عبودية الجلوس للتشهد و معنى التحيات
و لما كان من عادة الملوك أن يحيوا
بأنواع التحيات من الأفعال و الأقوال المتضمنة للخضوع لهم ، و الذل ، و الثناء
عليهم و طلب البقاء ، و الدوام لهم ، و أن يدوم ملكهم.
فمنهم : من يحيّي بالسجود و منهم من
يحيي بالثناء عليه
و منهم : من يحيي بطلب البقاء ، و
الدوام له .
و منهم : من يجمع له ذلك كلّه فيسجد له
، ثم يثني عليه ، ثم يدعي له بالبقاء و الدوام.
و كان الملك الحق المبين ، الذي كل شيء
هالك إلا وجهه سبحانه أولى بالتحيات كلِّها من جميع خلقه ، و هي له بالحقيقة و هو
أهلها ؛ و لهذا فُسرت التحيات بالملك ، و فسرت بالبقاء و الدوام ، و حقيقتها ما
ذكرته ، و هي تحيات المُلك و المَلك و المليك.
فالله سبحانه هو المتصف بجميع ذلك ، فهو
أولى به فهو سبحانه المَلك ، و له المُلك ، فكل تحية تحي بها ملك من سجود أو ثناء
، أو بقاء ، أو دوام فهي لله على الحقيقة ؛ و لهذا أتى بها مجموعة معرَّفة بالألف
و اللام إرادة للعموم ، و هي جمع تحية ، تحيا بها الملوك ، و هي "
تُفعُلة" من الحياة ، و أصلها " تحييه" على وزن " تكرمه"
، ثم أدغم إحدى اليائين في الآخر فصارت " تحيَّة " فإذا كان أصلها من
الحياة ، و المطلوب منها لمن تحي بها دوام الحياة ، كما كانوا يقولون لملوكهم :
لك الحياة الباقية ، و لك الحياة
الدائمة.
و بعضهم يقول : عش عشرة آلاف سنة.
و اشتق منها :
أدام الله أيامك أو أيامه ، و أطال الله
بقاءك.
و نحو ذلك مما يراد به دوام الحياة و
الملك ، فذلك جميعه لا ينبغي إلا لله الحي القيوم الذي لا يموت.
الذي كل مَلكٍ سواه يموت ، و كل مُلك
سوى ملكه زائل.
عطف الصلوات و الطيبات
ثم عطف عليها الصلوات بلفظ الجمع و
التعريف ؛ ليشمل ذلك كلّما أُطلق عليه لفظ الصلاة خصوصا و عموماً ، فكلّها لله و
لا تنبغي إلا له ،فالتحيات له ملكاً ، و الصلوات له عبودية و استحقاقاً ، فالتحيات
لا تكون إلا لله ، و الصلوات لا تنبغي إلا له .
ثم عطف عليها بالطيِّبات ، و هذا يتناول
أمرين : الوصف و الملك.
فأما الوصفُ : فإنه سبحانه طيِّب ، و
كلامه طيِّبٌ ، و فعله كلّه طيب ، و لا يصدر منه إلا طيّب ، و لا يضاف إليه إلا
الطيِّب ، و لا يصعد إليه إلا الطيّب.
معنى الطيِّبات
فالطيبات له وصفاً و فعلاً و قولاً و
نسبةً ، و كلّ طيّب مضاف إليه طيّب ، فله الكلمات الطيبات و الأفعال ، و كلّ مضاف
إليه كبيته و عبده ، و روحه و ناقته ، و جنته دار الطيبين ، فهي طيبات كلّها ، و
أيضا فمعاني الكلمات الطيبات لله وحده ، فإنها تتضمن تسبيحه ، و تحميده ، و تكبيره
، و تمجيده ، و الثناء عليه بالآئه و أوصافه ؛ فهذه الكلمات الطيبات التي يثنى
عليه بها ، و معانيها له وحده لا شريك له : كسبحانك اللهمَّ و بحمدك وتبارك اسمك و
تعالى جدك و لا إله غيرك.
و كسبحان الله و الحمد لله ، و لا إله
إلا الله ، و الله أكبر.
و سبحان الله و بحمده ، سبحان الله
العظيم ، و نحو ذلك . و كلّ طيّب له و عنده و منه و إليه ، و هو طيّب لا يقبل إلا
طيّباً ، و هو إله الطيبين و ربهم ، و جيرانه في دار كرامته ، هم الطيبون.