المسح
على الخفين
تعريف
المسح على الخفين:
هو
إصابة اليد المبتلة بالماء لخف ساتر الكعبين فأكثره من جلد ونحوه ظاهر الخفين لا
باطنهما ليوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمالكية، ولم يحدد المالكية مدة
المسح.
حكم
المسح على الخفين:
هو
رخصة، وجائز في المذاهب الإسلامية الأربعة، في الحضر والسفر للرجال
والنساء.
شروط
المسح على الخفين:
هناك
شروط ثلاثة متفق عليها فقهاً، وشروط مختلف فيها بين الفقهاء، ومن المعلوم أنها
جميعاً شروط في المسح لأجل الوضوء، أما من أجل الجنابة فلا يجوز المسح، أي فلا يجوز
المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل، لحديث صفوان بن عسال المتقدم: "أمرنا النبي
صلى الله عليه وسلم أن نمسح على الخفين، إذا نحن أدخلناهما على طهر، ثلاثاً إذا
سافرنا، ويوماً وليلة إذا أقمنا، ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولا نوم، ولا نخلعهما
إلا من جنابة".
الشروط
المتفق عليها:
اتفق
الفقهاء على اشتراط شروط ثلاثة في المسح على الخفين لأجل الوضوء وهي ما
يأتي:
1- لبسهما
على طهارة كاملة:
لحديث المغيرة السابق، قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأهويت لأنزع
خفيه، فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما" متفق عليه، واشترط
الجمهور أن تكون تلك الطهارة بالماء، وأجاز الشافعية: أن تكون الطهارة
بالماء من وضوء أو غسل، أو بالتيمم لا لفقد الماء.
وقد
جعل المالكية
هذا الشرط مشتملاً على شروط خمسة في الماسح هي:
الأول-
أن يلبس الخف على طهارة، فإن لبسه محدثاً، لم يصح المسح
عليه.
الثاني-
أن تكون الطهارة مائية، لا ترابية، وهذا شرط عند الجمهور غير الشافعية فإن
تيمم ثم لبس الخف، لم يكن له المسح عند الجمهور، لأنه لبسه على طهارة غير
كاملة، ولأنها طهارة ضرورة بطلت من أصلها، ولأن التيمم لا يرفع الحدث، فقد لبسه وهو
محدث.
وقال
الشافعية:
إن كان التيمم لفقد الماء فلا يجوز المسح بعد وجود الماء، وإنما يلزمه إذا وجد
الماء نزع الخفين والوضوء الكامل. أما إن كان التيمم لمرض ونحوه، فأحدث فله أن يمسح
على الخف.
الثالث-
أن تكون تلك الطهارة كاملة، بأن يلبسه بعد تمام الوضوء أو الغسل، الذي لم ينتقض فيه
وضوءه. فإن أحدث قبل غسل الرجل، لم يجز له المسح، لأن الرِجْل حدثت في مقرها، وهو
محدث، فصار كما لو بدأ اللبس وهو محدث.
والشرط
عند الشافعية والحنابلة:
أن تكون طهارة كاملة عند اللبس، أي لا بد من كمال الطهارة جميعها وأما عند
الحنفية: فالطهارة عند الحدث بعد اللبس أي لا يشترط كمال الطهارة، وإنما
المطلوب إكمال الطهارة. ويظهر أثر الخلاف فيما لو غسل المحدث رجليه أولاً، ولبس
خفيه، ثم أتم الوضوء قبل أن يحدث، ثم أحدث، جاز له أن يمسح على الخفين عند
الحنفية، لوجود الشرط: وهو (لبس الخفين على طهارة كاملة وقت الحدث بعد اللبس).
وعند الشافعية والحنابلة: لا يجوز لعدم الطهارة الكاملة وقت اللبس، لأن
الترتيب شرط عندهم، فكأن غسل الرجلين مقدماً على الأعضاء الأُخرى، كأن لم
يكن.
الرابع-
ألا يكون الماسح مترفهاً بلبسه، كمن لبسه لخوف على حناء برجليه، أو لمجرد النوم به،
أو لكونه حاكماً، أو لقصد مجرد المسح، أو لخوف برغوث مثلاً، فلا يجوز له المسح. لكن
لو لبسه لحر أو برد أو وعر، أو خوف عقرب، ونحو ذلك، فيجوز له
المسح.
الخامس-
ألا يكون عاصياً بلبسه، كمُحرم بحج أو عمرة، لم يضطر للبسه، فلا يجوز له المسح. أما
المضطر للبسه، والمرأة، فيجوز لها المسح. والمعتمد عند المالكية والحنابلة
والشافعية: أنه يجوز المسح للعاصي بالسفر كالعاق والديه وقاطع الطريق.
والضابط عند المالكية: أن كل رخصة جازت في الحضر، كمسح خف وتيمم وأكل ميتة،
تفعل في السفر، وكل رخصة تختص بالسفر كقصر الصلاة وفطر رمضان تجوز في السفر لغير
العاصي بسفره، أما هو فلا يجوز له ذلك.
