وبعد
استعراض ما سبق ، ثم التمعن في المجتمعات المعاصرة يتضح ما يلي :
1- يزيد
طول فترة المراهقة في المجتمعات الصناعية ، حتى أننا نجد تناسباً طردياً بين
التحضر العصري وفترة المراهقة القلقة . ومن المذهل أن معدل سن البلوغ يهبط ويتقدم
في المجتمعات الصناعية ... - خلافاً لما يعتقد لدى العامة – وبذلك تزيد فنرة
المراهقة طولاً ، لأنها تتقدم في البداية ، وتتأخر عند نهايتها ، يقول رينيه دوبو
:
( والعوامل المسئولة عن هذه التغيرات المدهشة في
سرعة النضوج الجسمي والجنسي ليست مفهومة تماماً ، ففي النروج هبط معدل البلوغ عند
الفتيات من (17) سنة حسب عام (1850م) إلى (13) سنة حسب عام (1960م) ، ونقلت
مشاهدات مشابهة من كل الدول الغنية ، وهناك شواهد على أن النضوج الجنسي المبكر ظهر
أولاً في الطبقات الغنية
([1]) وهذا التسارع الفيزيولوجي يزيد من المصاعب
السلوكية عند المراهقين ، بخاصة إذا كانوا يعاملون كالأولاد ، كما هو الحال في
مجتمعنا
(( الغربي )) الذي يميل بازدياد إلى عدم إعطاء
الفتيان والفتيات الفرصة للقيام بنشاطات مسؤولة ، مع أنهم مبكرون في نموهم الجسدي
والنفسي )
([2]) . ( والحاجة إلى تحقيق الذات مطلب نفسي مهم
للمراهق ، ينبع من داخل نفسه ، .. لكن المجتمع الحديث – غالباً – ما يواجهه بنكران
شديد ، وإهمال بالغ ، وغالباً ما تكون مواقف الكبار مخيبة لآمال المراهقين ...
ويقوم النظام الاجتماعي والتربوي الحديث بتطويل فترة الطفولة والاعتماد على الغير
، حيث لا ينتهي الفرد من التعليم العام إلا في سن الثامنة عشر ، ثم عليه أن يستمر
في الجامعة إلى سن الثالثة والعشرين ، وهو في كل ذلك تابع ، وعالة على المجتمع :
مالياً ، وثقافياً ، واجتماعياً لا عمل له سوى الاستقبال فقط . إن المجتمع بذلك
يصادم متطلبات تلك المرحلة وحاجاتها الطبيعية ، مما يؤدي إلى انحراف المراهق ، أو
ضياعه ، أو على الأقل إهدار طاقاته ، وهكذا كلما اصطدمنا بالفطرة وقع الانحراف ...
)
([3])فالشاب الذي لا تستنفذ المدرسة طاقاته مراهق ، والشاب الذي لا عمل له مراهق متطرف
، والشاب الذي يعمل بعض الوقت ، بحيث لا يمتص العمل طاقاته كلها ؛ مراهق أيضاً .
2- ترتفع
نسبة المراهقين القلقين في المجتمعات الصناعية ، بحيث نجد تناسباً طردياً بين
التحضر العصري وعدد المراهقين القلقين .
المراهق
العربي :
وفي دراسة
([4]) على مجموعة من المراهقين الخليجيين العرب تم
اختيارها بصورة عشوائية ممن تتراوح أعمارهم بين ( 11- 18 ) سنة من أبناء الطبقة
الوسطى ، بلغ عددهم (380) مراهقاً ، أشارت نتائج الدراسة إلى :
1- (50٪)
يشعرون ببعض الآلام الجسمية .
2- (7ر73٪)
راضون عن المدرسة ، وما يلقونه من الرعاية والاهتمام .
3- لا تتسم
المراهقة العربية بالانطواء ، ولا تعاني من الأمراض النفسية فقد وجد أن (8ر15٪)
يشعرون بالقلق ، و (2ر13٪) يشعرون بالتوتر ، و (6ر2٪) يشعرون بالانطواء ، بينما
(6ر81٪) يشعرون بالسعادة .
4- (8ر36٪)
يشعرون أن وجهات نظرهم تختلف عن نظرة الأهل . بينما وجد (6ر31٪) تختلف كثيراً مع
الأسرة .
5- (5ر89٪)
تصف طفولتها بأنها كانت سعيدة ، أي أن الأسرة في مجتمع العينة كانت على وعي ديني
وتربوي ونفسي وطبي ، بحيث متعت أطفالها بالسعادة .
6- (4ر18٪)
ترى أن الأسرة مازالت تنظر إليهم كأطفال . بينما نجد (6ر81٪) يقولون إن الأسرة
تسمح لهم بالتعبير عن رأيهم .
