كيفية
صلاة الخوف
اتفق
الفقهاء على ناحيتين مهمتين: أولاهما - أنه يجوز لأفراد الجيش أن يصلوا بإمامين، كل
طائفة بإمام. وثانيتهما - أنه في اشتداد الخوف وتعذر الجماعة، يجوز للجنود أن يصلوا
فرادى ركباناً وراجلين، في مواقعهم وخنادقهم، يومئون إيماء بالركوع والسجود إلى أي
جهة شاءوا، إلى القبلة وإلى غيرها، يبتدئون تكبيرة الإحرام إلى القبلة إن قدروا، أو
إلى غيرها، لأن هذه صلاة للضرورة، تسقط بها الأركان والتوجه إلى
القبلة.
وأما
صلاة الخوف جماعة لكل الجنود، بإمام واحد: فتجوز صلاتها على أي صفة صلاها رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت الأخبار بأنها على ستة عشر نوعاً، في صحيح مسلم
بعضها، ومعظمها في سنن أبي داود، وفي صحيح ابن حبان منها تسعة، ففي كل مرة كان صلى
الله عليه وسلم يفعل ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة.
والمشهور
من ذلك سبع صفات، اختار الجمهور منها أقواها وأصحها لديهم، وأجازها كلها الحنابلة
واختار الإمام أحمد منها حديث سهل، وهي ما يأتي:
صلاة
النبي صلى الله عليه وسلم في عسفان (روى هذه الصفة أبو داود): وقد
اعتمدها الشافعية والحنابلة إذا كان العدو في جهة القبلة: وهي أن يصف الإمام
الناس خلفه صفين فأكثر، ويصلي بهم جميعاً ركعة إلى أن يسجد، فإذا سجد سجد معه الصف
الذي يليه، وحرس الصف الآخر حتى يقوم الإمام إلى الركعة الثانية، فإذا قام سجد الصف
المتخلف، ولحقوه.
وفي
الركعة الثانية سجد معه الصف الذي حرس أولاً في الركعة الأولى، وحرس الصف الآخر.
فإذا جلس الإمام للتشهد سجد من حرس، وتشهد بالصفين وسلم بهم جميعاً. فهي صلاة
مقصورة لكونها في السفر. وقد اشترط الحنابلة لهذه الصفة: ألا يخاف المسلمون كميناً
يأتي من خلف المسلمين، وألا يخفى بعض الكفار عن المسلمين، وأن يكون في المصلين كثرة
يمكن تفريقهم طائفتين، كل طائفة ثلاثة فأكثر، لأن الله تعالى ذكر الطائفة بلفظ
الجمع {فإذا سجدوا ...} وأقل الجمع ثلاثة. فإن خاف المسلمون كميناً (يكمن في
الحرب)، أو خفي بعضهم عن المسلمين، أو كان المسلمون أقل من ستة أشخاص، صلوا على غير
هذا الوجه.
صلاة
النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع (روى هذه الصفة البخاري ومسلم):
وهي
التي اختارها الشافعية والحنابلة إذا كان العدو في غير جهة القبلة، كما
اختارها المالكية مطلقاً في مشهور المذهب، سواء أكان العدو في جهة القبلة أم
لا. وهي أن يقسم الإمام العسكر طائفتين: طائفة معه، وأخرى تحرس العدو، فيصلي بأذان
وإقامة بالطائفة الأولى التي معه في الصلاة الثنائية ركعة، وفي الثلاثية والرباعية
ركعتين، ثم يتمون لأنفسهم ويسلمون، ثم يذهبون ويحرسون.
وتأتي
الطائفة الثانية، فيقتدون، ويصلي بهم الإمام الركعة الثانية في الثنائية، والركعتين
الأخريين في الرباعية، والثالثة في المغرب، ويسلم الإمام، ويتمون صلاتهم بفاتحة
وسورة، ولكن بعد سلامه عند المالكية، وينتظر الإمام في التشهد عند
الشافعية والحنابلة ثم يسلم بهم، كما هو نص الحديث، ويقرأ الإمام بعد قيامه
للركعة الثانية الفاتحة وسورة بعدها في زمن انتظاره الفرقة الثانية، ويكرر التشهد
أو يطيل الدعاء فيه. ولا يسلم قبلهم عند الشافعية والحنابلة لقوله تعالى:
{وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} فيدل
على أن صلاتهم كلها معه، وتحصل المعادلة بين الفرقتين، فإن الأولى أدركت مع الإمام
فضيلة الإحرام، والثانية فضيلة السلام.