2- أن
يكون الخف طاهراً، ساتراً المحل المفروض غسله في الوضوء:
وهو القدم بكعبيه من سائر الجوانب، لا من الأعلى، فلا يجوز المسح على خف غير ساتر
الكعبين مع القدم، كما لا يجوز المسح على خف نجس، كجلد الميتة قبل الدباغ عند
الحنفية والشافعية، وكذلك بعد الدباغ عند المالكية والحنابلة، لأن
الدباغ عندهم غير مطهر، والنجس منهي عنه.
3- إمكان
متابعة المشي فيه بحسب المعتاد: وتقدير
ذلك محل خلاف، فقال الحنفية: أن يكون الخف مما يمكن متابعة المشي المعتاد
فيه فرسخاً فأكثر، فلا يجوز المسح على خف متخذ من زجاج أو خشب أو حديد، أو خف رقيق
يتخرق بالمشي. واشترطوا في الخفين: استمساكهما على الرجلين من غير
شد.
والمعتبر
عند المالكية:
أن يمكن تتابع المشي فيه عادة، فلا يجوز المسح على خف واسع لا تستقر القدم أو
أكثرها فيه، وإنما ينسلت من الرجل عند المشي فيه.
والمقرر
عند الأكثرين من الشافعية:
أن يمكن التردد فيه لقضاء الحاجات، للمقيم سفر يوم وليلة، وللمسافر: سفر ثلاثة أيام
ولياليهن، وهو سفر القصر، لأنه بعد انقضاء المدة يجب نزعه.
وانفرد
الحنابلة برأي خاص هنا، فقالوا: إمكان المشي فيه عرفاً، ولو لم يكن معتاداً، فجاز
المسح على الخف من جلد ولبود وخشب، وزجاج وحديد ونحوها، لأنه خف ساتر يمكن المشي
فيه، فأشبه الجلود، وذلك بشرط ألا يكون واسعاً يرى منه محل الفرض، أي كما قال
الحنفية والمالكية.
الشروط
المختلف فيها بين الفقهاء:
هناك
شروط أخرى مقررة في المذاهب مختلف فيها وهي:
1- أن
يكون الخف صحيحاً سليماً من الخروق:
هذا شرط مفرع على الشرط الثالث السابق، مشروط عند الفقهاء، لكنهم اختلفوا في مقدار
الخرق اليسير المتسامح فيه.
فالشافعية
والحنابلة:
لم يجيزوا المسح على خف فيه خرق، ولو كان يسيراً، لأنه غير ساتر للقدم، ولو كان
الخرق من موضع الخرز، لأن ما انكشف حكمه حكم الغسل، وما استتر حكمه المسح، والجمع
بينهما لا يجوز، فغلب حكم الغسل، أي أن حكم ما ظهر الغسل، وما استتر المسح، فإذا
اجتمعا غلب حكم الغسل، كما لو انكشفت إحدى قدميه.
والمالكية
والحنفية:
أجازوا استحساناً ورفعاً للحرج المسح على خف فيه خرق يسير، لأن الخفاف لا تخلو عن
خرق في العادة، فيمسح عليه دفعاً للحرج. أما الخرق الكبير فيمنع صحة المسح، وهو
عند المالكية: ما لا يمكن به متابعة المشي، وهو الخرق الذي يكون بمقدار ثلث
القدم، سواء أكان منفتحاً أم ملتصقاً بعضه ببعض، كالشق وفتق خياطته، مع التصاق
الجلد بعضه ببعض. وإن كان الخرق دون الثلث ضر أيضاً إن انفتح، بأن ظهرت الرجل منه،
لا إن التصق. ويغتفر الخرق اليسير جداً بحيث لا يصل بلل اليد حال المسح لما تحته من
الرجل.
والخرق
الكبير عند الحنفية:
هو بمقدار ثلاث أصابع من أصغر أصابع القدم.
2- أن
يكون الخف من الجلد: هذا
شرط عند المالكية، فلا يصح المسح عندهم على خف متخذ من القماش، كما لا يصح عندهم
المسح على الجورب: وهو ما صنع من قطن أو كتان أو صوف، إلا إذا كسي بالجلد، فإن لم
يجلَّد، فلا يصح المسح عليه. وكذلك قال الشافعية : لا يجزئ المسح على منسوج لا يمنع
نفوذ الماء إلى الرجل من غير محل الخرز، لو صب عليه لعدم
صفاقته.
واشترط
المالكية
أيضاً أن يكون الخف مخروزاً، لا إن لزق بنحو رسراس قصراً للرخصة على
الوارد.
وأجاز
الجمهور غير المالكية:
المسح على الخف المصنوع من الجلود، أو اللبود، أو الخِرَق، أو غيرها، فلم يشترطوا
هذا الشرط.
واشترط
الحنفية والشافعية:
أن يكون الخف مانعاً من وصول الماء إلى الجسد، لأن الغالب في الخفاف أنها تمنع نفوذ
الماء، فتنصرف إليها النصوص الدالة على مشروعية المسح.
