4- ستر
العورة:
لقول
الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}
[الأعراف:31]
قال
ابن عباس - رضي الله عنهما -: المراد به الثياب في الصلاة.
ولقول
النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" رواه أبو داود وقال
الترمذي حديث حسن، ولأن ستر العورة حال القيام بين يدي الله تعالى من باب
التعظيم.
شروط
الساتر:
1- يجب
أن يكون صفيقاً كثيفاً: فالواجب الستر بما يستر لون البشرة ولا يصفها من ثوب صفيق
أو جلد أو ورق، فإن كان الثوب خفيفاً أو رقيقاً يصف ما تحته أو يتبين لون الجلد من
ورائه، فيعلم بياضه أو حمرته، لم تجز الصلاة به، لأن الستر لا يحصل بذلك. وإن كان
يستر لونها، ويصف الخلقة أو الحجم، جازت الصلاة به، لأن هذا مما لا يمكن التحرز
منه، حتى ولو كان الساتر صفيقاً، لكنه عند الشافعية للمرأة مكروه، وللرجل
خلاف الأولى.
وقال
الشافعية:
شرط الساتر: ما يمنع لون البشرة، ولو ماء كدراً أو طيناً، لا خيمة ضيقة وظلمة، ويجب
عندهم أن يكون الساتر طاهراً.
وقال
المالكية:
إن ظهر ما تحته فهو كالعدم، وإن وصف فهو مكروه.
2- والشرط
عند الشافعية والحنابلة: أن يشمل المستور لبساً ونحوه، فلا تكفي الخيمة
الضيقة والظلمة.
3- والمطلوب
هو ستر العورة من جوانبها، عند الحنفية، وغيرهم من الفقهاء، فلا يجب الستر من أسفل
أو من فتحة قميصه، فلو صلى على زجاج يصف ما فوقه، جاز.
وإن
وجد ما يستر بعض عورته، يجب سترها ولو بيده عند الشافعية، لحصول المقصود،
فإن كفى الساتر سوأتيه أو الفرجين تعين لهما، وإن كفى أحدهما تعين عليه ستر القُبُل
ثم الدبر عند الشافعية، وبالعكس عند الحنفية والمالكية. ويجب أن يزر قميصه
أو يشد وسطه إن كانت عورته تظهر منه في الركوع أو غيره.
الصلاة
في الثوب الحرام: ويصح
الستر مع الحرمة عند المالكية والشافعية، وتنعقد الصلاة مع الكراهة
التحريمية عند الحنفية: بما لا يحل لبسه كثوب حرير للرجل، ويأثم بلا عذر،
كالصلاة في الأرض المغصوبة.
وقال
الحنابلة:
لا تصح بالحرام كلبس ثوب حرير، أو صلاة في أرض مغصوبة ولو منفعتها أو بعضها، أو
صلاة في ثوب ثمنه كله أو بعضه حرام أو كان متختماً بخاتم ذهب، إن كان عالماً
ذاكراً، لما روى أحمد عن ابن عمر: "من اشترى ثوباً بعشرة دراهم، وفيه درهم حرام، لم
يقبل الله له صلاة، مادام عليه" ثم أدخل أصبعيه في أذنيه وقال: "صُمَّتا إن لم يكن
النبي صلى الله عليه وسلم سمعته يقوله"، ولحديث عائشة: "من عمل عملاً ليس عليه
أمرنا فهو رد" رواه مسلم، ولأن قيامه وقعوده ولبثه فيه محرم منهي عنه، فلم يقع
عبادة كالصلاة في زمن الحيض، وكالنجس.
فإن
جهل كونه حريراً أو غصباً، أو نسي كونه حريراً أو غصباً، أو حبس بمكان غصب أو نجس،
صحت صلاته، لأنه غير آثم.
