السحاب والبحار:
أوضحنا العلاقة بين البحار وتكوين الرياح وذلك كمدخل لدراسة نشأة السحاب
والذي يتكون نتيجة امتصاص البحار والمحيطات لطاقة الشمس إلى غاز " بخار الماء " حيث
تصعد الرياح إلى أعلى حتى تصل به إلى طبقات الجو العليا حيث الهواء البارد، والذي
يجعل جزيئات الماء تتقارب وتتقارب حتى تصير حبيبات من الماء، ثم تتجمع حبيبات الماء
حول ذرات الغبار التي تحملها الرياح، وعندما يبرد الهواء أكثر تكبر الحبيبات حتى
تصبح سحاباً، مصداقاً لقوله تعالى في سورة الذاريات (والذاريات
ذرواً * فالحاملات وقراً * فالجاريات يسراً ). حيث أن الرياح تذرو
التراب والسحاب الذي يحمل حبيبات الماء ثم السفن التي تجري في البحر بسهولة ويسر
مما يؤكد إعجاز الآيات القرآنية وسبقها العلم الحديث في كشف وإيضاح كيفية نشأة
وتكوين السحاب، ثم نجد الرياح والتي ترسل السحب لآلاف من الأميال مصداقاً لقوله
تعالى في سورة فاطر : (والله الذي
أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك
النشور ).
ولولا بخار الماء لما صعد السحاب عالياً إلى طبقات الجو العليا حيث ما
يعرف علمياً الآن " نويات
التكاثف " حيث إن الرياح هي التي تغذي السحب المثقلة ببخار الماء حيث يتم تجميع
جزيئات بخار الماء حولها فتتكون بذلك قطرات صغيرة الحجم ودقيقة من الماء، أو بلورات
الثلج وتكون متماسكة لدرجة أن مجرد نسمة تبقيها على حالها معلقة في الهواء، وإذا
غابت نويات التكاثف هذه من سحابة فإنها لا تمطر أبداً رغم وجود بخار الماء بها، لذا
فالعلاقة طردية حيث إذا زادت زاد المطر وإذا قلت فإن المطر يقل بالتبعية، ثم تستمر
الرياح في تلقيح السحاب بإمداده ببخار الماء ونويات التكاثف لذا كان النبي صلى الله
عليه وسلم يدعو دائماً " اللهم لقاحاً لا عقيماً " وذلك لأن الرياح تلقح السحاب،
وكذلك تنقل حبوب اللقاح من زهرة لأخرى، وهو أيضاً ما توضحه الآيات الكريمة في سورة
الحجر: (وأرسلنا
الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين ).
وكذلك في سورة الروم : (الله الذي
يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفاً فترى الودق يخرج
من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون ).
حيث يكون السحاب كسفاً أي : قطعاً مجزأة، ثم يؤلف
الله بينه ليكون سحاباً ركامياً
يخرج منه الودق، أي : المطر، وهذه السحب الركامية تبدأ على هيئة وحدات تلتحم مع
بعضها فيكبر حجمها ويهطل منها المطر، وهي وحدها التي تجود بالبرد وتشحن بالكهرباء،
مما ينجم عنه ظاهرة البرق والتي تسبب العمى المؤقت للناظر له عن قرب، ففي سورة
الطور (وإن يروا
كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم).
وكذلك النور (الم تر أن
الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من
السماء من جبال فيها من برد فيصيب من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب
بالأبصار ).
وقد أوضحت الحقائق العلمية دقة التشبيه القرآني البليغ، حيث تشبيه
السحاب الركامي بالجبال، حيث ثبت بالفعل أن هذا السحاب يعلو كالجبال، ويلاحظ ذلك
بصورة أوضح لراكب الطائرة وهي تعلو فوق السحب أو تسير بينها، فإذا المشهد مشهد
الجبال حقاً بضخامتها ومساقطها وارتفاعاتها وانخاضاتها، وهو تعبير مصور للحقيقة
التي لم يرها الناس إلا بعدما ركبوا الطائرات، كما أن البرد يدفئ الجو، ومرد ذلك
أنه يمتلئ الجرام الواحد من الماء بحوالي 80 سعراً حرارياً، وهذه الحرارة تتسبب في
رفع درجة حرارة الجو ارتفاعاً قليلاً. ثم هناك العلاقة المباشرة والربط بين الرياح
والسحب نجده في سورة البقرة : (وتصريف
الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون).
حيث إنه كما أوضحنا أن الجبهة السطحية للهواء الساخن فوق الهواء البارد
فإن كتلة الهواء الساخن تتخلف عن كتلة الهواء البارد، حيث تبذل الجبهة الساخنة طاقة
أكبر للصعود لأعلى، وبما أن الهواء الساخن لا يحمل درجة رطوبة عالية لذا فتكون
الرياح ساخنة وجافة إعمالاً لقوله تعالى في سورة الروم: (ولئن أرسلنا
ريحاً فرأوه مصفراً لظلوا من بعده يكفرون ). فتكون هذه الرياح مفسدة
للنبات والزرع، أما إذا كانت الرياح الساخنة مرطبة لدرجة معقولة ـ أي مشبعة ببخار
الماء لحد معين ـ فإن ذلك يشير إلى احتمال نزول ماء المطر، وأما إذا كانت الكتلة
الهوائية مشبعة بحبيبات الماء فتكون أثقل من الهواء فتسقط مطراً.
في سورة الأعراف: (وهو الذي
يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت
فأنزلنا به الماء ).
أو تكون السحابة داكنة وينزل الغيث، قال تعالى في سورة البقرة :
(أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من
الصواعق حذر الموت والله محيط والله محيط بالكافرين ).
ثم جاء العلم الحديث ليستطيع إسقاط المطر صناعياً، فاعتقد الغرب أنه قد
أحدث معجزة مع أنه يعتمد على مادة أيوديد الفضة Silver
Iodideوهو عبارة عن مركب كيميائي أصفر اللون يمكن استخدامه لتحفيز السحب
الركامية على الهطول، ويسلب عواصف البرد العاتية قوتها المدمرة عن طريق استخدام
المادة لتكسير السحب قبل أن تحدث تلك الأضرار الناتجة عن حبات البرد، والتي تخرب
الحقول والمزارع، أي أنهم لا يقوموا بإحداث تغيرات في دورة الحياة أو التحكم فيها،
بل إن كان ما فعلوه هو تحفيز السحب بعد تكوينها ـ انتهاء دورة المياه ـ على الهطول
أو تخفيف كتلة السحاب ولكن الذي ينزل ماء المطر هو الله ـ سبحانه وتعالى ـ وحده
: (والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية
لقوم يسمعون)[سورة النحل].
حيث يقول الخالق إن نزول المطر مرتبط بأمره ومشيئته الإلهية فقط، لذا
يحذر هؤلاء القوم ألا يغتروا في أنفسهم أو ينسبوا فضلاً لا يستحقونه لأنفسهم، فيوجه
له القول في القرآن : (قل أرأيتم
إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين )[سورة
الملك].
وكذلك سورة المؤمنون(وأنزلنا من
السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون).