الفتوحَات
في عَهدِ عثمان
· لقد
كان عهد عثمان رضي الله عنه مليئاً بالفتوحات، وهي تتمة لما كان أيام الخليفة
السابق له وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولقد استمرت هذه الفتوحات في البر
والبحر مدة عشرة أعوام إلا ان ما حدث في العامين التاليين لها من فتنة، قد جعلها
تنسى فطغت الفتنة حتى حسب الناس في عهد عثمان لم يكن سوى فتنة واختلاف نشأت من
بيعته ودامت بقية حياته التي انتهت باستشهاده.
كان
أمير الشام معاوية بن أبي سفيان قد قام بغزو الروم ووصل إلى عمورية قريباً من انقرة
اليوم، وكان معه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة بن الصامت، وأبو
أيواب الأنصاري خالد بن زيد، وأبو ذر الأنصاري، وشداد بن
أوس.
لقد
فتح المسلمون مناطق واسعة، وكان عدد جندهم قليلاً بالنسبة إلى تلك الأراضي الشاسعة،
وبالنسبة إلى أعداد أعدائهم الكبيرة، وهذا ما جعلهم لا يتركون في المناطق التي
يصالحونها إلا الجند القليل، ولا يبقون في البقاع التي يفتحونها إلا العدد الضئيل،
وبخاصةٍ أنه كانت هناك جبهات مفتوحة، وثغور يجب حمايتها، ومراكز يجب الدفاع عنها
والتجمع فيها للإمدادات في الأوقات اللازمة، كل هذا جعل عدد المسلمين قليلاً في
البلاد المفتوحة حديثاً، وجعل أهلها يشحون في دفع الجزية، ويظنون أن بمقدورهم هزيمة
المسلمين وقتالهم، وأن ما حدث معهم في المرة الأولى لم يكن سوى أخطاء ارتكبوها وقد
عرفوها فيما بعد، ثم يتحسرون على عزهم الزائل وأيام مجدهم الخالية، لذا كانوا
يتحينون الفرص للانقضاض على المسلمين ونقض عهودهم معهم - هكذا النفس البشرية - ومن
هنا كان نقض العهد كثيراً. وقد انتهز الفرس والروم في المناطق التي دخلها المسلمون
وفاة خليفتهم عمر بن الخطاب، ونقضوا العهد، وظنوا أن أمر المسلمين قد ضعف، ولكنهم
فوجئوا بأن قوة المسلمين على ما هي عليه لم تختلف أيام عمر عن أيام عثمان الخليفة
الجديد، وقد أدب المسلمون خصومهم مرة ثانية.
الجبهة
الغربية :
نقضت
الإسكندرية عهدها عام 25 هـ، فسار إليها أمير مصر عمرو بن العاص، وقاتل أهلها
وأجبرهم على الخضوع، والعودة إلى عهدهم.
وكان
عمر بن الخطاب قد منع عمرو بن العاص من الانسياح في إفريقية بعدما فتح طرابلس، إلا
أن عثمان بن عفان قد سمح بذلك، وأرسل عبدالله ابن سعد بن أبي سرح على رأس قوة،
فاجتاز طرابلس، واستولى على سفن للروم كانت راسية هناك على الشاطىء ثم واصل سيره في
أفريقيه والتقى بجيوشٍ للبيزنطيين عام 27 هـ في موقع يقال له (سبيطلة) في جنوب غربي
القيروان التي لم تكن قد أسست بعد، وقد قَتَل عبدالله بن الزبير، وكان مع الغزاة في
تلك الموقعة القائد البيزنطي (جرجير)، وكان ذا أثر فعّال في الانتصار الذي أحرزه
المسلمون على الروم، إلا أن عبدالله بن سعد بن أبي سرح قد اضطر إلى عقد معاهدة
للصلح مع البيزنطيين مقابل جزية سنوية يدفعونها على أن يخلي إفريقية، وكان ذلك
الاضطرار بسبب سيره إلى مصر لمواجهة النوبة الذين هددوا مصر من ناحية
الجنوب.