واتفق
علماء المذاهب: أن ستر العورة واجب ولو بإعارة، فإن صلى عرياناً مع وجود ثوب عارية،
أو مع وجود حرير طاهر عند الجمهور غير الحنابلة، بطلت صلاته. ولو وُعد به ينتظر ما
لم يخف فوات الوقت، وهو الأظهر عند الحنفية، ويلزمه الشراء بثمن المثل كالمقرر في
شراء الماء سابقاً.
عادم
الساتر: ومن
لم يجد ساتراً لعورته: صلى عرياناً عند المالكية، لأن ستر العورة مطلوب عند
القدرة، ويسقط بالعجز.
وصلى
قاعداً يومئ إيماء عند الحنابلة، عملاً بفعل ابن عمر كما بينا سابقاً في
الشرط الثالث.
ويجب
عليه أن يصلي عند الشافعية والحنفية ولو بطين يتطين به يبقى إلى تمام صلاته،
أو بماء كدر غير صاف، وتكفيه الظلمة للاضطرار عند الحنفية والمالكية، وباليد
عند الشافعية في الأصح وعند الحنابلة لحصول المقصود كما قدمنا، ويصلي
قائماً عند الشافعية متمماً الأركان، ولا إعادة عليه على المذهب عندهم كما
أوضحنا. ويصلي قاعداً مومياً بركوع وسجود عند الحنفية كالحنابلة، وهو أفضل
من الصلاة قائماً بإيماء أو بركوع وسجود، لأن الستر أهم من أداء
الأركان.
قال
الحنابلة:
ومن كان في ماء وطين ولم يمكنه السجود على الأرض إلا بالتلوث بالطين والبلل بالماء
صلى على دابته، يومئ بالركوع والسجود.
انكشاف
العورة فجأة: إن
انكشفت عورة المصلي فجأة بالريح مثلاً عن غير عمد، فستره في الحال، لم تبطل صلاته
عند الشافعية والحنابلة لانتفاء المحذور، وإن قصر أو طال الزمان، بطلت
لتقصيره، ولأن الكثير يفحش انكشاف العورة فيه، ويمكن التحرز منه، فلم يعف عنه. وقال
المالكية: تبطل الصلاة مطلقاً بانكشاف العورة المغلظة.
وقال
الحنفية: إذا انكشف ربع العضو من أعضاء العورة، فسدت الصلاة إن استمر بمقدار أداء
ركن، بلا صنعه، فإن كان بصنعه فسدت في الحال.
صلاة
العراة جماعة: الجماعة
مشروعة للعراة، فلهم عند الشافعية والحنابلة أن يصلوا فرادى أو جماعة، وفي حال
الصلاة جماعة يقف الإمام معهم في الصف وسطاً، ويكون المأمومون صفاً واحداً، حتى لا
ينظر بعضهم إلى عورة بعض، فإن لم يمكن إلا صفين، صلوا وغضوا
الأبصار.
وإن
اجتمع نسوة عراة، استحب لهن الجماعة، وتقف وسطهن في كل حال لأنهن عورات، وذلك لأن
صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد، كما هو الثابت في السنة. ويصلون قياماً مع إتمام
جميع الأركان عند الشافعية، ويومئون إيماء، ويكون سجودهم أخفض من ركوعهم عند
الحنابلة.
وهل
الأفضل أن يصلوا جماعة أم فرادى؟
قال
الشافعية:
إن كانوا عُمْياً أو في ظلمة بحيث لا يرى بعضهم بعضاً، استحبت الجماعة بلا خلاف،
ويقف إمامهم قُدَّامهم. وإن كانوا بحيث يرون، فأصح الأقوال أن الجماعة والانفراد
سواء.
وإن
وجد مع إنسان كسوة، استحب أن يعيرهم، فإن لم يفعل، لم يغصب منه، لأن صلاتهم تصح من
غير سترة.
وقال
المالكية والحنفية:
يصلون فرادى، ويتباعد بعضهم من بعض، وإن كانوا في ظلمة صلوا جماعة ويتقدمهم إمامهم.
