وشيبة بن نصاح ، ونافع بن أبي نعيم ، « أنهم قرءوها : أو ننسها (1) » قال أبو عبيد : وكذلك قرأ الكوفيون قال أبو عبيد : والمعنى في قراءة هؤلاء ، إنما هو مأخوذ من النسيان . قال : وإن كان بعضهم أضافه إلى النبي صلى الله عليه وبعضهم أخبر أن الله عز وجل فعل ذلك به ، وليس بين القولين اختلاف ؛ لأنه ليس يفعل النبي صلى الله عليه إلا ما وفقه الله عز وجل له ، فإذا أنساه نسي ، إلا أن ابن عباس خاصة أراد بالنسيان الترك في الحديث الذي ذكرناه عنه في قوله عز وجل : أو ننسها قال : نتركها فلا نبدلها ، فكأنه جعله مثل قوله : كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى (2) ، وكقوله عز وجل : نسوا الله فنسيهم (3) هو في التفسير الترك ؛ لأن الله عز وجل لا يضل ولا ينسى ، فهذا فصل ما بين التأويلين والقراءتين في النسء والنسيان . وأما النسخ : فإن له ثلاثة مواضع في الكتاب والسنة ، ولكلها شواهد ودلائل ، فأحدها : نسخ القرآن مما يعمل به ، وهو علم الناسخ من المنسوخ ، والشاهد عليه ما فسره ابن عباس في حديثه الذي ذكرناه : أنه إبدال الآية مكان الآية ، ثم أوضحه مجاهد ، فقال : يثبت خطها ويبدل حكمها ، فهذا هو المعروف عند العالم أن الآية الناسخة والمنسوخة جميعا ثابتتان في التلاوة وفي خط المصحف ، إلا أن المنسوخة منهما غير معمول بها ، والناسخة هي التي أوجب الله عز وجل على الناس اتباعها والأخذ بها وأما النسخ الثاني : فأن ترفع الآية المنسوخة بعد نزولها ، فتكون خارجة من قلوب الرجال ، ومن ثبوت الخط والشاهد عليه أحاديث عدة
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 106
(2) سورة : طه آية رقم : 126
(3) سورة : التوبة آية رقم : 67
13 - أخبرنا علي ، قال : حدثنا أبو عبيد قال : عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن عقيل ، ويونس ، عن ابن شهاب قال : أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف ، في مجلس سعيد بن المسيب : أن رجلا ، كانت معه سورة ، فقام يقرؤها من الليل فلم يقدر عليها ، وقام آخر يقرؤها فلم يقدر عليها ، وقام آخر يقرؤها فلم يقدر عليها ، فأصبحوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : يا رسول الله ، قمت البارحة لأقرأ سورة كذا وكذا ، فلم أقدر عليها ، وقال الآخر : يا رسول الله ما جئت إلا لذلك ، وقال الآخر : وأنا يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنها ، أو قال : نسخت البارحة » وزاد عقيل في حديثه قال : وابن المسيب جالس لا ينكر ذلك قال أبو عبيد : فقد تبين في هذا الحديث أن النسخ هو رفع السورة ، وكذلك حديثه الآخر
14 - أخبرنا أبو الحسن علي ، قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا أبو المنذر إسماعيل بن عمر الواسطي ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن ذر ، عن عبد الرحمن بن أبزى قال : صلى رسول . . . . موضعه ، فهذا هو المستعمل في كلام العوام ، وله مع هذا شاهد من القرآن
15 - أخبرنا علي ، قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله عز وجل : إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون (1) قال : قال ابن عباس : « ألستم قوما عربا هل تكون النسخة إلا من أصل قد كان قبل ذلك »
__________
(1) سورة : الجاثية آية رقم : 29
16 - أخبرنا علي ، قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير في قوله : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر (1) قال : « الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن ، والذكر هو الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب » قال أبو عبيد : فهذان الحديثان لا معنى للنسخ فيهما إلا الاكتتاب من شيء في آخر سواه ، وإياه أراد عطاء بقوله : ما ننسخ من آية (2) قال : هو ما نزل من القرآن
__________
(1) سورة : الأنبياء آية رقم : 105
(2) سورة : البقرة آية رقم : 106