عبودية السجود
ثم شرع له أن يكبر و يدنو و يخرَّ ساجدا
، و يُعطي في سجوده كل غضو من أعضائه حظَّه من العبودية ، فيضع ناصيته بالأرض بين
يدي ربه ، مسندة راغما له أنفه ، خاضعا له قلبه ، و يضع أشرف ما فيه ـ و هو وجهه ـ
بالأرض و لاسيما وجه قلبه مع وجهه الظاهر ساجدا على الأرض معفِّراً له وجهه و أشرف
ما فيه بين يدي سيِّده ، راغماً أنفه ، خاضعاً له قلبه و جوارحه ، متذلِّلاً لعظمة
ربه ، خاضعاً لعزَّته ، منيباً إليه ، مستكيناً ذلاً و خضوعاً و انكساراً ، قد
صارت أعاليه ملويةً لأسافله.
و قد طابق قلبُه في ذلك حال جسده ، فسجد
القلب للرب كما سجد الجسد بين يدي الله ، و قد سجد معه أنفه و وجهه ، و يداه و
ركبتاه ، و رجلاه فهذا العبد هو القريب المقرَّب فهو أقرب فهو ما يكون من ربه و هو
ساجد .
و شرع له أن يُقلَّ فخذيه عن ساقيه ، و
بطنه عن فخذيه و عَضُديه عن جنبيه ، ليأخذ كل جزءٍ منه حظّه من الخضوع لا يحملَ
بعضه بعضاً .
فأحرِ به به في هذه الحال أن يكون أقرب
إلى ربه منه في غيرها من الأحوال كلِّها ، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم :
" أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربَّه و هو ساجدٌ ".[رواه مسلم (482) عن أبي
هريرة رضي الله عنه ].
و لما كان سجود القلب خضوعه التام لربّه
أمكنه استدامة هذا السجود إلى يوم القيامة ، كما قيل لبعض السلف :
هل يسجد القلب ؟