الأعذار
التي يشرع بسببها التيمم:
المبيح
للتيمم في الحقيقة شيء واحد. وهو العجز عن استعمال الماء، والعجز إما لفقد الماء
وإما لعدم القدرة على استعماله مع وجوده:
أولاً:
فقد الماء:
أ-
فقد الماء للمسافر:
إذا
فقد المسافر الماء بأن لم يجده أصلاً، أو وجد ماء لا يكفي للطهارة حساً جاز له
التيمم، لكن يجب عند الشافعية والحنابلة أن يستعمل ما تيسر له منه في بعض
أعضاء الطهارة ثم يتيمم عن الباقي لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر
فأتوا منه ما استطعتم" ويكون فقد الماء شرعاً للمسافر بأن خاف الطريق إلى الماء، أو
كان بعيدا عنه فلا يكلف المسافر حينئذ بطلبه.
ويشترط
عند الشافعية والحنابلة لمن ظن وجود الماء أو شك في وجوده (ومثله عند
الشافعية ما لو توهم وجوده) أن يطلبه فيما قرب منه لا فيما
بعُد.
حد
البعد عن الماء:
اختلف
الفقهاء
في حد البعد عن الماء الذي يبيح التيمم:
فذهب
الحنفية
إلى أنه ميل وهو يساوي أربعة آلاف ذراع أي ما يعادل 1680
متراً.
وحدده
المالكية
بميلين وحدده الشافعية بأربعمائة ذراع، وهو حد الغوث وهو مقدار غلوة (رمية سهم)،
وذلك في حالة توهمه للماء أو ظنه أو شكّه فيه، فإن لم يجد ماء تيمم، وكذلك الحكم
عند الحنفية فأوجبوا طلب الماء إلى أربعمائة خطوة إن ظن قربه من الماء مع
الأمن.
وذهب
الشافعية
إلى أنه إن تيقن فقد الماء حوله تيمم بلا طلب، أما إذا تيقن وجود الماء حوله طلبه
في حد القرب (وهو ستة آلاف خطوة) ولا يطلب الماء عند الشافعية سواء في حد
القرب أو الغوث إلا إذا أمن على نفسه وماله وانقطاعه عن
الرفقة.
وقال
المالكية:
إذا تيقن أو ظن الماء طلبه لأقل من ميلين، ويطلبه عند الحنابلة فيما قرب منه
عادة.
هذا
فيما إذا لم يجد الماء، أما إذا وجد الماء عند غيره أو نسيه في رحله فهل يجب عليه
شراؤه أو قبول هبته؟
الشراء:
يجب
على واجد الماء عند غيره أن يشتريه إذا وجده بثمن المثل أو بغبن يسير، وكان ما عنده
من المال فاضلاً عن حاجته.
فإن
لم يجده إلا بغبن فاحش أو لم يكن معه ثمن الماء تيمم.
الهبة:
ذهب
جمهور الفقهاء
-الحنفية والمالكية والحنابلة- وهو الأصح عن الشافعية إلى أنه لو وهب له ماء
أو أعير دلوا وجب عليه القبول، أما لو وهب ثمنه فلا يجب قبوله بالاتفاق لعظم
المنة.
ب-
فقد الماء للمقيم:
إذا
فقد المقيم الماء وتيمم فهل يعيد صلاته أم لا؟ فيه خلاف بين
العلماء:
فذهب
الجمهور
(الحنفية والمالكية والحنابلة) إلى أنه لا يعيد، لأن الشرط هو عدم الماء فأينما
تحقق جاز التيمم.
ويعيد
عند المالكية
المقصّر في طلب الماء ندباً في الوقت، وصحت صلاته إن لم يعد، كواجد الماء الذي طلبه
طلباً لا يشق عليه بقربه بعد صلاته لتقصيره، أو وجد الماء في رحله بعد طلبه. أما
خارج الوقت فلا يعيد، وقد اختلف المالكية في تيمم الصحيح الحاضر الفاقد للماء لصلاة
الجمعة إذا خشي فواتها بطلب الماء، ففي المشهور من المذهب لا يتيمم لها فإن فعل لم
يجزه، لأن الواجب عليه أن يصلي الظهر، وخلاف المشهور يتيمم لها ولا يدعها وهو أظهر
مدركاً من المشهور.
أما
إذا كان فرض التيمم لعدم الماء بالمرة فيصليها بالتيمم ولا يدعها، ويصلي الظهر وهو
ظاهر.
وكذا
عند المالكية لا
يتيمم الحاضر الصحيح الفاقد للماء لجنازة إلا إذا تعينت عليه بأن لم يوجد غيره من
متوضىء أو مريض أو مسافر.
ولا
يتيمم لنفل استقلالا، ولا وتراً إلا تبعاً لفرض بشرط أن يتصل النفل بالفرض حقيقة أو
حكماً فلا يضر الفصل اليسير.
نسيان
الماء:
لو
نسي الماء في رحله وتيمم وصلى فإن تذكره قطع صلاته وأعادها إجماعا، أما إذا أتم
صلاته ثم تذكر الماء فإنه يقضى صلاته عند الشافعية في الأظهر،
والحنابلة سواء في الوقت أو خارجه.
وذهب
المالكية
إلى أنه إذا تذكر في الوقت أعاد صلاته، أو خارج الوقت فلا
يقضي.
وسبب
القضاء تقصيره في الوقوف على الماء الموجود عنده، فكان كما لو ترك ستر العورة وصلى
عريانا، وكان في رحله ثوب نسيه.