7- (4ر97٪)
يقرون أن علاقاتهم بأسرهم أهم من علاقاتهم بأصدقائهم . مع أن (7ر94٪) يقولون إن
لديهم صداقات حميمة مع أقرانهم .
8- (5ر89٪)
يساعدون والدهم في عمله ، بينما نجد (9ر78٪) يمارسون الرياضة ، و (1ر71٪) يشاهدون
التلفزيون .
ويقول
الدكتور العيسوي : ( ... ومنها اتضح إلى أي مدى يختلف المراهق العربي عن زميله في
المجتمعات الغربية )
([5]).
وتؤكد
نتائج هذه الدراسة أن القلق والاضطراب ليسا أمرين حتميين في هذه المرحلة ، كما
تؤكد أن المراهقة مرض جاهلي ، ففي مجتمع العينة ( المجتمع العربي المسلم في الخليج
) ما زالت فيه بعض الحياة الإسلامية ، وخاصة في ميدان الطفولة ، ويبدو الاهتمام
بالطفل يجنبه القلق والاضطراب في مرحلة المراهقة .
إذن لا
ينحصر القلق والاضطراب في فترة المراهقة فقط ، لأنهما ليسا نتيجة لازمة عنها ،
وإنما القلق والاضطراب يعمان حياة بعض الناس منذ الطفولة وحتى الموت ، وسبب ذلك
ليس المراهقة ، وإنما هو الانحراف عن منهج الله عز وجل الذي فطر الناس عليه .
فالطفل
الذي تعمل أمه خارج البيت ، وتتركه للحضانة ، أو المربية ، هذا الطفل أكثر قلقاً
من الآخر الذي تحضنه أمه ؛ ربة البيت التي تعمل داخل بيتها ، بين أطفالها ، ولا
تعمل خارج البيت ، وأطفال المجتمعات المصنعة انصرف عنهم آباؤهم لكثرة مشاغلهم في
الدنيا ، ولكثرة انشغالهم بملذاتهم الخاصة ، ولذلك نجد أطفال المجتمع الزراعي أقل
قلقاً منهم ، لأن أطفال المجتمع الزراعي يصرفون طاقاتهم في اللعب ،ثم في العمل
المبكر ، والشيوخ في المجتمع الصناعي تخلى عنهم أبناؤهم ، وأودعوهم في دور العجزة
، أو تركوهم يموتون وحدهم ، لا يعلم بهم أحد من الناس ، حتى تنتشر رائحة جثثهم ،
فتهرع البلدية إليها . أما الشيوخ في المجتمع الزراعي فهم أكثرحظا ً ورعاية
واحتراماً من قبل أبنائهم .
المشكلة
إذن مشكلة الإنسان الجاهلي ، لأنه انحرف عن شريعة الله عز وجل ، وأحاط نفسه بقيم
وعادات جاهلية لا تناسبه ولا تصلح لحياته الإنسانية .
ومن المؤكد
لدى علماء النفس ، كما يقول العيسوي ، وكما وضحته الدراسة السابقة الذكر أن (
المراهقة تختلف من فرد إلى فرد ، ومن بيئة جغرافية إلى أخرى ، وكذلك تختلف باختلاف
الأنماط الحضارية التي يتربى في وسطها المراهق ، فهي في المجتمع البدائي تختلف
عنها في المجتمع المتحضر ، كذلك تختلف في مجتمع المدينة عنها في المجتمع الريفي )
([6]).
فالنظم
الاجتماعية الحديثة هي المسئولة عن أزمة المراهقة ، وفي المجتمعات البدائية – كما
تقول مارغريت ميد – ينتقل الطفل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرجولة ن بمجرد إقامة
حفل تقليدي له ، ويعهد إليه بمسئوليات الرجال ، فيقوم بالصيد والرعي ، ويتزوج
ويكوّن أسرة ، وبذلك تختفي مرحلة المراهقة من هذه المجتمعات البدائية ، لأنها
خالية من الصراعات والانحرافات التي يقاسي منها المراهق في المجتمعات المتحضرة .
ويقول العيسوي معقباً على الدراسة المذكورة سابقاً :
( ويبدو أن الحياة في مجتمع العينة ( الخليجي ) من
السهولة والبساطة ، بحيث تنطبق على هؤلاء المراهقين ملاحظات عالمة الانثربولوجيا
الاجتماعية (( مارغريت ميد )) من أن ما
يعانيه المراهق من مشكلات في المجتمعات الغربية هو وليد الحضارة الغربية ، وما
تمتاز به ، لا من كونه ناتجاً عن ظرف النمو الجسمي الطبيعي )
46- رينيه دوبو ، ص 118 .
47- المرجع نفسه ، ص 122 .
[3] - عبدالعزيز النغيمشي ، ص
32 .
49- عبدالرحمن العيسوي ، ص 77 .
50- عبدالرحمن العيسوي ، ص 126 .
51- عبدالرحمن العيسوي ، ص 38 .