أثر
وقوع حيوان في البئر
الأصل
أن الماء الكثير لا ينجس إلا بتغير أحد أوصافه.
واتفق
فقهاء
المذاهب الأربعة على أن ما ليس له نفس سائلة، إذا ما وقع في ماء البئر، لا يؤثر في
طهارته، وكذا ما كان مأكول اللحم، إذا لم يكن يعلم أن على بدنه أو مخرجه نجاسة،
وخرج حياً، ما دام لم يتسبب في تغير أحد أوصاف الماء، عدا ما كان نجس العين
كالخنـزير.
ويرى
الحنابلة
وبعض الحنفية أن المعتبر السؤر، فإن كان لم يصل فمه إلى الماء لا ينـزح منه شيء،
وإن وصل وكان سؤره طاهراً فإنه طاهر.
ويختلف
الفقهاء فيما وراء ذلك.
فغير
الحنفية من فقهاء المذاهب الأربعةيتجهون إلى عدم التوسع في الحكم بالتنجس
بوقوع الحيوان ذي النفس السائلة (الدم السائل) عموماً وإن وجد اختلاف
بينهم.
فالمالكية
ينصون على أن الماء الراكد، أو الذي له مادة، أو كان الماء جارياً، إذا مات فيه
حيوان برّي ذو نفس سائلة، أو حيوان بحري، لا ينجس، وإن كان يندب نـزح قدر معين،
لاحتمال نـزول فضلات من الميت، ولأنه تعافه النفس. وإذا وقع شيء من ذلك، وأخرج
حياً، أو وقع بعد أن مات بالخارج، فإن الماء لا ينجس ولا ينـزح منه شيء، لأن سقوط
النجاسة بالماء لا يطلب بسببه النـزح.
وإنما
يوجب الخلاف فيه إذا كان يسيراً. وموت الدابة بخلاف ذلك فيها. ولأن سقوط الدابة بعد
موتها في الماء هو بمنزلة سقوط سائر النجاسات من بول وغائط، وذاتها صارت نجسة
بالموت. فلو طلب النـزح في سقوطها ميتة لطلب في سائر النجاسات، ولا قائل بذلك في
المذهب.
وقيل:
يستحب النـزح بحسب كبر الدابة وصغرها، وكثرة ماء البئر
وقلته.
وقال
الشافعية:
إذا كان ماء البئر كثيراً طاهراً، وتفتَّتَتْ فيه نجاسة، كفأرة تمعَّط شعرها بحيث
لا يخلو دلوٌ من شعرة، فهو طهور كما كان إن لم يتغير. وعلى القول بأن الشعر نجس
ينـزح الماء كله ليذهب الشعر، مع ملاحظة أن اليسير عرفا من الشعر معفو عنه ما عدا
شعر الكلب والخنـزير.
ويفهم
من هذا أن ماء البئر إذا كان قليلاً فإنه يتنجس ولو لم
يتغير.
ويقول
الحنابلة:
إذا وقعت الفأرة أو الهرة في ماء يسير، ثم خرجت حية، فهو طاهر، لأن الأصل الطهارة.
وإصابة الماء لموضع النجاسة مشكوك فيه. وكل حيوان حكم جلده وشعره وعرقه ودمعه
ولعابه حكم سؤره في الطهارة والنجاسة.
ويفهم
من قيد "ثم خرجت حية" أنها لو ماتت فيه يتنجس الماء، كما يفهم من تقييد الماء "
باليسير" أن الماء الكثير لا ينجس إلا إذا تغير وصفه.
وذهب
الحنفية
إلى أن الفأرة إذا وقعت هاربة من القط ينـزح كل الماء، لأنها تبول. وكذلك إذا كانت
مجروحة و متنجسة. وقالوا: إن كانت البئر معيناً، أو الماء عشراً في عشر، ولكن تغير
أحد أوصافه، ولم يمكن نـزحها، نـزح قدر ما كان فيها.
وإذا
كانت البئر غير عين، ولا عشراً في عشر، نـزح منها عشرون دلواً بطريق الوجوب، إلى
ثلاثين ندباً، بموت فأرة أو عصفور أو سام أبرص. ولو وقع أكثر من فأر إلى الأربع
فكالوا حده عند أبي يوسف، ولو خمساً إلى التسع كالدجاجة، وعشراً كالشاة، ولو فأرتين
كهيئة الدجاجة ينـزح أربعون عند محمد. وإذا مات فيها حمامة أو دجاجة أو سنور ينـزح
أربعون وجوباً إلى ستين استحباباً. وفي رواية إلى خمسين.
وينـزح
كله لسنَّورين وشاة، أو انتفاخ الحيوان الدموي، أو تفسخه ولو صغيراً. وبانغماس كلب
حتى لو خرج حياً. وكذا كل ما سؤره نجس أو مشكوك فيه. وقالوا في الشاة إن خرجت حية
فإن كانت هاربة من السبع نـزح كله خلافاً لمحمد.
وروي
عن أبي حنيفة وأبي يوسف في البقر والإبل أنه ينجس الماء، لأنها تبول بين أفخاذها
فلا تخلو من البول. ويرى أبو حنيفة نـزح عشرين دلواً، لأن بول ما يؤكل لحمه
نجس نجاسة خفيفة، وقد ازداد خفة بسبب البئر فيكفي نزح أدنى ما ينـزح. وعن أبي يوسف:
ينـزح ماء البئر كلُّه، لاستواء النجاسة الخفيفة والغليظة في حكم تنجس الماء