المسح
على الجبائر:
معنى
الجبيرة، مشروعية المسح عليها، حكمه، شرائط جواز المسح على الجبيرة، القدر المطلوب
مسحه، هل يجمع بين المسح والتيمم؟ هل تجب إعادة الصلاة بعده؟ نواقض المسح على
الجبيرة، الفوارق بينه وبين المسح على الخفين.
معنى
الجبيرة: الجبيرة
والجِبارة: خشب أو قصب يسوّى ويشد على موضع الكسر أو الخلع لينجبر. وفي معناها: جبر
الكسور بالجِبْس، وفي حكمها: عصابة الجراحة ولو بالرأس، وموضع الفصد والكي، وخرقة
القرحة، ونحو ذلك من مواضع العمليات الجراحية.
مشروعية
المسح على الجبيرة: المسح
على الجبائر جائز شرعاً بالسنة والمعقول.
أما
السنة: فأحاديث منها: حديث علي بن أبي طالب، قال: "انكسرت إحدى زندي، فسألت النبي
صلى الله عليه وسلم، فأمرني أن أمسح على الجبائر". رواه ابن ماجه والدارقطني
والبيهقي.
ومنها
حديث جابر في الرجل الذي شُجَّ (كسر) فاغتسل، فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويَعْصِب على جُرْحه خِرْقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر
جسده". رواه أبو داود.
وأما
المعقول: فهو أن الحاجة تدعو إلى المسح على الجبائر، لأن في نزعها حرجاً
وضرراً.
حكمه-
هل المسح على الجبيرة واجب أم سنة؟
قال
أبو حنيفة:
المسح على الجبائر واجب، وليس بفرض، وإذا كان المسح على الجبيرة يضره سقط عنه
المسح، لأن الغسل يسقط بالعذر، فالمسح أولى.
وقال
الجمهور
(المالكية والشافعية والحنابلة): المسح على الجبائر بماء واجب أي فرض استعمالاً
للماء ما أمكن.
ولا
يجوز اتفاقاً المسح على جبيرة رِجْل مع مسح خف الأخرى الصحيحة، وإنما يجمع بين
المسح والغسل.
شرائط
المسح على الجبيرة: يشترط
لجوازه ما يأتي:
1- ألا
يمكن نزع الجبيرة، أو يخاف من نزعها بسبب الغسل حدوث مرض، أو زيادته، أو تأخر البرء
كما في التيمم. قال المالكية: يجب المسح إن خيف هلاك أو شدة ضرر أو أذى،
كتعطيل منفعة من ذهاب سمع أو بصر مثلاً، ويجوز إن خيف شدة الألم أو تأخره بلا شين،
أو رمد أو دمل أو نحوها.
وذلك
إذا كان الجرح ونحوه في أعضاء الوضوء في حالة الحدث الأصغر، أو في الجسد في حالة
الحدث الأكبر.
2- ألا
يمكن غسل أو مسح نفس الموضع بسبب الضرر، فإن قدر عليه فلا مسح على الجبيرة، وإنما
يمسح على عين الجراحة إن لم يضر المسح بها، ولا يجزئه المسح على الجبيرة، وإن لم
يستطع مسح على الجبيرة. قال المالكية: والأرمد الذي لا يستطيع المسح على
عينه أو جبهته إن خاف الضرر، يضع خرقة على العين أو الجبهة ويمسح عليها.
وقال
الحنفية:
يترك المسح كالغسل إن ضر، وإلا لا يترك.
وقال
الشافعية:
لا يمسح على محل المرض بالماء، وإنما يغسل الجزء الصحيح ويتيمم عن الجزء العليل،
ويمسح على الجبيرة إن وجدت.
3- ألا
تتجاوز الجبيرة محل الحاجة، فإن تجاوزت الجبيرة محل الحاجة:
وهو ما لا بد منه للاستمساك، وجب نزعها، ليغسل الجزء الصحيح من غير ضرر لأنها طهارة
ضرورة، فتقدر بقدرها، فإن خاف من نزعها تلفاً أو ضرراً، تيمم لزائد على قدر الحاجة،
ومسح ما حاذى محل الحاجة، وغسل ما سوى ذلك، فيجمع إذن بين الغسل والمسح والتيمم،
ولا يجب مسح موضع العلة بالماء، وإن لم يخف منه، لأن الواجب إنما هو الغسل، لكن
يستحب المسح، ولا يجب عليه وضع ساتر على العليل ليمسح على الساتر، لأن المسح رخصة،
فلا يليق بها وجوب المسح.
