روي عن عمر
بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : ( ... إنه لا إسلام بلا جماعة ولا جماعة بلا إمارة ، ولا إمارة بلا طاعة ...
) . وكما يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي : ثلاثة أرباع أحكام الإسلام أحكام
للمجتمع ، وربعها فقط للفرد . والشباب هم أعمدة المجتمع ، يقوم عليها بناء الأمة ،
لذلك يهتم الدعاة المسلمون والمربون بالأطفال والشباب ، أكثر من اهتمامهم بالشيوخ
، فما سر ذلك ؟
1- الشباب
أقرب إلى الفطرة :
والفطرة هي
الإسلام ، الذي فطرهم الله عليه ، ولم يصل الانحراف عن الفطرة عندهم كما هو عند
بعض الرجال الجاهليين ، الذين شوه أعداء الإسلام تفكيرهم ، فحرفوهم عن الفطرة ،
فالشباب ألين أكباداً ، وأرق أفئدة ، وإن الله بعث محمداً بالحق بشيراً ونذيراً
فحالفه الشباب وخالفه الشيوخ .
وفي الأثر
(( نعرضوا للمطر فإنه حديث عهد بربه )) ، ويفهم الباحث أن المقصود بذلك أن المطر
ماء قريب جداً إلى الماء الفطري كما خلقه الله عز وجل ، صافياً يتركب من ذرتين من
الهيدروجين وذرة واحدة من الأكسجين ، بدون شوائب إلا ما وجد من غبار عالق في الجو
، أما بعد أن يجري الماء على سطح الأرض فإنه يحتوي على شوائب كثيرة ، حتى إذا زادت
تغير الماء ، وانحرف عن فطرته ...
وقياساً
على ماء المطر ، الماء الفطري ، يرى الباحث أن الأطفال يمثلون الفطرة ، وهذا هو
مدلول ( براءة الأطفال ) ، أما الشباب فإن جلهم أقرب إلى الفطرة وينبغي أن يكون الشباب المسلم على الفطرة ،
خاصة من نشأ منهم في بيت مسلم ، حافظ على فطرته من الانحراف .
أما الرجال
، فالمفروض أنهم في المجتمع المسلم على
الفطرة ، أو أقرب إلى الفطرة ، أما في المجتمع الجاهلي ، فتجد الرجال أكثر
انحرافاً عن الفطرة بمعنى أنهم اعتادوا
على المنكر والحرام حتى ألفوه والعياذ بالله .
وفي المجتمعات المعاصرة التي يعيش فيها المسلمون ،
ينبغي على الدعاة أن يوجهوا جل اهتمامهم
إلى الأطفال والشباب للأسباب السالفة الذكر ، ولا يهملوا الرجال البتة
2-
الشباب يمثل أغلبية الأمة :
وخاصة في
مجتمعاتنا العربية الفتية ، حيث تتزايد أعداد السكان ، فيشكل المجتمع الفتي هرماً
، قاعدته من الأطفال وقمته من الشيوخ ، لذا فالاهتمام بالشباب اهتمام بغالبية
الأمة من الناحية الكمية .
3- الشباب
هم رجال الغد ، وأمهات الجيل القادم :
فإذا أردت
أن تعرف ماهية الأمة وحقيقة أمرها ، فلا تسل عن ذهبها ورصيدها المالي ، ولكن انظر
إلى شبابها ، فإذا رأيته شباباً متديناً فاعلم أنها أمة جليلة الشأن قوية البناء ،
وإذا رأيته شباباً هابط الخلق ، منشغلاً بسفاسف الأمور ، يتساقط على الرذائل فاعلم
أنها أمة ضعيفة مفككة ، سرعان ما تنهار أمام عدوها ، فالشباب عنوان الأمة
([1]) .
والاهتمام
بالبنات لا يقل أهمية عن الاهتمام بالفتيان ، لأنهنّ صانعات الجيل القادم ،
فالفتيان هم جيل الغد ، والفتيات يصنعن الجيل الذي يليه ، فالاهتمام بالشباب إذن اهتمام
بجيلين قادمين من أجيال الأمة .
والاهتمام
بالشباب هو العناية بأرواحهم وضمائرهم ثم عقولهم وأجسادهم ، ويجب أن نهتم بهم أكثر
من اهتمامنا بالموارد الطبيعية ، والمصانع والمزارع ، لأن الإنسان أعظم ثروة في
الأمة .
4- الشباب
درع الأمة الذي يدفع عنها الأعداء :
فالجهاد
فريضة على المسلمين ، لتبليغ الرسالة ، والدفاع عن دار الإسلام {
... حتى لا
تكون فتنة ، ويكون الدين كله لله ... } (الأنفال 39) والجهاد ماض إلى يوم
القيامة ، ومن أحق بالجهاد من الشباب !؟ ومع أن صحابة رسول الله صلى الله عليه
وسلم كانوا يتسابقون إلى الجهاد شيباً وشباباً
وهذا ما يراه بعض المفسرين من قوله تعالى {
انفروا خفافاً وثقالاً ،
وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله } (التوبة :41) .
قال بعضهم
: خفافاً وثقالاً أي شباباً وشيباً ، وهو ما قاله أبو طلحة وابن عباس والحسن
البصري وعكرمة ومقاتل والضحاك وغير واحد
([2]) وإذا كان هذا الأمر خاصاً في غزوة تبوك ،
فالشباب أولى بالجهاد من الشيوخ ، لأنهم أقدر على الجهد والمشقة ، ولذلك تجند
الأمم شبابها بين الثامنة عشر والعشرين في الخدمة العسكرية الإلزامية ، لعدة أسباب
منها :
1- لأنهم
أقدر على تحمل الجهد الجسدي .
2- لأنهم
أقل من الشيوخ في مسؤولياتهم تجاه الآخرين ، فهم غير مسؤولين بعد عن الزوجة
والأولاد .
3- لأنهم
أكثر حماساً وعاطفة ، والحماس والغضب شرطان ضروريان للقتال .
5- مرحلة
الشباب تجمع الحيوية مع الوعي :
فبينما
تمتاز الطفولة بالحيوية والنشاط والحركة بدون وعي ، وتمتاز الكهولة بالوعي والحكمة
والخبرة لكن ينقصها النشاط والحيوية ، تمتاز مرحلة الشباب بأنها تجمع الحيوية
والنشاط والحركة مع الوعي والمعرفة إلى حد كبير .
6- لأن
فترة الشباب هي فترة الانتماء :
فبينما
يتمركز الطفل حول ذاته يتضح خط الغيرية عند الشباب ، ويصير مهتماً بالمجتمع
والبشرية ؟ فيبحث عن الحزب أو الجماعة أو الجمعية التي تسلك أفضل الطرق لإصلاح
الناس ؟ .
( ومن هذا
الخيط يسعى الشاب من جانبه إلى الانتماء ، كما تتسارع الجماعات والأحزاب إلى جذبه
من هذا الخيط ( الغيرية ) ... وتصل مشاعر الشباب في هذه الأمور إلى درجة الحماسة
المتوقدة ، وإلى درجة الفدائية والتضحية بالنفس في سبيل ما يرى أنه الحق . وتستغل
الجماعات والدول هذه المشاعر لما تريد تحقيقه ، فتجند طاقة الشباب وفدائيته ...
ومن أجل ذلك تستكثر التكتلات الحركية من الشباب بين أعضائها ، وتجند الدول جيوشها
من الشباب ) .
([3]) .
لذا فإن
أوليات التكوين الحركيفي الصحوة الإسلامية المعاصرة ينبغي أن ينصب على الشباب من
العمر ( 12-22 ) عاماً ، ثم تنصب على الأطفال من العمر ( 7-12) وهم أطفال ما بعد
التمييز ، وينصب اهتمام البيت المسلم والمسجد على الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة
، أما الرجال بعد التخرج من الجامعة فتوجه لهم ما يتبقى من جهود بعد الشباب
والأطفال