وذهب
الحنفية
إلى أنه لا يقضي لأن العجز عن استعمال الماء قد تحقق بسبب الجهالة والنسيان، فيجوز
التيمم كما لو حصل العجز بسب البعد أو المرض أو عدم الدلو
والرشاء.
وذهب
أبو يوسف من الحنفية
إلى أنه يعيد إذا كان هو الواضع للماء في الرحل أو غيره بعلمه سواء كان بأمره أو
بغير أمره، أما لو كان الواضع للماء غيره وبلا علمه فلا إعادة اتفاقاً
عندهم.
ثانياً:
عدم القدرة على استعمال الماء:
يجب
على من وجد الماء أن يستعمله في عبادة وجبت عليه لا تصح إلا بالطهارة، ولا يجوز
العدول عن ذلك إلى التيمم إلا إذا عدمت قدرته على استعمال الماء، ويتحقق ذلك
بالمرض، أو خوف المرض من البرد ونحوه، أو العجز عن استعماله.
أ-
المرض:
اتفق
الفقهاء
على جواز التيمم للمريض إذا تيقن التلف، وكذلك عند الأكثرين إذا خاف من استعمال
الماء لوضوء أو لغسل، على نفسه أو عضوه هلاكه، أو زيادة مرضه، أو تأخر برئه، ويعرف
ذلك بالعادة أو بإخبار طبيب حاذق مسلم عدل، واكتفى بعض الحنفية بأن يكون مستورا أي
غير ظاهر الفسق، وصرح الشافعية في الأظهر -الحنابلة زيادة على ما تقدم- خوف حدوث
الشين الفاحش.
وقيده
الشافعية
بما يكون في عضو ظاهر، لأنه يشوه الخلقة ويدوم ضرره، والمراد بالظاهر عند الشافعية
ما يبدو عند المهنة غالباً كالوجه واليدين.
وذهب
الحنفية والحنابلة
إلى أن المريض الذي لا يقدر على الحركة ولا يجد من يستعين به يتيمم كعادم الماء ولا
يعيد.
وقال
الحنفية:
فإن وجد من يوضئه ولو بأجر المثل وعنده مال لا يتيمم في ظاهر
المذهب.
ب-
خوف المرض من البرد ونحوه:
ذهب
جمهور الفقهاء
إلى جواز التيمم في السفر والحضر (خلافاً لأبي يوسف ومحمد في الحضر) لمن خاف من
استعمال الماء في شدة البرد هلاكاً، أو حدوث مرض، أو زيادته، أو بطء برء إذا لم يجد
ما يسخن به الماء، أو لم يجد أجرة الحمام، أو ما يدفئه، سواء في الحدث الأكبر أو
الأصغر، لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص رضي الله عنه على تيممه خوف
البرد وصلاته بالناس إماما ولم يأمره بالإعادة.
وذهب
الحنفية
إلى أن جواز التيمم للبرد خاص بالجنب، لأن المحدث لا يجوز له التيمم للبرد في
الصحيح خلافاً لبعض المشايخ إلا إذا تحقق الضرر من الوضوء فيجوز التيمم
حينئذ.
وذهب
جمهور الفقهاء
إلى أن المتيمم للبرد -على الخلاف السابق- لا يعيد صلاته.
وذهب
الشافعية
إلى أنه يعيد صلاته في الأظهر إن كان مسافراً، والثاني: لا يعيد لحديث عمرو بن
العاص رضي الله عنه، أما إذا تيمم المقيم للبرد فالمشهور القطع بوجوب
الإعادة.
جـ-العجز
عن استعمال الماء:
يتيمم
العاجز الذي لا قدرة له على استعمال الماء ولا يعيد كالمكره، والمحبوس،والمربوط
بقرب الماء، والخائف من حيوان، أو إنسان في السفر والحضر، لأنه عادم للماء حكما،
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد
الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير".
واستثنى
الحنفية
مما تقدم المكره على ترك الوضوء فإنه يتيمم ويعيد صلاته.
د-
الحاجة إلى الماء:
يتيمم
ولا يعيد من اعتقد أو ظن أنه يحتاج الماء الذي معه ولو في المستقبل، لنحو عطش إنسان
معصوم الدم، أو حيوان محترم شرعاً -ولو كلب صيد أو حراسة- عطشا مؤدياً إلى الهلاك
أو شدة الأذى، وذلك صوناً للروح عن التلف، بخلاف الحربي، والمرتد، والكلب غير
المأذون فيه، فإنه لا يتيمم بل يتوضأ بالماء الذي معه لعدم حرمة
هؤلاء.
وسواء
أكانت الحاجة للماء للشرب، أم العجن، أم الطبخ.
ومن
قبيل الاحتياج للماء إزالة النجاسة غير المعفو عنها به، سواء أكانت على البدن أم
الثوب، وخصها الشافعية بالبدن، فإن كانت على الثوب توضأ بالماء وصلى عرياناً إن لم
يجد ساتراً ولا إعادة عليه.
ذهب
الشافعية والحنابلة
إلى أنه إن كانت على بدنه نجاسة وعجز عن غسلها لعدم الماء، أو خوف الضرر باستعماله
تيمم لها وصلى، وعليه القضاء عند الشافعية، وهو رواية
للحنابلة.
وذهب
الحنابلة إلى أنه لا قضاء عليه، واستدلوا بعموم الحديث السابق ذكره (الصعيد الطيب
طهور المسلم). ونقل ابن قدامة عن أكثر الفقهاء أن من على بدنه نجاسة وعجز عن غسلها
يصلي بحسب حاله بلا تيمم ولا يعيد