وهذا
شرط ذكره الشافعية والحنابلة. وأوجب الشافعية أيضاً التيمم مطلقاً
كما سيأتي.
وقال
الحنفية:
إن كان حل الخرقة، وغسل ما تحتها من حوالى الجراحة، مما يضر بالجرح، يجوز المسح على
الخرقة الزائدة، ويقوم المسح عليها مقام غسل ما تحتها، كالمسح على الخرقة التي
تلاصق الجراحة. وإن كان ذلك لا يضر بها، لا يجوز المسح إلا على نفس الجراحة، ولا
يجوز على الجبيرة، لأن الجواز على الجبيرة للعذر، ولا عذر. وهذا هو المقرر أيضاً
عند المالكية، وبه يتبين أن الحنفية والمالكية لم يفرقوا بين ما إذا كانت
الجبيرة قدر المحل المألوم أو زادت عنه للضرورة.
4ً-
أن توضع الجبيرة على طهارة مائية: وإلا وجبت إعادة الصلاة: هذا شرط عند
الشافعية والحنابلة، لأن المسح على الجبيرة أولى من المسح على الخف، للضرورة
فيها، ويشترط لبس الخف على طهارة (وضوء أو غسل). ولا تعاد الصلاة إن كانت الجبيرة
بقدر الاستمساك، ووضعت على طهر، وغسل الصحيح، وتيمم عن الجريح، ومسح على الجبيرة.
ولو شد الجبيرة على غير طهارة، نزعها إن لم يتضرر، ليغسل ما تحتها، فإن خاف من
نزعها تلفاً أو ضرراً، تيمم لغسل ما تحتها، ولو عمت الجبيرة فرض التيمم (الوجه
واليدين) كفى مسحها بالماء عند الحنابلة، وسقط التيمم، ويعيد الصلاة عند الشافعية
لأنه كفاقد الطهورين.
ولم
يشترط الحنفية والمالكية:
وضع الجبيرة على طهارة، فسواء وضعها وهو متطهر أو بلا طهر، جاز المسح عليها ولا
يعيد الصلاة إذا صح، دفعاً للحرج. وهذا هو المعقول، لأنه يغلب في وضعها عنصر
المفاجأة، فاشتراط الطهارة وقتئذ فيه حرج وعسر.
5- ألا
يكون الجبر بمغصوب، ولا بحرير محرم على الذكر، ولا بنجس كجلد الميتة والخرقة
النجسة،
فيكون المسح حينئذ باطلاً، وتبطل الصلاة أيضاً. وهذا شرط عند
الحنابلة.
القدر
المطلوب مسحه على الجبيرة:
المفتى
به عند الحنفية:
أنه يكفي مسح أكثر الجبيرة مرة، فلا يشترط استيعاب وتكرار ونية اتفاقاً، كما لا
تطلب النية في مسح الخف والرأس أو العمامة.
والواجب
عند الجمهور
(المالكية والشافعية والحنابلة): مسح الجبيرة كلها بالماء، استعمالاً للماء ما
أمكن، ولأن مسحها بدل عن غسل ما تحتها، وما تحت الجبيرة كان يجب استيعابه بالغسل،
فكذا المسح، ولا ضرر في تعميمها بالمسح، بخلاف الخف يشق تعميم جميعه، ويتلفه
المسح.
وأوضح
المالكية والحنفية
أن الواجب الأصلي هو غسل أو مسح المحل المجروح مباشرة إن أمكن بلا ضرر، فإن لم
يستطع المسح عليه، مسح جبيرة الجرح: وهي اللزقة التي فيها الدواء الذي يوضع على
الجرح ونحوه، أو على العين الرمداء، فإن لم يقدر على مسح الجبيرة أو تعذر حلها،
مسحت عصابته التي تربط فوق الجبيرة، ولو تعددت العصائب، فإنه يمسح عليها. ولا يجزيه
المسح على ما فوق العصائب إن أمكنه المسح على ما تحتها أو مسح
أسفلها.
ولا
يقدر المسح بمدة، بل له الاستدامة إلى الشفاء (الاندمال)، لأنه لم يرد فيه تأقيت،
ولأن الساتر لا ينزع للجنابة، بخلاف الخف، ولأن مسحها للضرورة، فيقدر بقدرها،
والضرورة قائمة إلى حلِّها أو برء الجرح عند الجمهور، وإلى البرء عند
الحنفية.
ويمسح
الجنب ونحوه متى شاء. ويمسح المحدث عند الشافعية والحنابلة وقت غسل الجزء
العليل، عملاً بمبدأ الترتيب المطلوب عندهم، وله تقديم التيمم على المسح والغسل وهو
أولى.