وفي
أيام عمر بن الخطاب ألح أمير الشام معاوية بن أبي سفيان على الخليفة عمر في غزو
البحر وقرى الروم من حمص وقال : إن قرية من قرى حمص ليسمع أهلها نباح كلابهم وصياح
دجاجهم، حتى كاد ذلك يأخذ بقلب عمر، فكتب عمر إلى عمرو بن العاص : صف لي البحر
وراكبه، فإن نفسي تنازعني إليه، فكتب إليه عمر : إني رأيت خلقاً كبيراً يركبه خلق
صغير، إن ركن خرق القلوب، وإن تحرك أزاغ العقول، يزداد فيه اليقين قلةً، والشك
كثرةً، هم فيه كدودٍ على عودٍ، إن مال غرق، وإن نجا برق. فلما قرأه عمر كتب إلى
معاوية : (لا والذي بعث محمداً بالحق لا أحمل فيه مسلماً أبداً). فلما ولى عثمان لم
يزل به معاوية، حتى عزم على ذلك بأخرة، وقال : لا تنتخب الناس، ولا تُقرع بينهم،
خيّرهم، فمن اختار الغزو طائعاً فاحمله وأعنه، ففعل، واستعمل على البحر عبدالله بن
قيس الجاسي(1)
حليف بني فزارة.
غزا
معاوية قبرص وصالح أهلها على سبعة آلاف دينار يؤدونها إلى المسلمين كل سنة وذلك عام
28 هـ، وساعد أهل مصر في تلك الغزوة بإمرة عبدالله ابن سعد بن أبي سرح، فلما وصل
إلى قبرص، كان معاوية على الناس جميعاً، وكان بين الغزاة من صحابة رسول الله صلى
الله عليه وسلم عبادة بن الصامت، والمقداد بن عمرو، وشداد بن أوس، وأبو ذر الغفاري،
وكانت مع عبادة بن الصامت زوجه أم حرام. وغزا حبيب بن مسلمة بعض أرض سورية التي
كانت لا تزال بيد الروم وذلك عام 28هـ.
___________________
(1) غزا
عبدالله بن قيس خمسين غزاة من بين شاتية وصائفةفي البحر، ولم يغرق فيه أحد ولم
ينكب، وكان يدعو الله أن يرزقه العافية في جنده، وألا يبتليه بمصاب أحد منهم، حتى
إذا أراد الله أن يصيبه وحده، خرج في قارب طليعة، فانتهى إلى المرقى من أرض الروم،
وكان هناك ناس يسألون فتصدق عليهم، فرجعت امرأة من الذين كانوا يسألون إلى القرية،
وقالت : هل لكم في عبدالله بن قيس ؟ قالوا : وأين هو ؟ قالت : في المرقى، قالوا :
ومن أين تعرفين عبدالله بن قيس ؟ قالت : كان كالتاجر، فلما سألته أعطاني كالملك،
فعرفت أنه عبدالله بن قيس. فثاروا إليه، فتجمعوا عليه، وقاتلوه حتى أصيب وحده،
وأفلت الملاّح حتى رجع إلى أصحابه، فتسلم الإمرة بعده سفيان بن عوف
الأزدي.
معركة
ذات الصواري :
وفي
عام 31 هـ جرت معركة بحرية حاسمة بين المسلمين والروم بالقرب من شواطئ كيليكيا، وهي
التي تعرف بذات الصواري، وعرفت بذلك لأن صواري السفن ربطت بعضها مع بعض المسلمة
والرومية، وذلك بعد أن أمن بعضهم بعضاً واختار الروم قتال البحر، وكان قائد
المسلمين أمير مصر عبد الله ابن أبي سرح، وقائد الروم الإمبراطور نفسه قسطنطين
الثاني الذي كان يقود أكثر من خمسمائة سفينة، ومع ذلك فقد فرّ من المعركة، وهزم
الروم شرّ هزيمة. وكانت صواري السفن من أشجار السرو والصنوبر وهذا ما يدل على أهمية
الأشجار والغابات لكلا الطرفين، وجبال تلك الشواطئ كانت مليئة بهذه الأنواع من
الأشجار.
وفي
عام 33 هـ غزا أمير الشام معاوية بن أبي سفيان حصن المرأة من أرض الروم قرب ثغر
ملاطية.
ونقضت
إفريقية العهد عام 33 هـ فسار إليها أمير مصر عبدالله بن سعد ابن أبي سرح ففتحها
ثانية، وأجبر أهلها على الخضوع والعودة إلى دفع الجزية بعدما
منعوها.