وإن لم يمكن تفرقهم صلوا جماعة قياماً صفاً واحداً مع ركوع وسجود، إمامهم وسطهم،
غاضين أبصارهم وجوباً.
حد
العورة: يشترط
عند أئمة المذاهب لصحة الصلاة ستر العورة لكن الفقهاء اختلفوا في حد العورة
للرجل.
مذهب
الحنفية:
أ-
عورة الرجل:
هي ما تحت سرته إلى ما تحت ركبته فالركبة من الفخذ عورة.
ب-
المرأة ومثلها الخنثى:
جميع بدنها حتى شعرها النازل ما عدا الوجه والكفين، والقدمين ظاهرهما وباطنهما
لعموم الضرورة، والصوت ليس بعورة، والقدمان ليسا بعورة في حق الصلاة، والصحيح أنهما
عورة في حق النظر والمس. واستدلوا بقوله تعالى:
{وَلا
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] والمراد محل
زينتهن، وما ظهر منها: الوجه والكفان، كما قال ابن عباس وابن عمر، وبقوله صلى الله
عليه وسلم: "المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان" رواه الترمذي. وبحديث عائشة
السابق: "يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض، لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا،
وأشار إلى وجهه وكفه". رواه أبو داود.
وبحديث
عائشة المتقدم أيضاً: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" والخمار : ما يغطى به رأس
المرأة.
وقال
الحنفية:
أن كشف ربع عضو من أعضاء العورة (الغليظة وهي القبل والدبر وما حولهما، أو المخففة:
وهي ماعدا السوأتين) إن استمر بمقدار أداء ركن، بدون تعمد، يبطل الصلاة، لأن ربع
الشيء له حكم الكل، كما قدمنا سابقاً. ولا تبطل بما دون ذلك.
مذهب
المالكية:
يجب
ستر العورة عن أعين الناس إجماعاً، أما في الصلاة فالعورة
هي:
أ-
عورة الرجل في الصلاة:
هي المغلظة فقط وهي السوأتان وهما من المقدم: الذكر مع الأنثيين، ومن المؤخر: ما
بين الأليتين. فيجب إعادة الصلاة في الوقت لمكشوف الأليتين فقط، أو مكشوف العانة.
فليس الفخذ عورة عندهم، وإنما السوأتان فقط، لحديث أنس "أن النبي صلى الله عليه
وسلم يوم خيبر حَسَر الإزار عن فخذه، حتى إني لأنظر إلى بياض فخذه". رواه
البخاري.
ب-
عورة المرأة المغلظة:
جميع البدن ما عدا الصدر والأطراف من رأس ويدين ورجلين. وما قابل الصدر من الظهر
كالصدر. فإن انكشف من العورة المخففة شيء من صدرها أو أطرافها، ولو ظهر قدم لا
باطنه، أعادت في الوقت الضروري السابق بيانه: في الظهرين للاصفرار، وفي العشاءين
الليل كله، وفي الصبح للطلوع.
فمن
صلى مكشوف شيء من العورة المغلظة بطلت صلاته، ويعيد الصلاة
أبداً.
ومن
صلى مكشوف شيء من العورة المخففة، لا تبطل صلاته، وإن كان كشفها مكروهاً ويحرم
النظر إليها، ولكن يستحب لمن صلى مكشوف العورة المخففة أن يعيد الصلاة في الوقت
الضروري (في الظهرين للاصفرار، وفي العشاءين: الليل كله، وفي الصبح
للطلوع).
مذهب
الشافعية:
أ-
عورة الرجل:
ما بين سُرَّته وركبته في الصلاة والطواف وأمام الرجال الأجانب والنساء المحارم،
لما روى الحارث بن أبي أسامة عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، قال : "عورة
المؤمن ما بين سرته إلى ركبته" وروي في ستر الفخذ أحاديث منها: "لا تُبرز فخِذاك،
ولا تنظر إلى فخذي حي ولا ميت" رواه أبو داود وابن ماجه ومنها قوله صلى الله عليه
وسلم لجَرْهد الأسلمي: "غطِّ فخذك، فإن الفخذ عورة". رواه أبو داود
والترمذي.
