تنطلق
التربية الإسلامية من الكتاب والسنة ، وتفهم سلوك الإنسان على ضوئهما ، ومن البدهي
اختلاف التربية الإسلامية عن غيرها من التربيات الجاهلية ، وخاصة في نظرتها إلى
الفرد والمجتمع .
ويتفق
المربون المسلمون مع علماء النفس الآخرين على أن المراهقة مرحلة انقالية بين
الطفولة والرشد ، لكن يختلفون معهم في أمرين :
1- هذه
الفترة الانتقالية أقصر مما يراها علماء النفس ، ويتعلق طولها بدرجة انحراف
المجتمع عن الإسلام . وهي الفترة التي تسبق البلوغ وتنحصر بين
( 12-14 )
.
2- ليس
القلق والاضطراب حتميين في هذه المرحلة ، وعندما يوجد مثل ذلك ، فلا يكون خاصاً
بهذه المرحلة وحدها ، وبعبارة أخرى ، الفرد القلق والمضطرب ؛ يبدأ عنده منذ
الطفولة وقد يستمر قلقه حتى الرشد .
يقول
الدكتور ماجد عرسان الكيلاني : ( إن فقدان هاتين الحاجتين من التربية الحديثة (
المثل الأعلى والعبادة ) ؛ أفرز مضاعفات سلبية أهمها ما سمي ب ( المراهقة ) .
فالمراهقة ليست ظاهرة حتمية في تطور العمر الزمني للإنسان ، إنها مشكلة يمكن
تجنبها كلياً في حياة الفرد ،
والمراهقة مرض من أمراض المجتمع الرأسمالي ،
فالمراهقة هي مصارعة طاقات وقدرات عقلية ونفسية وجسدية معطلة ومحبوسة ، وقد تجنبت
التربية الإسلامية مرض المراهقة حين أوجدت للشباب مثلاً أعلى يصرف طاقاته خلال
الجهاد في سبيله ، فوفرت للشباب فرص المشاركة جنباً إلى جنب مع الكبار خلال
المشاركة في العمل الجهادي والاجتماعي ) .
([1])ويقول
الدكتور عبدالرحمن العيسوي : ( النمو الجنسي في المراهقة لا يؤدي بالضرورة إلى
أزمات ، لكن النظم الاجتماعية الحديثة هي المسئولة عن أزمة المراهقة ، وكما تقول (
مارغريت ميد ) : في المجتمعات البدائية تختفي مرحلة المراهقة ، وينتقل الفرد من
الطفولة إلى الرشد مباشرة بعد احتفال تقليدي .
ثم يقول
العيسوي : وللمراهقة أنواع :
1- مراهقة
سوية خالية من المشكلات والصعوبات . ( عندئذ لا تسمى مراهقة ) .
2- مراهقة
انسحابية يميل فيها الفرد إلى العزلة .
3- مراهقة
عدوانية .
([2])ثم يقول
العيسوي تحت عنوان : ( أسطورة العاصفة ) :
هناك عدد
كبير من المراهقين الأسوياء ، وتؤكد الدراسات الحديثة أن المراهقة ليست بالضرورة
وبالطبيعة ، مرحلة عواصف وضغوط ، ففي بعض الدراسات لم تزد نسبة المضطربين منهم على
( 20٪ ) ، وغالبية المضطربين تنحدر من بيوت غير سعيدة
([3])وفي دراسة
صموئيل مغاريوس( 1957م ) ، عن أشكال المراهقة في مصر ، حيث استطلع أحوال المراهقين
المصريين وصور مراهقتهم ، وكانت العينة مكونة من (90) طالباً في كلية التربية
بجامعة عين شمس ن حيث طلب الباحث منهم كتابة موضوع عنوانه : ( دراسة المراهق ( س )
والظروف التي لابست مراهقته ) ، وعبر عن أمله في أن يكتب كل منهم عن نفسه ، وبعد
تحليل الكتابات وجد الباحث أربعة اشكال للمراهقة في مصر هي :
1-
المراهقة المتوافقة ( الهادئة ) .
2-
المراهقة الانسحابية الانطوائية .
3-
المراهقة العدوانية المتمردة .
4-
المراهقة المنحرفة .
وتتصف
المراهقة المتوافقة بالاعتدال والهدوء النسبي والميل إلى الاستقرار والإشباع
المتزن ، خالية من العنف ، والتوتر الحاد ، متوافقة مع الوالدين والاسرة والمجتمع
.
ورد الباحث
المصري ذلك إلى المعاملة الأسرية السمحة ، المتصفة بالفهم واحترام رغبات المراهق ،
وتوفير جو من الثقة والصراحة مع الوالدين ، وشغل وقت الفراغ بالنشاط الاجتماعي
والرياضي ، والتدين ، وتسامي النواحي الجنسية والانصراف بالطاقة إلى الرياضة
والثقافة الأدبية والدينية . أما المراهقة العدوانية المتمردة فردها إلى التربية
الضاغطة المتزمتة في الأسرة ، والصحبة السيئة ، وخطأ الوالدين في التوجيه . وعلل
الباحث المصري المراهقة المنحرفة بانعدام الرقابة الأسرية وتجاهل رغبات المراهق
وحاجات نموه .
ويعلل
الباحث الحالي سلوك المراهقة بأثر الأرة على الطفل ، فكل مرحلة زمنية بما فيها من
حوادث وتطورات تؤثر على ما سوف يتلوها من مراحل زمنية ، كما أنها تأثرت بما سبقها
، فالطفولة تؤثر في المراهقة ، والمراهقة تؤثر في الشباب ، وهذا معنى ( من شب على
شيء شاب عليه ) ، بالإضافة إلى آثار المجتمع الأخرى كالشارع والمسجد والمدرسة ،
بالتالي فلا يرى حتمية القلق والتوتر والطيش في المراهقةكمرحلة نمو طبيعية لكل فتى
، من خلال البحث المذكور .
ويقول
الشيخ محمد قطب : ( نحن في فترة (( انقلاب )) شامل ، ومع كائن جديد لا يريد أن
يكون طفلاً ،والتغيرات الجسدية هي مركز ذلك الانقلاب ،لكن إشعاعاته تشمل النفس
كلها ) ، ( يريد أن يعامل كرجل ، فماذا علينا لو أعطيناه ذلك !؟ وبدأنا في تدريبه
فعلياً على الحياة ) ، ( والمشكلة الكبرى التي تتحدث عنها كتب التربية وعلم النفس
في هذه الفترة هي مشكلة الجنس ، وليس للجنس مشكلة في الإسلام ، فقد خلقه الله ككل
طاقة حيوية ليعمل لا ليكبت ، إنه يقره مثل الدوافع كلها ، ثم يقيم أمامها حواجز لا
تغلق مجراها ولكن ترفعها وتضبط مجراها ، أشبه بالقناطر تقام أمام التيار (( النهر
)) . والجاهلية تعترف بضرورة التنظيم والضبط لكل دوافع الفطرة إلا الجنس ) .
([4])
36- ماجد عرسان الكيلاني ، فلسفة التربية الإسلامية ، ص 112 .
37- عبدالرحمن العيسوي ، ص 39 .
38- المرجع نفسه ، ص 50 .
39- محمد قطب ، منهج التربية الإسلامية ، ( 2/196) وما بعدها بتصرف .