لماذا يكرر السجود مرتان
و شُرع له تكرير هذه الأفعال و الأقوال
؛ إذ هي غذاء القلب و الروح التي لا قوام لهما إلا بها ، فكان تكريرها بمنزلة
تكرير الأكل لقمة بعد لقمة حتى يشبع ، و الشرب نفسا بعد نفس حتى يَروى ، فلو تناول
الجائع لقمة واحدة ثم دفع الطعام من بين
يديه فماذا كانت يغني عنه تلك اللقمة ؟ و ربما فتحت عليه باب الجوع أكثر مما به ؛
و لهذا قال بعض السلف : " مثل الذي يصلي و لا يطمئن في صلاته كمثل الجائع إذا
قدم إليه طعام فتناول منه لقمة أو لقمتين ماذا تغني عنه ذلك".
و في إعادة كل قول أو فعل من العبودية و
القرب ، و تنزيل الثانية منزلة الشكر على الأولى ، و حصول مزيد خير و إيمان من
فعلها ، و معرفة و إقبال و قوة قلب ، و انشراح صدر و زوال درنٍ و وسخٍ عن القلب
بمنزلة غسل الثوب مرَّة بعد مرَّة .
فهذه حكمة الله التي بَهَرت العقول
حكمته في خلقه و أمره ، و دلَّت على كمال رحمته و لطفه ، و ما لم تحط به علماً
منها أعلى و أعظم و أكبر و إنما هذا يسير من كثير منها.
فلما قضى صلاته و أكملها و لم يبق إلا
الانصراف منها ، فشرع الجلوس في آخرها بين يدي ربه مُثنياً عليه بما هو أهله ،
فأفضل ما يقول العبد في جلوسه هذه التحيات التي لا تصلح إلا لله ، و لا تليق
بغيره.