الجبهة
الشرقية :
غزا
الوليد بن عقبة أذربيجان وأرمينيا، وكان أهلهما قد منعوا ما صالحوا عليه حذيفة بن
اليمان أيام عمر بن الخطاب، وكان على مقدمة الوليد سلمان بن ربيعة الباهلي، واضطر
سكان المنطقتين إلى المصالحة من جديد.
وأمد
أهل الكوفة أهل الشام بثمانية آلاف رجل بإمرة سلمان بن ربيعة الباهلي، وذلك عندما
كان حبيب بن مسلمة بن خالد الفهري يغزو أرمينيا من الغرب، فاجتمع له عدد كبير من
جند الروم الأمر الذي أخافه وطلب المدد فأنجده الوليد بن عقبة بسلمان بن ربيعة
الباهلي.
وسار
أمير خراسان عمير بن عثمان بن سعد غازياً حتى وصل إلى فرغانة وذلك عام 29هـ، كما
سار في العام نفسه أمير سجستان عبد الله بن عمير الليثي فوصل إلى كابل، وانطلق أمير
كرمان عبيدالله بن معمر التميمي فوصل إلى نهر السند. وانتفض أهل اصطخر فسار إليهم
عبدالله عامر بن كريز أمير البصرة، وعلى مقدمته عثمان بن أبي
العاص.
وسار
أمير الكوفة سعيد بن العاص يريد خراسان ومعه الحسن والحسين ابنا علي بن أبي طالب،
وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن الزبير، إلا أن أمير البصرة
عبدالله بن عامر قد سبقه نحو خراسان الأمر الذي جعل سعيداً يسير إلى قومس وهي لا
تزال على الصلح الذي أعطته لحذيفة بن اليمان بعد معركة نهاوند، ومن قومس سار إلى
جرجان فصالحه أهلها على مائتي ألف، وسار نحو الشمال حتى وصل إلى الصحراء، ولكن أهل
جرجان لم يلبثوا أن كفروا واستمروا في قطع الطريق حتى تولى أمر خراسان قتيبة بن
مسلم الباهلي.
وسار
عبدالله بن عامر إلى فارس بعد أن انتفضت، فافتتحها وهرب يزدجرد إلى كرمان، فأرسل في
أثره مجاشع بن مسعود السلمي ففر يزدجرد إلى خراسان، وطلب المال من مور فمنعه، ثم
التجأ إلى رجل على شاطئ نهر مورغاب يعمل في نقر أحجار الرحى
فقتله.
ووصل
عبد الله بن عامر إلى خراسان، وكانت قد انتفضت، وكان الأحنف بن قيس على مقدمته،
ففتح طوس، وأبيورد، ونسا، وبلغ سرخس، وصالح أهل مرو، وأعاد فتح
خراسان.
وفي
عام 32 هـ كتب عثمان إلى أمير الكوفة سعيد بن العاص أن أرسل سلمان بن ربيعة الباهلي
للغزو في منطقة الباب، فسار سلمان إليها، وكان عبدالرحمن بن ربيعة الباهلي يخوض
معركة ضد خصومه، فاستشهد فيها وتفرق المسلمون هناك، فمنهم من سار إلى جيلان وجرجان
ومنهم أبو هريرة وسلمان الفارسي، ومنهم من سار نحو سلمان بن ربيعة الباهلي فحماه،
وكان على الحرب مع سلمان حذيفة بن اليمان، وطلب عثمان من أهل الشام في أرمينيا
بإمرة حبيب ابن مسلمة أن ينجدوا سلمان بن ربيعة الباهلي في منطقة الباب
ففعلوا.
وعادت
خراسان فانتفضت من جديد فبعث عبدالله بن عامر الأحنف بن قيس إلى مرو الروذ فصالح
أهلها، واجتمع عليه أهل (الطالقان) و (فارياب) و (الجوزجان) و (طخارستان) فانتصر
عليهم بإذن الله، وصالح أهل (بلخ)، وأرسل الأقرع بن حابس إلى (الجوزجان) ففتحها. ثم
عاد الأحنف إلى خراسان مرة ثالثة في عام 33 هـ . وهكذا فقد كانت الفتوحات أيام
سيدنا عثمان بن عفان واسعة إذ أضافت بلاداً جديدة في أفريقية وأرمينيا وأجبرت من
نقض العهد إلى الصلح من جديد في فارس وخراسان وباب الأبواب وضمت إلى ذلك فتوحات
جديدة من بلاد السند وكابل وفرغانة .