المسح
على الجوارب: أجاز
الحنفية:
المسح على الجوربين الثخينين بحيث يمشي به اللابس فرسخاً فأكثر، ويثبت الجورب على
الساق بنفسه، ولا يرى ما تحته، ولا يشف (يرق حتى يرى ما
وراءه).
وأجاز
الحنابلة
أيضاً المسح على الجورب الصفيق الذي لا يسقط إذا مشى فيه، أي
بشرطين:
أحدهما-
أن يكون صفيقاً لا يبدو منه شيء من القدم.
الثاني-
أن يمكن متابعة المشي فيه.
ويجب
أن يمسح علن الجوربين وعلى سيور النعلين قدر الواجب.
وأجاز
الشافعية والحنابلة
المسح على الخف المشقوق القدم كالزربول الذي له ساق إذا شد في الأصح بواسطة العرا،
بحيث لا يظهر شيء من محل الفرض إذا مشى عليه.
3- أن
يكون الخف مفرداً: وهذا
شرط عند الشافعية فلا يجوز المسح على الجرموقين (وهو ما يلبس فوق
الخف).
وقال
الحنفية والحنابلة والمالكية:
يجزئ المسح على الجرموق فوق الخف، لقول بلال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح
على الجُرموق" رواه أبو داود وأحمد.
ولكن
اشترط الحنفية
لصحة المسح على الجرموق شروطاً ثلاثة هي:
الأول-
أن يكون الأعلى جلداً، فإن كان غير جلد يصح المسح على الأعلى إن وصل الماء إلى
الأسفل.
الثاني-
أن يكون الأعلى صالحاً للمشي عليه منفرداً، فإن لم يكن صالحاً لم يصح المسح عليه
إلا بوصول الماء إلى الأسفل.
الثالث-
أن يلبس الأعلى على الطهارة التي لبس عليها الأسفل.
وأجاز
الحنابلة
المسح على الخف الأعلى قبل أن يحدث، ولو كان أحدهما مخروقاً، لا إن كانا
مخروقين.
4- أن
يكون لبس الخف مباحاً: هذا
شرط عند المالكية والحنابلة، فلا يصح المسح على خف مغصوب، ولا على محرم
الاستعمال كالحرير، وأضاف الحنابلة: ولو في ضرورة، كمن هو في بلد ثلج، وخاف
سقوط أصابعه بخلع الخف المغصوب أو الحرير، فلا يستبيح المسح عليه، لأنه منهي عنه في
الأصل، وهذه ضرورة نادرة، فلا حكم لها. ولا يجوز عند الحنابلة للمحرم المسح على
الخفين ولو لحاجة. وعند الشافعية: لا يشترط هذا الشرط، فيكفي المسح على
المغصوب، والديباج الصفيق، والمتخذ من فضة أو ذهب، للرجل وغيره، كالتيمم بتراب
مغصوب. ويستثنى من ذلك المحرم بنسك اللابس للخف، لأن المحرم منهي عن اللبس من حيث
هو لبس، أما النهي عن لبس المغصوب ونحوه فلأنه متعدٍ في استعمال مال
الغير.
5- ألا
يصف الخف القدم لصفائه أو لخفته: هذا
شرط عند الحنابلة، فلا يصح المسح على الزجاج الرقيق، لأنه غير ساتر لمحل الفرض، ولا
على ما يصف البشرة لخفته.
والمطلوب
عند المالكية
أن يكون الخف من جلد كما بيّنا، وعند الحنفية والشافعية: أن يكون مانعاً من
نفوذ الماء إلى الرِجْل من غير محل الخرز، لو صب عليه، لعدم صفاقته، وبناء عليه يصح
المسح على خف مصنوع من "نايلون" سميك، ونحوه من كل شفاف، لأن القصد هو منع نفوذ
الماء.
6- أن
يبقى من مقدم القدم قدر ثلاث أصابع من أصغر أصابع اليد: اشترط
الحنفية هذا الشرط في حالة قطع شيء من الرجل، ليوجد المقدار المفروض من محل المسح.
فإذا قطعت رجل من فوق الكعب سقط غسلها ولا حاجة للمسح على خفها، ويمسح خف القدم
الأخرى الباقية. وإن بقي من دون الكعب أقل من ثلاث أصابع، لا يمسح لافتراض غسل
الجزء الباقي. وعليه فمن كان فاقداً مقدم قدمه لا يمسح على خفه ولو كان عقب القدم
موجوداً، لأنه ليس محلاً لفرض المسح، ويفترض غسله.
ويصح
عند الفقهاء
الآخرين المسح على خف أي جزء باق من القدم مفروض غسله، فإذا لم يبق من محل الغسل
شيء من الرجل، وصار برجل واحدة، مسح على خف الرجل الأخرى. ولا يجوز بحال أن يمسح
على رجل أو ما بقي منها، ويغسل الأخرى، لئلا يجمع بين البدل والمبدل في محل واحد