صلاة
النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها ابن عمر (روى هذا الصفة البخاري ومسلم)،
وهي
التي اختارها الحنفية: أن يجعل الإمام الناس طائفتين: طائفة في وجه العدو،
وطائفة خلفه، فيصلي بهذه الطائفة ركعة وسجدتين وتتمم صلاتها عند الجمهور بقراءة
سورة الفاتحة وتسلم وتذهب للحراسة. وقال الحنفية: ثم تمضي إلى وجه العدو
للحراسة بدون إتمام الصلاة.
وتأتي
الطائفة الأخرى، فيصلي بهم الإمام ركعة وسجدتين، ويتشهد ويسلم وحده لتمام صلاته،
ولم يسلموا عند الحنفية لأنهم مسبوقون، وإنما يذهبون مشاة للحراسة في وجه العدو.
وتتمم هذه الطائفة صلاتها عند الجمهور بقراءة سورة مع الفاتحة ثم تعود لمواقعها.
وقال الحنفية: ثم تجيء الطائفة الأولى إلى مكانها الأول، أو تصلي في مكانها
تقليلاً للمشي، فتتمم صلاتها وحدها بغير قراءة عند الحنفية، لأنهم في حكم
اللاحقين، وتشهدوا وسلموا، وعادوا لحراسة العدو.
ثم
تأتي الطائفة الثانية، فتتمم صلاتها بقراءة سورة مع الفاتحة، لأنهم لم يدخلوا مع
الإمام في أول الصلاة، فاعتبروا في حكم السابقين.
كيفية
أداء الصلوات الخمس حال الإقامة:
فإن
كان الإمام مقيماً صلى بالطائفة الأولى ركعتين من الرباعية، وبالطائفة الثانية
ركعتين تسوية بينهما. ويصلي - في المذاهب الأربعة - بالطائفة الأولى ركعتين من
المغرب، وبالثانية ركعة، لأنه إذا لم يكن بدّ من التفضيل فالأولى أحق به، وما فات
الثانية ينجبر بإدراكها السلام مع الإمام. ويصلي الصبح بكل طائفة
ركعة.
صلاة
النبي صلى الله عليه وسلم في بطن نخل (مكان من نجد بأرض غطفان) (روى هذه الصفة
البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، واعتمدها
الشافعية بعد صلاة ذات الرقاع إذا كان العدو في غير جهة القبلة: وهي أن يصلي الإمام
مرتين صلاة كاملة، بكل طائفة مرة، ويسلم بكل طائفة. وصفتها حسنة قليلة الكلفة لا
تحتاج إلى مفارقة الإمام ولا إلى تعريف كيفية الصلاة، وليس فيها أكثر من أن الإمام
في الصلاة الثانية متنفل يؤم مفترضين، وهو جائز اتفاقاً، وعند الحنابلة
والحنفية جائز في صلاة الخوف فقط، ممنوع في غيرها.
صلاة
النبي صلى الله عليه وسلم في ذات الرقاع كما رواها جابر (روى هذه الصفة البخاري
ومسلم وأحمد): وهي
أن يصلي الإمام الصلاة الرباعية تامة أربعاً بالنسبة إليه، وتصلي معه كل طائفة صلاة
مقصورة ركعتين، بلا قضاء للركعتين، فكان للإمام أربع تامة، وللقوم ركعتان
مقصورة.
صلاة
النبي صلى الله عليه وسلم بذي قَرَد (ماء
على بريد: 22176 م من المدينة) (روى هذه الصفة أبو داود والنسائي)، ومنعها أكثر
الفقهاء، وأجازها الإمام أحمد والمحدثون لصحة الأحاديث فيها: وهي أن يصف الإمام
الناس صفين: صفاً خلفه، وصفاً موازياً للعدو، ويصلي الرباعية الجائز قصرها بكل
طائفة ركعة فقط، بلا قضاء ركعة أخرى.
صلاته
صلى الله عليه وسلم بأصحابه عام غزوة نجد، رواها
أبو داود والنسائي: وهي أن تقوم مع الإمام طائفة، وتبقى طائفة أخرى تجاه العدو،
وظهرها إلى القبلة، ثم يحرم وتحرم معه الطائفتان، وتصلي معه إحدى الطائفتين ركعة،
ثم يذهبون فيقومون في وجه العدو، ثم تأتي الطائفة الأخرى، فتصلي لنفسها ركعة،
والإمام قائم، ثم يصلي بهم الركعة التي بقيت معه. ثم تأتي الطائفة القائمة في وجه
العدو، فيصلون لأنفسهم ركعة، والإمام قاعد، ثم يسلم الإمام ويسلمون جميعاً، أي أن
ابتداء الصلاة وانتهاءها تم باشتراك الطائفتين مع الإمام.