فالسرة
والركبة ليستا من العورة على الصحيح، لحديث أنس السابق في مذهب المالكية المتضمن
إظهار النبي صلى الله عليه وسلم فخذه. لكن يجب ستر شيء من الركبة لستر الفخذ، ومن
السرة، لأن ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ب-
عورة المرأة ومثلها الخنثى:
ما سوى الوجه والكفين، ظهرهما وبطنهما من رؤوس الأصابع إلى الكوعين (الرسغ أو مفصل
الزند) لقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}
[النور: 31] قال ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم: "هو الوجه والكفان" ولأن النبي صلى
الله عليه وسلم نهى المرأة الحرام (المحرمة بحج أو عمرة) عن لبس القفازين والنقاب،
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولا تنتقب المرأة
المحرمة، ولا تلبس القفازين". رواه البخاري، ولو كان الوجه عورة لما حرم سترهما في
الإحرام، ولأن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه للبيع والشراء، وإلى إبراز الكف للأخذ
والعطاء، فلم يجعل ذلك عورة.
وإذا
انكشف بعض العورة في الصلاة مع القدرة على سترها بطلت صلاته، إلا إن كشفها ريح أو
سهواً، فسترها في الحال فلا تبطل. وإن كشفت بغير الريح أو بسبب بهيمة أو غير مميز
فتبطل.
مذهب
الحنابلة:
أ-
عورة الرجل:
ما بين سرته وركبته، للأحاديث السابقة التي استدل بها الحنفية والشافعية، وليست
سرته وركبتاه من عورته، لحديث عمرو بن شعيب السابق: ".. فإن ما تحت السرة إلى
الركبة عورة"، ولأن الركبة حد، فلم تكن من العورة كالسرة. والخنثى المشكل كالرجل،
إذ لا نوجب عليه الستر بأمر محتمل متردد.
وإن
انكشف من العورة يسير، لم تبطل صلاته، لما رواه أبو داود عن عمرو بن سلمة الذي كانت
تنكشف عنه بردته لقصرها إذا سجد.
وإن
انكشف من العورة شيء كثير، تبطل صلاته. والمرجع في التفرقة بين اليسير والكثير إلى
العرف والعادة.
لكن
إن انكشف الكثير من العورة عن غير عمد، فستره في الحال، من غير تطاول الزمان، لم
تبطل، لأن اليسير من الزمان أشبه اليسير في القَدْر، فإن طال كشفها، أو تعمد كشفها،
بطلت الصلاة مطلقاً.
جـ-
عورة المرأة:
جميع بدنها سوى وجهها، وكفيها لقوله تعالى:
{وَلا
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال ابن عباس وعائشة: "وجهها
وكفيها" رواه البيهقي وليس لها كشف ما عدا وجهها وكفيها في الصلاة، بدليل الأحاديث
السابقة عند الشافعية. والدليل على وجوب تغطية القدمين: ما روت أم سلمة قالت: "قلت:
يا رسول الله، أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: نعم، إذا كان سابغاً
يغطي ظهور قدميها". رواه أبو داود وهذا يدل على وجوب تغطية القدمين، ولأنه محل لا
يجب كشفه في الإحرام، فلم يجز كشفه في الصلاة كالساقين.
ويجزئ
المرأة من اللباس ما سترها الستر الواجب، لحديث أم سلمة السابق. والمستحب أن تصلي
المرأة في دِرْع (قميص سابغ يغطي قدميها) وخمار يغطي رأسها وعنقها، وجلباب تلتحف به
من فوق الدرع. وحكم انكشاف شيء من عورة المرأة غير الوجه والكفين بالتفرقة بين
اليسير والكثير، كحكم الرجل سابقاً.