ويجب
مسح الساتر، ولو كان به دم، لأنه يعفى عن ماء الطهارة، ومسحه بدل عما أخذه من الجزء
الصحيح. فلو لم يأخذ الساتر شيئاً، أو أخذ شيئاً وغسله، لم يجب مسحه على المعتمد
عند الشافعية.
وذكر
الشافعية:
أنه لو برأ وهو على طهارة، بطل تيممه لزوال علته، ووجب غسل موضع العذر، جنباً كان
أو محدثاً.
هل
يجمع بين المسح على الجبيرة والتيمم؟
يرى
الحنفية والمالكية:
الاكتفاء بالمسح على الجبيرة، فهو بدل لغسل ما تحتها، ولا يضم إليه التيمم، إذ لا
يجمع بين طهارتين.
ويرى
الشافعية:
أنه يجمع بين المسح على الجبيرة والتيمم، فيغسل الجزء الصحيح، ويمسح على الجبيرة،
ويتيمم وجوباً، لما روى أبو داود والدارقطني بإسناد كل رجاله ثقات عن جابر في
المشجوج الذي احتلم واغتسل، فدخل الماء شجته، فمات: أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصب على رأسه خرقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر
جسده".
ولو
كان في بدنه جبائر كثيرة وأجنب وأراد الغسل، كفاه تيمم واحد عن الجميع، لأن بدنه
كعضو واحد. وفي حالة الحدث الأصغر (الوضوء) يتعدد التيمم بعدد الأعضاء المريضة على
الأصح، كما يتعدد مسح الجبيرة بتعددها. وعليه : إن كانت الجراحة في أعضاء الوضوء
الأربعة ولم تعمها فلا بد من ثلاثة تيممات: الأول للوجه، والثاني لليدين، والثالث
للرجلين، أما الرأس فيكفي فيه مسح ما قل منه فإن عمت الجراحة الرأس فأربعة تيممات.
وإن عمت الأعضاء كلها فتيمم واحد عن الجميع لسقوط الترتيب بسقوط
الغسل.
وتوسط
الحنابلة
فرأوا أنه يجزئ المسح على الجبيرة، من غير تيمم، إذا لم تجاوز الجبيرة قد
الحاجة.
ويمسح
ويتيمم إن تجاوزت الجبيرة محل الحاجة، أو خيف الضرر من نزعها، ويكون التيمم للزائد
على قدر الحاجة، والمسح لم يحاذ محل الحاجة، والغسل لِمَ سوى ذلك، فيجمع إذن بين
الغسل والمسح والتيمم. وإذا لم يكن على الجرح عصاب، يغسل الصحيح ويتيمم
للجرح.
هل
تجب إعادة الصلاة بعد البرء؟
الذين
لم يشترطوا وضع الجبيرة على طهارة وهم المالكية والحنفية، ورأيهم هو الحق،
لم يوجبوا إعادة الصلاة بعد الصحة من الجرح، لإجماع العلماء على جواز الصلاة، وإذا
جازت الصلاة، لم تجب إعادتها.
أما
الذين اشترطوا وضع الجبيرة على طهارة وهم الشافعية والحنابلة، فقد أوجبوا إعادة
الصلاة، لفوات شرط الوضع على طهارة.
وتعاد
الصلاة عند الشافعية في الأحوال الثلاثة التالية:
1- إذا
كانت الجبيرة في أعضاء التيمم (الوجه واليدين) مطلقاً، سواء على طهر أو
حدث.
2- إذا
وضعت الجبيرة على غير طهر (حدث) سواء في أعضاء التيمم أو في
غيرها.
3- إذا
زادت الجبيرة على قدر الحاجة أو الاستمساك مطلقاً، سواء على طهر أو
حدث.
ولا
تعاد الصلاة عندهم في حالتين وهما:
1- إذا
كانت في غير أعضاء التيمم، ولم تأخذ من الصحيح شيئاً، ولو على
حدث.
2- إذا
كانت في غير أعضاء التيمم، ووضعها على طهر، ولو زادت على قدر
الحاجة.
نواقض
المسح على الجبيرة:
يبطل
المسح على الجبيرة في حالتين هما:
1- نزعها
وسقوطها: قال الحنفية: يبطل المسح على الجبيرة إن سقطت عن برء، لزوال العذر،
وإن كان في الصلاة، استأنف الصلاة بعد الوضوء الكامل، لأنه قدر على الأصل قبل حصول
المقصود بالبدل.
وإن
سقطت عن غير برء لم يبطل المسح، لأن العذر قائم، والمسح عليها كالغَسْل لِما تحتها
ما دام العذر قائماً: أي أن بطلان المسح على الجبيرة في الحقيقة يكون بالبرء ويجوز
تبديلها بغيرها ولا يجب إعادة المسح عليها، والأفضل إعادته.
وإذا
رمد، وأَمَره طبيب مسلم حاذق ألا يغسل عينه، أو انكسر ظفره، أو حصل به داء، وجعل
عليه دواء، جاز له المسح للضرورة، وإن ضره المسح تركه، لأن الضرورة تقدر
بقدرها.
وقال
المالكية:
يبطل المسح بنزع الجبيرة أو سقوطها للمداواة أو غيرها، فإذا صح غسل الموضع على
الفور، وإن لم يصح وبدَّلها للمداواة، أعاد المسح، وإن سقطت الجبيرة وهو في الصلاة،
بطلت الصلاة، وأعاد الجبيرة في محلها، وأعاد المسح عليها، إن لم يطل الفاصل، ثم
ابتدأ صلاته، لأن طهارة الموضع قد انتقضت بظهوره.
ويمسح
المتوضئ رأسه إن سقط الساتر، الذي كان قد مسح عليه من الجبيرة أو العصابة أو
العمامة، ثم صلى إن طال فاصل سقوط الساتر نسياناً، وإلا ابتدأ طهارة جديدة أي أعاد
الوضوء.
وقال
الشافعية:
لو سقطت جبيرته في الصلاة، بطلت صلاته، سواء أكان قد برئ، أم لا، كانقلاع الخف. وفي
حالة البرء تبطل الطهارة أيضاً، فإن لم يبرأ رد الجبيرة إلى موضعها ومسح عليها
فقط.
وقال
الحنابلة:
زوال الجبيرة كالبرء، ولو قبل برء الكسر أو الجرح وبرؤها كخلع الخف، يبطل المسح
والطهارة والصلاة كلها، وتستأنف من جديد، لأن مسحها بدل عن غسل ما تحتها، إلا أنه
في الطهارة الكبرى من الجنابة يكفي بزوال الجبيرة غسل ما تحتها فقط. وفي الطهارة
الصغرى (الوضوء) إن كان سقوطها عن برء توضأ فقط، وإن كان سقوطها عن غير برء، أعاد
الوضوء والتيمم.
وهكذا
يتبين أن الجمهور غير الحنفية يقررون بطلان المسح على الجبيرة بنزعها أو
سقوطها.
2- الحدث:
يبطل المسح على الجبيرة بالاتفاق بالحدث. لكن إذا أحدث صاحب الجبيرة يعيد عند
الشافعية ثلاثة أمور: يغسل الصحيح، ويمسح على الجبيرة، ويتيمم. فإن لم يحدث وأراد
صلاة فرض آخر، تيمم فقط، ولم يعد غسلاً ولا مسحاً، لأن الواجب عندهم إعادة التيمم
لكل فريضة.
أهم
الفروق بين المسح على الخفين والمسح على الجبيرة:
ذكر
الحنفية
فروقاً بين هذين النوعين من المسح، أهمها ما يأتي:
1- المسح
على الجبائر غير مؤقت بالأيام،
بل هو موقت بالبرء، أما المسح على الخفين فهو بالشرع موقت بالأيام، للمقيم يوم
وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها.
2- لا
تشترط الطهارة لوضع الجبائر،
فيجوز المسح عليها للمحدث. وتشترط الطهارة للبس الخفين، فلا يجوز المسح عليهما
للمحدث.
3- إذا
سقطت الجبائر لا عن برء لا ينتقض المسح،
وسقوط الخفين أو أحدهما يوجب انتقاض المسح.
4- المسح
على الجبائر جائز إذا كان يضره المسح على الجراحة،
فإن لم يضره فلا يمسح على الجبائر. أما المسح على الخفين فهو جائز ولو لم يعجز عن
غسل الرجلين.
5- المسح
على الجبائر جائز ولو كانت في غير الرجلين.
أما المسح على الخفين فمحصور في الرجلين.
وذكر
الحنابلة
خمسة فروق بين نوعي المسح المذكورين، وافقوا الحنفية في الفرق الأول والثاني
والرابع، أما الفرقان الآخران فهما: أنه يمسح على الجبيرة في الطهارة الكبرى، لأن
الضرر يلحق بنزعها فيها، بخلاف الخف، ويجب عندهم استيعابها بالمسح لأنه لا ضرر في
تعميمها، بخلاف الخف فإنه يشق تعميم جميعه ويتلفه المسح.